انقضى عام 2019 وهو حافل بالانجازات السياسية، علّ أهمها مشروع تعديل الدستور الذي وعد به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون خلال حملته الانتخابية وكان أوّل ورشة فتحها باستشارات سياسية واسعة شارك فيها كل الأطياف والشخصيات الوطنية، ومنهم من تنقل إليه شخصيا كالمجاهد والوزير الأسبق أحمد طالب الابراهيمي، الذي زاره في بيته، ليقوم بعدها بتنصيب لجنة للخبراء لصياغة دستور جديد للبلاد، والذي حضي بنقاش تاريخي غير مسبوق في الجزائر، حيث شارك في صياغة مقترحاته 5018 شخصية سياسية وأكاديمية ودينية بالإضافة إلى أحزاب سياسية ومنظمات وجمعيات وطنية ومحلية، كما شاركت فيه أيضا هيئات ومؤسسات رسمية. وبين من انتقد بعض بنود مسودة الدستور ومن رحّب بالتعديلات، إلا أن الجميع يتفق على أن الدستور الجديد يصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها ويدعم أخلقة الحياة العامة ويحفظ حقوق وحريات المواطن، كما يلتزم في محوره الرابع على تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية واستقلالية السلطة القضائية، وتعزيز المساواة بين المواطنين أمام القانون. ويعدّ التعديل الدستوري الذي قامت به الجزائر وسيلة لتحقيق الأهداف الطموحة والمشروعة للشعب الجزائري في مختلف المجالات والتي لا يمكن تحقيقها إلا ب: تدعيم النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول على السلطة، والفصل الفعلي بين السلطات وإقامة توازن أفضل بينها. وتهدف التعديلات الدستورية التي قام بها المشرّع الجزائري، إلى إضفاء المزيد من الانسجام على سير السلطة التنفيذية، و إعادة الاعتبار للبرلمان خاصة في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة، و تعزيز سلطة المنتخبين لاسيما المعارضة البرلمانية. و تبقى هذه الغاية مشروطة بمراجعة نطاق الحصانة البرلمانية من خلال حصرها في النشاط البرلماني بالمعنى الدقيق للمصطلح. وكذا إلى توسيع و إثراء مجالات حرية المواطن من خلال تكريس حريات فردية وجماعية جديدة، وتدعيم الحقوق الدستورية المكفولة بإعطاء مضمون ومعنى حقيقي للحريات المكرسة خاصة حرية التظاهر السلمي وحرية الصحافة المكتوبة والسمعية – البصرية وعلى الشبكات المعلوماتية، على أن تمارس بكل حرية وبدون المساس بكرامة وحريات وحقوق الغير. لما استشرى الفساد، و صار المال وسيلة للوصول إلى المناصب لاسيما المناصب التمثيلية، مما أثر سلبا على سير كل دواليب الدولة، كان لابد أن يستهدف التعديل الدستوري المرتقب تعزيز آليات للوقاية من الفساد ومكافحته، ووضع آليات تكون كفيلة بمنع تضارب المصالح بين ممارسة المسؤوليات العمومية وتسيير الأعمال من أجل إبعاد نفوذ المال عن تسيير الشؤون العامة، فضلا عن إعادة الاعتبار لمؤسسات الرقابة وتقويتها بما يضفي على نشاطها الكثير من الفعالية، وبما يساعدها على حماية الممتلكات والأموال العامة. @استفتاء تمّ دون تسجيل أي شبهة عن الشفافية أو نزاهة الانتخابات تمت عملية الاستفتاء على الدستور بتاريخ الفاتح من نوفمبر الماضي، دون تسجيل أية شبهة عن شفافية ونزاهة النتائج، عكس ما عرفته الجزائر عبر انتخاباتها السابقة سواء كانت محلية أو برلمانية أو رئاسية، حيث كانت غالبا ما تنتهي بمناوشات وتخريب في مكاتب الاستفتاء بسبب عمليات التزوير المدبّرة من أجل الرفع من نسبة التصويت أو ترجيح الكفة لصالح مترشح على حساب مترشّح آخر، وهذا ما لم يشهده استفتاء الفاتح من نوفمبر واعتبره الكثير من الخبراء والنشطاء السياسيين بمثابة الامتحان الأوّل للسلطة لإبراز نيتها الحسنة للتغيير ولبناء الجمهورية الجديدة على أسس دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية. بتنظيم الاستفتاء الخاص بتعديل الدستور، يكون رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد جسد أحد أبرز التزاماته السياسية لتكون هذه المراجعة "التوافقية" القاطرة الرئيسية التي ستجر وراءها إصلاحات أخرى مبرمجة ضمن خطة العمل الرئاسية المؤسسة لجزائر جديدة طالب بها الحراك الشعبي. وشكل هذا الاستفتاء أحد أهم الأحداث التي شهدتها الجزائر عام 2020، فبعد إعلانه عن نيته في تعديل القانون الأسمى للبلاد الذي كان على رأس الأولويات التي انطوى عليها برنامجه الانتخابي وتأكيد هذا المشروع السياسي مباشرة بعد توليه الحكم، انطلق سريعا مسار التحضير لهذا الموعد، بتنصيب لجنة لعرابة والانطلاق في المشاورات والتي وصفها الكثيرون بالمراطونية وبالفريدة من نوعها حيث شاركت فيها كل أطياف المجتمع دون اقصاء أو تمييز. * الجزائريون يتبنّون الدستور بنسبة 66 بالمائة تبنى الجزائريون المستفتون، الدستور بنسبة تفوق 66 بالمائة، وتمّ تثبيت الهوية الجزائرية بكل مكوناتها غير منقوصة ودسترة بيان أول نوفمبر لأول مرّة منذ الاستقلال كمرجعية وطنية، كما تعززت الحريات وارتسمت الديمقراطية بالخصوصية الجزائرية، كما يتيح الدستور الجديد تكريس الإرادة السيدة للشعب وطموحاته المشروعة" وهذا من خلال تنظيم استفتاء شعبي اختير له تاريخ الفاتح من نوفمبر, لما يحمله من رمزية تجعل منه منعرجا مصيريا في بناء جزائر جديدة, على غرار ميلاد الجزائر المستقلة التي مهدت له ثورة التحرير المجيدة التي انطلقت شرارتها ذات أول نوفمبر من سنة 1954, وهو ما عكس "تواصلا طبيعيا" بين هاتين المحطتين من تاريخ الأمة. لتخرج الجزائر، غداة الاستفتاء، بدستور جديد جاء ل«يصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة ويضمن الفصل بين السلطات وتوازنها ويدعم أخلقة الحياة العامة ويحفظ حقوق وحريات المواطن، ويحدث القطيعة مع ممارسات سابقة كان قد ندد بها الحراك الشعبي "المبارك والأصيل" الذي كان جذوة هذا التغيير والمحرك الأساسي لحدوثه، لتعود الكلمة الأخيرة للشعب الذي أدلى بدلوه يوم الاستفتاء الذي جاءت نتائجه لتؤكد "نزاهة و شفافية" العملية و "مصداقية مؤسسات الدولة" التي سهرت على مختلف مراحلها. بعد، حملة استفتائية امتدت من السابع إلى 28 أكتوبر، حل اليوم المحدد للاستفتاء الذي تمخض عن نتائج مثلت بالنسبة لرئاسة الجمهورية "تعبيرا حقيقيا وكاملا لما أراده الشعب" وأبانت عن أن رئيس الجمهورية "كان وفيا لالتزاماته, حتى يتم الشروع أخيرا في المسار الكفيل بالسماح بالتعبير الحر والديمقراطي للشعب الجزائري حول كل ما يخص مصيره"، وأضاف، البيان أنه وامتدادا لانتخابات 12 ديسمبر 2019، فإن "كل الانتخابات ستكون بمثابة التعبير عن تطلعات الشعب الجزائري ولما يريده لمستقبله". @ الورشة الثانية تعديل قانون الانتخابات .. لتكافؤ الفرص للوصول للمؤسسات المنتخبة بالانتهاء من تعديل القانون الأسمى للبلاد الذي يمثل "حجر الأساس لبناء الجمهورية الجديدة" و باكورة الإصلاحات المعلن عنها ضمن مسعى التغيير الجوهري الذي شرع فيه، فتح، السيد الرئيس الورشة الثانية التي تلت الدستور وهي تنصيب لجنة الخبراء تعنى بصياغة قانون جديد للانتخابات، عنوانه العريض تكافؤ الفرص أمام كل الجزائريين للوصول إلى المؤسسات المنتخبة، حيث أسّس السيد الرئيس لمبدأ جديد في المشهد السياسي الأولوية للجامعيين من الكفاءات الجزائرية من باب رد الاعتبار للجامعة الجزائرية، والاعتماد في بناء المشهد السياسي الجديد على الشباب والمجتمع المدني كعناصر قوة كانت تعاني الإقصاء. كما، شكّل مراجعة القانون المتعلق بنظام الانتخابات بالنسبة لرئيس الجمهورية شرطا أساسيا ل "أخلقة الحياة السياسية وإعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة", فمن شأن القانون الجديد للانتخابات تحديد مقاييس وشروط الترشح بوضوح، مع ضمان "تجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي وشراء الأصوات والذمم". وفي هذا الإطار, سيكون في يد اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد مشروع مراجعة القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي بضع أيام لتجهيز مشروع هذه المراجعة، طبقا للتوجيهات التي أسداها الرئيس تبون في كلمته الأخيرة. إن التعديل الدستوري الذي استفتى عليه الشعب كان على رأس أولويات عهدة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون باعتباره حجر الزاوية في تشييد الجمهورية الجديدة التي تصبو إلى تحقيق مطالب الشعب التي عبر عنها حراكه الأصيل . ولا يمكن تحقيق تلك المطالب إلا بمراجعة دستورية معمقة بغرض تجديد أنماط الحوكمة على كافة مستويات المسؤولية، لاسيما على مستوى المؤسسات العليا للجمهورية.