(تابع).. أيها السائرون في موكب النور كل من زاد مورد النبع فيها عين الفوارة اسكبي من حوليك قد قصدناك ننشد الحب ياعين
لا أدرى متى رضعت هذه المهنة لا.. بل عفوا ..المحنة ربما حين كانت والدتي ترسلني كل صيف ..إلى بيت خالتي المتاخم لعين الفوارة كل صباح قبل أن أغسل وجهي ،أشد الرحال إليك يا صنمي، يامن تربع على قلب المدينة هاأنا ألتقط هذا الفيروس ..المسمى تمثال المرأة، قبل أن أعرفك فرنشيسكا كنت و فقط أنحت الأواني التي أبيعها لأمي في السوق من أجل أن توفر لنا بعض النقود للعيش كل صباح أشرب منك عين الفوارة بنهم شديد ،لا أدرى ما سر هجومي عليك أغتسل ،أعقد لقاء الاشتهاء ..أمسح نظراتي بك يا عطر الحياة ،أتوحد معك مع كل إشراقة شمس .. أعقد بيننا لقاء الاشتهاء ..هل تراه الأفق البعيد من يرسم مسافة للود للحب ..أسكر فيك على نديم الرؤيا التي توحدني معك ،تجعلنا جسدا واحدا ..التقطت أيها التمثال مذ كنت لا أفقه حدود العادات لم أكن أعلم أنك حملت إلينا من عالم فريد ،كان بالأمس عدوي ،و هاهو اليوم بثوب جديد ،أصبح البعيد القريب ..فرنشيسكا يا حبة القلب ..اعذريني إذا قلت لك أنني لا أشته سماع كلمة فرنسا ..التي سلبت مني رجلاي ذات مساء منعم بدفء الحرية ..لماذا بعد كل هذا الزمن أعلم أن التمثال نحته فنان فرنسي اسمه فرنسيس سانت فيدال سنة1898.أتراه وصل جديد للذاكرة ،أتراه علم بما سيحدث بفصول قصتنا ،أم أنه فقط أراد ترميم الذاكرة ..لا أدرى لماذا تشدني ذكراكِ عين الفوارة ،كلما أعدت النظر إلى تمثال فرنشيسكا القابع في غرفة النحت..أتراه تناص بين التمثالين ،لم أكن أبدا أنحت غيرك ،أنت المفتونة دوما بهذا التمثال الموجود في غرفتي قلت لي:أنت لا ترسم بل أنت تنحت ذاكرة،..لا أتذكر متى أصبحت جزءا من ذاكرتي ،تتركين داخلي أشباه الذكريات لتمثال يذكرني برجل كان يوما يحب معشوقته.. التقطتك وأنا مغروم إلى حد النخاع بعين الفوارة، أيكما أكثر تمثيل لها ..أنت أم باية ،التي لا أعلم عنها إلا أنها أصبحت ترابا أتذكر جيدا ،حين قلت لي ذات مرة و ميلاد التناقض جليا على وجهك قادر ماذا فعلت في حيرة :ماذا قلت في استغراب هذا وجهي ،و لكنها ليست تفاصيل جسدي قلت مسرعا هل رأيت تقاسيم جسدك قلت مازحة :و هل تريد أن تراه ..هكذا يمكنك أن أفصل ..و بدأت كالبلهاء تنزعين ثوبك قلت لك ولم يبق مني إلا لعابي يعود إلى جوفي ..لست جادة أنت تنزعين و أن واجم كالأبله مشدوه ..بل مصدوم على وقع الزلزال الذي سيحدث قلت في لطف قادر مابك ..لا تكن تافه إنك نحات محترف ..أعد ترميم جسدي لم أستطع تمالك نفسي ،كل شيء فيك يذكرني برجولتي المنهوكة ..أخذت قطعة من الطين و أعدت تشكيل جسدك بلطف ..كنت مشدودا إلى الجسد ..و لكن سرعان ما بردت مناطقي الغاضبة ..لقد تعلمت ماذا يعني الاحتراف ..نحتك على مدار أربع ساعات أعدت فيها تشكيل جسدك البلوري بكل أمانة ..وحده الخصر كان صعبا و مرهقا و البقية لم تستغرق إلا بعض التفاصيل التي نتركها عادة عند ترتيب الفوضي ، لامست منك كل ركن بل كل زاوية أحسست بسهولة شق الأنفاق و قطع المحيطات ..حسبته صعبا ماعدا الوجه كم تفننت في تشطير الفم و تشذير الأنف ..هكذا إلى أن أنهيت هذه التحفة التي سميتها عين الفوارة أنهيت و ليتني لم أنته ..كان جسدك واضحا بالنسبة لي لم يكن صعبا حين استقام التمثال جاهزا ..قمت من مكاني ..و قمت من مكانك ..التقينا عند منتصف البيت ..نظرت إلى النحت و قلت هذه أنا ..حقيقة أنا ..مازلت عارية هذه المرة نظرت إليك بعمق ..وضعت يدي على ظهرك ..حملت يدك اليمني وضعتها على كتفي ..و قلت لك و هذا أنا ..و خضنا لحظتها في إبحار من نوع يفتقد إلى التجديف انتهي بنا المطاف إلى الاستقرار على الحصير بعد تعب ..بادرتك بالسؤال فرنشيسكا أنت تعرفنني ..كشفتني ..أما أنا لم أعرفك إلا بالجسد ..هل أتعرف عليك من جهة أخرى ..لماذا أحس و أشعر أنك دوما حزينة ؟ ووالدك يخاف عليك من نسيم الهواء ؟ لماذا كل هذا ؟ قلت لي : لأنك أنت فقط سأجيبك ..بكل ما يحمل الجواب من مرارة قلت لك : لا أفرض عليك شيئا ..إذا كان الأمر فيه ألم لا تتحدثي لا قادر ..لقد بحثت عن شخص مثلك لأحكي له بعض وجعي ..لأتنفس لأعيش ..فمشاعري اتجاه أبي و أمي تكاد تقتلني كما يعلم الجميع أنني الابنة الوحيدة لأبي والكل هنا يعلمون مدي حرص والدي علي ..عشت حياة قاسية ..مؤلمة وموجعة كنت صغيرة حين قالوا لي أن أبي هذا الذي يراه السكان المحليون طاغية ..لجبروته هذا قصة عنيفة ومجهدة قادر وحده القدر من يجعلنا جبابرة بشكل ما و بنسبة معينة ، كان والدي طالبا متميزا ..درس تخصص زراعة في قسم الزراعة بجامعة ليون ...تخرج الأول على الدفعة و كان يمتلأ حيوية ، كانت أحلامه تطوق الأرض بهجة إلى أن تعرف على والدتي فأحبها كما لم يحب في حياته ، كانت بعضه ، قتلت فيه الإحساس من كل شيء ..أدمنها إلى حد لا يُتصور ، صارت منتهى أمله معها صار لا يرى الدنيا كما كان يبصرها ، أصبحت مرضا يسكن جسده لم يفق إلا وهو يمسكن بزمام قدها ...قتلها بعنف لم يتصور أبدا أن المرأة التي عشقها إلى حد الهذيان ستخونه يوما مع رجل آخر لم تحبه أبدا ... فقط أحبته لأن والدي ورث منزلا فخما عن والده في قلب مدينة ليون أحبت فيه الوجاهة والمال كان لها عشيقا تواعده من وراء والدي ...وحينما علم بالأمر تعطلت كل حواسه ..لم يفق إلا وهي بين يديه تلفظ آخر أنفاسها قضي هناك في السجن ثلاث سنوات ..ثم جاؤوا به منفيا إلى الجزائر وهنا كون شبكة علاقات أعادت له حلمه الضائع ..لذلك تراه يكن حقدا رهيبا للنساء كم شعرت أنه يكرهني قادر ...ففي بعض المرات أحدث نفسي أنه سيقتلني لقد رسمت له صورة دموية أتعلم مرة قال لي إنه يجري فيك دم الخيانة ..أعلم أنك ستدنسين ثقة مع رجل ما ..لكنه لن يصدق أنك هذا الرجل نظرتِ إلي وعيناكِ تقول ما لم أفهمه في عرف قبيلتي
إنها قصة رهيبة ..لكنني لم أعرها اهتماما يوما ...بهذا ختمتِ كلامك عن والدك أتراكي لم تذوقي أبدا حضن الأم ، ألم تفهمي أبدا خوف الأب ..آه فرنشيسكا لو تعلمين كم دثرتني أمي بعشقها و حنينها ..كم تشممت عطر بنوارها ، وكم وضعت رأسي في حجرها وهي تحرك يدها بلطف تفل شعري ، وتدلك مسامه بلطف ..ما زلت أجد رحمة يديها إلى الآن ..آخذ شهقة قوية حين أذكر يوم موتها وقد قتلها الوجد على والدي ..لم تنساه أبدا كانت تقول لي وهي تهذي ولدي قادر.. لقد جاءني الليلة و قال لي كيف حالك العمرية قالت كلماتها وهي تنظر إلى المدى القريب و كأنها تشاهده فعلا كم أحاطتني هذه المرأة بالحب و الرحمة ، وكم تحملت معي قساوة الثورة ...ظلمتها كثيرا لم يكفيني أبدا أن أقول فيها كلاما ..فقد نحت لها تمثلا سميته " صفاء" لم أعرف في حياتي صورة أوضح من والدتي ،تبكي متى تشاء ، وتضحك حتي لتسمع ضحكها من بعيد ، لم تجد أبدا المكر أو الخداع لا زلت أذكر حين اقتادها الجنود الفرنسيين إلى مركزهم لأجل أن يحققوا معها لم أتمالك نفسي كدت أذهب لأسلم نفسي فأنا أعرف ماذا يعني أن تذهب عجوز في الستين إلى هناك ..؟ يعني أنها ستموت بكل أنواع التعذيب ..و لكنها عظيمة دوما .. كم رفعتي رأسي بفعلتك و أنت تواجهين الضابط الفرنسي "سيزار" بكل قوة حين قلت له ابني راجل ، أخرجه هذا البطن ، إن لم يفعل ما فعله بكم لكنت تبرأت منه أنا من علمه أنا الوطن قبل كل شيء ..فإن كنت رجل فاذهب إليه هناك حيث هو في جبل بوطالب ، كما يأتي هنا ليقض مضجعكم حيث أنتم ...