عادت الجزائر بقوة و من الباب الواسع إلى المشهد الإقليمي المحيط بها فارضة أجندتها المبنية على الشرعية الأممية و على عدم التدخل في شؤون الغير و احترام سيادة الدول و الأهم من هذا و ذاك إسكات البنادق و تغليب منطق الحوار لحل النزاعات و السماح للشعوب المحتلة بتقرير مصيرها و استعادة استقلالها دون خسائر بشرية و لا مادية . هي مبادئ ليست بالجديدة و مواقف موسومة دوما بالثبات عابرة للأجيال و للنخب الحاكمة في بلادنا لكن الجديد هو الحركة الدبلوماسية النشيطة و المتشعبة و المتشابكة بتعليمات من رئيس الجمهورية و تنفيذ من رئيس الدبلوماسية بوقدوم بعد سنوات من شبه الانغلاق أو العزلة التي فرضتها الصراعات الداخلية بين رموز العصابة لمنهمكين في نهب خيرات الوطن على حساب كل المصالح بما فيها تقوية الدبلوماسية كسور من أسوار الأمن القومي . و بطبيعة الحال فإن الجزائر حينما تتصدر المشهد الإقليمي لفرض أجندتها و تصورها للحلول في المناطق الملتهبة كليبيا أو مالي هي تعتمد على عدة مرتكزات ابتداء بوزنها الجغرافي و الديمغرافي و بقوة جيشها و بقدراتها الاقتصادية و المالية إضافة إلى تمسكها بالقنوات الأممية و القارية و الشرعية الدولية لحل النزاعات و بحيادها و عدم وقوعها في فخ الاستقطاب و تقوية طرف على حساب الآخر مما يفسح لها المجال واسعا في مرونة الاتصال مع الجميع و أن تكون محل ثقة لدى كل الأطراف خاصة و أن الدافع الرئيس من تحركاتها هو مبدئية الموقف و عدم الطمع في أي ثروات أجنبية و يكفي النظر إلى خارطتها و تنوع تضاريسها لمعرفة أنها ليست بحاجة إلى غيرها . إن الدبلوماسية كقوة ناعمة مدفوعة بقوى أخرى أكثر صلابة و شدة ليست ترفا تتفاخر به الدول في المحافل الأممية و القارية بل هي سلاح استراتيجي تفرض من خلاله الأوطان تصوراتها و تحافظ به على مصالحها و مكتسباتها و هو ما تعهد به الرئيس تبون بضرورة إعادة بعث الحياة في جسد الدبلوماسية الجزائرية بعد سنوات من الموت السريري .