من أصعب المواقف حينما تعيش مُهمّشا وتشعر كأن الكل ضدك ..لا تجد سندا ولا من يؤازرك ويرفع عنك غبن ما لم تكن تتوقعه من الأقربين إليك.. .. هكذا عشت فترة ما بعد الشروق الثقافي، حينما صدت الأبواب في وجهي وجدت نفسي بطالا بدون عمل ..هرب من كنت أتوسم فيهم خيرا كي أكون واحدا ضمن دفات نشرياتهم ..وتجاهلني من كنت سببا يوما.. في أن يكون مديرا لجريدة ..ناكري المعروف ..وكل لئيم أكل ملحي وخبزي لم يعد يلتفت للمهدي ضربان ..اتجهت هنا وهناك أطرق أبواب من يساعدونني كي أجد وظيفة ، أنا الذي كنت رئيس ركن في مجلة الوحدة ..، وكذا عضوا فاعلا في ركن التحقيقات مع الإعلامي الراحل رابح مهوي الذي مات بدوره بقنوط من الذين ساعدهم ورسم لهم محبته الأسطورية .. عشتُ النكد واللاشيء، حينما صدني ولم يقبلني كاتبا صحفيا في جريدته ..قلت لكبير فيهم أريد أن أشتغل في مؤسستك أنت تعرفني ..أشتغل في أي منصب كان ..المهم أكل الخبز بشرف ..قال لي : " الله غالب ..هاك تشوف "، بعد يومين قام بتوظيف اثنتين ..وعشت المرارة ..وتذكرت بنظرة فلكية كل من ساعدتهم ..كنت أهتف لهذا ..وأتحرك في دار الصحافة البشير عطار بساحة أول ماي، وفي أروقة دار الصحافة البشير عطار بالقبة ..لم أجد عملا ..لا الوساطات نجحت ولا الزملاء رسموا لي محبتهم في أن أجد منصبا كي أكل به الخبز .. الغريب أن والدتي المجاهدة كانت تتصور أنني مازلت موظفا بكامل حقوقي في تراتيل الوظيف المشرف ..عشت قلقا ..وغصت في عقدة ..أصبحت أتصور من يفشي في وجهي التحية ويسلم علي كأنني نجحت في سباق إنساني يؤسس للكرامة والخبز ..أين ذهب من ساعدتهم وأشرفت بنفسي على ضمّهم للجرائد والدوريات المعروفة ...وأين الذين يعرفونني عن قرب في أنني كنت مسالما ليس لي عدوا واحدا ولا مجرما يترصد خطواتي ..أين من صنعت مستقبلهم ورسمت لهم محبتي في أن يكونوا أسيادا في دفات ودوريات إعلامية أخرى.... نعم تعيش قنوطا حياتيا عندما ترى الواقع أسودا وترى زميلا لك في صورة لئيم بتبجح بمنصبه ..تراه من بعيد يحتفي بانتصاره عليك في كونه خيرا منك ، وبأنه فاز عليك في الدنيا وفي الآخرة.. .. مرضت ..تعقدت ..إلى أن سمعت بأنه سيقام في الجلفة الملتقى الأدبي التي رسم المكان طبعات منه يرصدها نشاط دار الثقافة ابن رشد بالجلفة ..وقتها كنت أعرف، بل يعرفني القاص المعروف " المسعود غراب " من مدينة حاسي بحبح ..التقيته في سيدي عيسى يوما ..بادرته بالحديث عن الملتقى الذي عقد وقتها في عام 2004 .. قال لي : " ياك تجينا سي مهدي..؟؟.." ، ..تذكرت لحظتها ..لما قال عادل إمام في ردّه على قاضي الجلسة في مسرحية " شاهد ما شفش حاجة" .." هل لك إضافات.. ؟؟"..رد عادل إمام غير مُصدق : "أنا أضيف..؟؟ " ..تساءل ..لكونه لم يكن يتصور في أطوار المسرحية أنه ذلك الشخص المهم الذي يطرح الناس عليه بالسؤال ..كان يتصور نفسه ..لا " يستاهل" ..أصلا أن يسأل ..كذلك كنت أعيش لحظة السؤال مع " سي غراب المسعود" ..تعجب ..قائلا : " يا سي مهدي أنت مهم ...وأراك إعلاميا مهما .." ، ..قلت له : يا صاحبي أنا أعاني ..أرجوك ابعث لي دعوة لملتقى الجلفة ..ضحك ..قائلا : " بلا مزية..تستاهل سي مهدي ..( لحظتها كنت أرى في وجهه تساؤلات أكيد كان يقول يبدو أن سي ضربان..يعيش فلتانا ..، أو هو في وضع نفسي صعب.. بدأ يفلت .. ) .. وصلت الجلفة مثل ذلك الذي خرج للتو من السجن ..كنت أسعد خلق الله في بلاد أولاد سيدي نايل الأبطال ..فرحت لكوني اكتشفت أنني أنا هو أنا الفعلي ..عشت سعادة لدرجة لم أكن أصدق أنني بين الأدباء والشعراء والإعلاميين ..كان يمرّ أمامي من كنت سببا في توظيفهم ..ومن كنت ولي نعمتهم ..يبدو أن الدنيا تبدلت علي ..أو أنا لا أعيش الواقع ..الملتقى كرم كل من الدكتور السعيد بوطاجين والرسام والنحات العالمي محمد بوكرش ربي يشفيه ..وكان وقتها الشاعر سليمان جوادي هو مدير الثقافة بالجلفة ...كنت سعيدا لكوني أحسست أنني بين هؤلاء كلهم من عائلتي، لكنهم لم يكونوا ليعرفون أنني كنت بطالا، وأنني أعيش ضنكا ويتغلغل داخلي هوس كله جحود وخذلان.. يلازمك طيلة ساعات الزمن ..نكوص يرسم لك جحودا وأنت خالي الوفاض ترى أمامك من كنت تعيش زمنهم في العاصمة وفي الصحف المختلفة ..ترى عن قُرب من عشت معهم في مقر الجاحظية مع عمي الطاهر وطار ، ومع من كنت تعيش لحظاتهم في مقر إتحاد الكتاب الجزائريين .. وآخرين كنت تعيش محطاتهم في نوادي" اللوتس " و " البورا بورا " و« نادي طالب عبد الرحمان "، والنادل " موريس".. يحيلك بذكاء حصري على عناوين ما كتبت يومها جريدة " الشعب" الغراء. .. لا علينا.. كنت أعيش هذا الجو العاصمي ..حينما رأيت ..أنا النكرة ..وجوها في الجلفة عرفتهم من زمان ..نعم عشت هوسي بحرقة .. فلم أعد أشتغل في صحيفة.. وليس لي أصدقاء من الوزن الثقيل.. يجدون لي عملا في دفات ودوريات ولو بالقطعة ..هربوا وتركوني أعيش بطالة جمالية فيها السكون والنكوص والضياع، .. لكن الله موجود ..ناداني النحات محمد بوكرش الذي حاورته يوما عام 1994..في دفة الشروق الثقافي ..قال لي : " مهدي أنت من سيقدمني للجمهور.. هنا " ،...قلت له : " منك صح" ؟ ..تذكرت عادل إمام ..ومقولته الشهيرة أمام القاضي .." أنا أضيف..؟؟؟ " ..قال لي بوكرش بحزم : « "سي مهدي ما راناش نلعبو هنا " ..قلت له : "سي بوكرش نحن هنا منذ 3 أيام.. كان يمكنك تنبيهي كي أحضر ورقة في الموضوع ..مثلما حضر الروائي إبراهيم سعيدي ورقة في الكبير الأديب السعيد بوطاجين .. قال لي بوكرش العظيم : " أطلع للمنصة وقول زوج كلمتين وإذا حبيت أشتمني.. أقبل أي كلام تقوله في شخصي يا مهدي .. لأنني منذ زمن حوارك معي في الشروق الثقافي..وحبي لك يزداد يا سي ضربان .."..، فرحت نعم ..لأول مرة أفرح في حياتي.. صعدت إلى المنصة ..ارتجلت كلمة ..بقت للتاريخ ..أطلق علي وقتها المكلفون بالنشرية الخاصة بالملتقى ..اسم الناقد المهدي ضربان ..غريبة أصبحت ناقدا ..صدرت النشرية..وجاء الكل يبحث عن رقمي ..وعنواني .. لقد رسم تدخل الكبير الرسام محمد بوكرش إضافة نوعية لاسمي، وعشت على وقع ذلك التكريم الذي تصورته لي شخصيا، وليس للشخص المُكرّم الرسام بوكرش ..كانت كلماته بالنسبة لي إنقاذا لشخصي ..فكتبت روايتي " نياشين اللعنة" التي صدرت فيما بعد في إطار الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007 ، وأسسنا نحن مجموعة من بينهم الشاعر رابح بلطرش الموقع الإلكتروني الشهير" أصوات الشمال " ثم أسست لوحدي " موقع سيدي عيسى فضاء روحاني بأسماء من ذهب " ، ونلت قبلها جائزة أول نوفمبر للرواية عن رواية " تراتيل المكان " عام 2006.. ، لقد أنقذني الرسام النحات محمد بوكرش صاحب المنحوتة الشهيرة بعنوان " السلام " المتواجدة لحدّ الآن في مدينة . " شانغ شونغ " الصينية .. ربنا يشفيه ويعافيه عزيزي الرسام النحات محمد بوكرش كبيرا في محفل الإضافات ..تكلمنا يوما في الأمر وكيف أنقذني في الجلفة ..رد النحات الرسام محمد بوكرش قائلا : " بالعكس سي ضربان ..أنا طلبت منك تقديمي لجمهور الجلفة لأنني كنت أعرف جيدا من يكون ضربان، هذا الذي حاورني يوما في الشروق الثقافي ..لقد أنقذتني يا عزيزي مهدي قبل أن تنقذ نفسك كما تتصور " .... نعم كنت شاهدا على كل هذا ..وعلى كبير في محفل الإبداع والإضافات ..اسمه محمد بوكرش الذي نتمنى له الشفاء العاجل ، واحدا من الذين نعتز بهم عادة في سجل أجنداتنا ..ربي يشفيك عزيزي محمد بوكرش العظيم ..