يعتبر الاستحقاق الرئاسي في 12 ديسمبر أبرز حدث تشهده الحياة السياسية في الجزائر خلال العام 2019 , و هو الاستحقاق «الذي للمرة الأولى ,لا يعرف فيه مسبقا , من هو الرئيس القادم» كما أن الأجواء المشحونة بالتوتر السياسي و الشعبي التي جرى في ظلها ، لم تمنع أكثر من 9 ملايين و747 ألف ناخب من التوجه لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وهو ما يمثل 41.13 بالمائة من الناخبين في الداخل الذين منحوا فوزا مستحقا للمترشح الحر عبد المجيد تبون , الذي زكاه ناخبوه بأكثر من4 ملايين و947 ألف صوت , من الأصوات المعبر عنها المقدرة بحوالي 8,5 ملايين صوت , بينما توزع حوالي 3,5 مليون صوت على منافسيه الأربعة. و لعل موقف السيد تبون «القوي بشأن محاربة الفساد؛و وعده الواثق بقدرته على استرجاع المال المنهوب في البنوك الأجنبية؛ إلا جانب حياد المؤسسة العسكرية، وإسناد سلطة إدارة العملية الانتخابية لهيئة مستقلة», كلها عوامل لعبت دورا جوهريا في فوز عبد المجيد تبون برئاسة الجمهورية، ومن الدور الأول بنسبة 58.15 بالمائة و بفارق 3 ملايين ونصف مليون صوت عن أقرب منافسيه. عزم على بناء جزائر جديدة ومستقرة و اعتبر المجلس الدستوري ,أن الانتخابات الرئاسية قد «جرت في ظروف حسنة، مما سمح لجميع الناخبين بممارسة حقهم الدستوري كاملا و اختيار مرشحهم الذي يرونه مؤهلا لقيادة البلاد، كما أكد صحة الانتخاب ونزاهته وشفافيته وفقا للضمانات التي يكفلها الدستور والقانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات والنصوص التطبيقية ذات الصلة». وبالفعل فقد جرت العملية الانتخابية بجميع مراحلها في ظروف عادية سادها التنظيم المحكم و الانضباط الصارم للمؤطرين في أداء مهمتهم , و الإقبال المعتبر للناخبين على صناديق الاقتراع , باستثناء سكان مناطق معزولة حرمتهم جماعات معارضة للعملية الانتخابية من أداء واجبهم الانتخابي. وبهذا تكون نتائج أولى انتخابات رئاسية تعددية في جزائر ما بعد الحراك الشعبي ,قد أكدت عزم الشعب على المضي قدما في طريق الطمأنينة و الاستقرار و الأمن و التنمية الاجتماعية و الاقتصادية المتوازنة المرتكزة على القدرات الحقيقية و الواقعية للبلاد, و تحت مظلة الدستور , الحَكَم الفصل بين فرقاء السياسة , و مغامري الحلول الشعبوية. إن الشعب الجزائري ,بانتخابه السيد عبد المجيد تبون , لم ينتخب شخصا و لا رئيسا للجمهورية و حسب , و إنما انتخب الحل الأمثل و الأسهل الذي أنقذ البلاد من تفاقم أزمة كشرت عن بعض أنيابها خلال الصائفة الماضية لضرب الوحدة الوطنية , و الاستقرار الاجتماعي و دعائم الاقتصاد الوطني . التصدي لأزمة كادت تعصف بالوحدة الوطنية و هو الخيار الذي أخلط حسابات كل من كان يتربص بالجزائر الدوائر , و يخطط لإلحاقها بالمناطق المضطربة في العالم العربي , وبشمال إفريقيا على وجه الخصوص , إذ بحدسهم المعهود أدرك الجزائريون , أنه لا الظرف و لا الوضع العالمي و الإقليمي يسمحان بالمغامرة في مواجهة مخططات الفوضى الهدامة , برئيس غير منتخب ,وعديم الخبرة في خوض مثل هذه المعارك. فنتائج الرئاسيات جاءت هذه المرة , ليس لتكريس الأصلح للعباد و البلاد فحسب , وإنما جاءت أيضا بمعطيات من المفروض أن تلقم الحجر أولئك الذين تجندوا و جندوا كل طاقاتهم الدعائية للمطالبة بمرحلة انتقالية لا أحد يعرف عواقبها , فإذا بالشعب و بأغلبية مطلقة يخص مرشح «الجزائر الجديدة» بملايين البصمات , ليتولى مقاليد قصر المرادية, ولتمكينه من تجسيد برنامجه لإقامة أركان الجمهورية الموعودة على أسس جوهرية من أبرزها « استعادة وتعزيز الاستقرار» و «ترسيخ ديمقراطية مطمئنة» و«تثمين الرصيد البشري بشكل أمثل» و كذا «بناء اقتصاد ناشئ في إطار مقاربة تنموية مستدامة» و«تعزيز روابط التضامن الوطني», من خلال 54 التزاما تضمنها البرنماج الانتخابي للسيد عبد المجيد تبون , و هو البرنامج الذي استطاع الصمود كذلك أمام كل الأزمات الطارئة و غير المتوقعة , كجائحة كوفيد19 , و حرائق الغابات الإرهابية, و المضاربة الإجرامية , و تكالب أعداء الجوار , و حلفاء الاستعمار البائد في الداخل و الخارج. مؤسسة الرئاسة هي المحرك للفعل و رد الفعل إن حصيلة السنتين من العهدة الرئاسية الحالية , كرست العمل من أجل تحقيق الأهداف المسطرة لتثبيت النظام السياسي الجديد , حيث كانت مؤسسة الرئاسة , هي المحرك للفعل و رد الفعل معا, سياسيا كان أو دبلوماسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. و نخص بالذكر في هذا الشأن مبادرتها بالمشاورات السياسية حول مشروع تعديل الدستور, و قانون الانتخابات و فتح قنوات الحوار المباشر مع الشخصيات السياسية و الوطنية و الحركة الجمعوية , و استكمال المؤسسات الدستورية و المجالس المنتخبة ,و بث الرسائل المتتالية حول القضايا الراهنة خلال المناسبات الوطنية و العالمية, و تكريس دور الجزائر كطرف فاعل في المحافل الدولية , لتسوية النزاعات الإقليمية,و لطرح رؤيتها ومواقفها في المنتديات الاقتصادية الكبرى, و مواصلة الاستثمارات الهادفة إلى تنويع موارد الاقتصاد الوطني, و لاسيما في قطاعات الزراعة و الموارد المائية و الطاقة المتجددة, و الصناعة و السكن و النقل و المواصلات , و التنمية الريفية المندمجة ؛خاصة في مناطق الظل , و السياحة البيئية, و الإعلام بكل وسائطه, والبحث العلمي , و التمكين للشباب و المرأة , و كل ما من شأنه تحسين الوضع المعيشي للمواطن. فضلا عن التكفل الجاد بملف الذاكرة الوطنية بكل قضاياها, و غيرها من الوعود المنجزة كعربون ثقة بين الرئيس و عامة الشعب , و لاسيما منهم الناخبون ,الذين ساهموا في هذه الحصيلة, بدءا بالمشاركة في رئاسيات 12 ديسمبر ,و كذا بدعمهم لبرنامج الرئيس . ولا شك أن ما تبقى من العهدة الرئاسية سيدعم أكثر هذه الحصيلة.