المطلع على ديوان الأستاذ الشَّاعر فاتح علّاق «شظايا من مرايا البحر والذَّاكرة « الذي صدر عن دار التّنوير الجزائر، يجد أن مفردات العنوان مبثوثة في القصائد، فالشظايا والبحر والذّاكرة والمرآة من مكونات النّص الشّعري، إلى جانب عناصر الطَّبيعة والثَّقافة والمجتمع والتّاريخ . ويحمل العنوان دلالة الانكسار ..انكسار الواقع؛ وانكسار الذّات في الواقع؛ وانكسار التّاريخ أيضاً، و قصيدة « سُؤال المرآة « تحمل هاجس البحث عن الذَّات والهوية والتّاريخ ، فالشَّاعر يسأل المرآة عن ذاته دون جدوى؛ لم يجد ذاته وملامحه فيها، ما الّذي يظهر في المرآة ؟ ، كلّما حاولت أن أدنو منّي فرت الرّوح بعيداً وتولّى الحب . فرّ زهري من دمي فرّ نهري من فمي وتولّى الخصب. لم يعد طيري يغني في ربوع القلب. ومن ثمَّ عاد إلى التّاريخ مبحراً عن هذه الذَّات في قصيدة «إبحار في الذَّات»، محاولاً أن يجمع شتاته ويُعيد عناصر مجده ، ليسجل ذاته في الواقعّ، ويستأنف سيره نحو بناء المستقبل، ..هناك عودة إلى قرطبة وبعض العواصم العربية التي تمثِّل الإشعاع الحضاري في التَّاريخ العربي الإسلامي، وفي قصيدة «سورة الماء والذَّاكرة» استحضار للأنهار العربية مثل دجلة والفُرات والنِّيل وبردى، وهناك ذكر لأسماء بعض الجبال العربية أيضاً مثل جُرجرة وقاسيون، وكأنّ الشَّاعر يذكر عناصر الصّمود في الوطن العربي، إلى جانب القيم الحضارية الأخرى. الدّيوان من هنا بحث عن الذّات من خلال قراءة الواقع والتّاريخ؛ فالواقع شظايا والتّاريخ مُزق، فكيف يمكن أن يرقع ذاته ويجمع شتاته، ليواصل مسيرته في ترسيخ عناصر وجوده ، الديوان قراءة في التّحولات الاجتماعية والسّياسية والانكسارات المتصلة في الوطن العربي، ومحاولة لبعث أمجاد التّاريخ وترسيخ الهوية، لمواجهة التّحديات العالمية في زمن الوباء والقوّة المدمرة للمميزات الخصوصية للشعوب والأوطان. الدّيوان رسم لحالات النّفي والجُرح والانكسارات والتّيه والضّياع ، والبحث عن الحقيقة والسّعادة في الحياة، ولعلّ قصيدة «في اتجاه المدينةالمنورة» ، تمثّل هذه الرّحلة الصُّوفية نحو الحقيقة والسَّعادة نحو الحلم الّذي عجز الشّاعر عن تحقيقه في الأرض، فعرج إلى السَّماء يبحث عن الفردوس والمدينة الفاضلة، فيقول الشّاعر: وقال لي: تكون أو تكون، إن فاتك الزّمان ما فاتك المكان . فالقِ عصاك في المدى، واتبع صدى خطاك حتّى ترى الأفلاك . فلا تُبال بالهوى، ولا تُبال بالنّوى، إن السِّوى هلاك لا تلتفت إلى الشّجر، لا تلتفت إلى الحجر، فيسكن الشّيء رُؤاك، ويحجب الطّريق، إنّ الهَوى فتّاك.. إنّ هذه القصيدة تمثّل قلب الدّيوان الّذي هو الحلم، إما الواقع والتّاريخ فهما الجناحان المنكسران، فكيف يمكن للشّاعر أن يطير بجناحين منكسرين ليصنع حلماً أو سعادة ؟، هنا المأساة التي يعيشها الشَّاعر؛ هنا المعاناة التي ينوء تحت وطئتها الشّاعر؛ هنا صخرة سيزيف التي يحملها الشّاعر، ولعلّ قصيدة «عشبة جلجامش « تصور معاناة الشَّاعر في صورة جلجامش الّذي يبحث عن عشبة الحياة عبثا ، فيقول: أين العُشبة يا ملاّح؟ ، فتش كبدي فتش خلدي أين رماها الرّيح وخبَّأها الثّعبان في هذا القفر؟ ما أثقل هذا الظّل على كبدي وأشدّ القهر إنّي أنوء تحت الصّخر الأرض مقصلة الأحلام مازالت تهدمني حجرا حجرا وتهد الصّبر ...... ما يميز الدّيوان هو أنّه صرخة وإدانة ونداء مستمر للقلب والعقل والضّمير ودعوة إلى عدم الخضوع والاستسلام للوضع السّلبي، الدّيوان صرخة في وجه العالم من أجل إرساء عناصر الحق والعدل ، ورفع القيم الإنسانية وإدانة الانحلال والخنوع والاستكانة، ولكم في الشِّعر حياة أيُّها القرّاء، يقول الشّاعر: استيقظي أيّتها الشُّجيرة امشي قليلاً في حشاي حتَّى يقوم العشب في كلّ الجهات؛ حتَّى يعود الصّوت للقرنفل؛ والشّوق للطريق؛ ويستفيد النّاي.