أقام الناقد والشاعر السوري أحمد دوغان (1946- 2009) في الجزائر، خلال الفترة الممتدة من سنة 1977 إلى 1984؛ وكان قد قدم إلى الجزائر في إطار بعثة سورية للتدريس؛ حينها كانت الجزائر، المستقلة حديثا، في أمسّ الحاجة إلى معلمين وأساتذة، خاصة في اللغة العربية، لسدّ فراغ أحدثه تسارع في انجاز المؤسسات التربوية، أمام نقص اليد العاملة؛ كان انشغال القائمين على شؤون البلاد، يتمثل في إتاحة فرصة التعليم لكل جزائري، بعد أن حرم الاستعمار الفرنسي عن سبق إصرار، الجزائريين من نعمتي القراءة والتعلم. لم يكتف أحمد دوغان القيام بالمهام المنوطة به في التعليم، بل انتقل اهتمامه إلى الأدب الجزائري، بحثا ودراسة ونقدا؛ هكذا أنجز كتابين مهمين: الكتاب الأول يحمل عنوان: "شخصيات من الأدب الجزائري المعاصر"، ويعتبر أحد أهم الكتب التي تُعنى بالأدب الجزائري، بوصفه مرجعا لا مناص منه لكل متابع للشأن الأدبي الجزائري الناطق باللغة العربية تحديدا؛ صدر هذا الكتاب سنة 1989 عن المؤسسة الوطنية للكتاب؛ من بين الشخصيات الأدبية التي تناول سيرتها وأعمالها، الشعراء الشهداء: محمد الأمين العمودي، عبد الكريم العقون ، الربيع بوشامة، إلى جانب محمد العيد آل الخليفة، أحمد رضا حوحو، مالك حداد، مفدي زكريا، محمد الشبوكي. يعترف أحمد دوغان في مقدمة الكتاب، أنّ هناك شخصيات أدبية "ليست مغبونة فحسب من طرف النقاد والدارسين، وإنما تكاد تكون غير مذكورة في الكتب الأدبية والنقدية التي تناولت بالدراسة الأدب الجزائري المعاصر". أما لماذا وقع اختياره على هذه الشخصيات دون غيرها، يجيب "أنه ليس هناك من دافع أو سبب لتقديم هذه الشخصيات، وإنما هذا العمل هو جزء من دراستي عن الأدب الجزائري المعاصر"، ويضيف: "أملي أن أقدم فيما بعد دراسة شاملة تتناول هذا الأدب بكل فنونه، وعلى الأخص فيما يتعلق بالشعر، الذي لم يأخذ من الدراسة النقدية شيئا يذكر، اللهم إلاّ من بعض الدراسات الفردية، كما فعل الدكتور محمد ناصر، في دراسته عن رمضان حمود، والدكتور محمد مصايف في أعماله النقدية". الكتاب الثاني المهم لأحمد دوغان يحمل عنوان : "الصوت النسائي في الأدب الجزائري المعاصر"، وقد صدر مطلع الثمانينيات عن مجلة "آمال"، المجلة الثقافية التي كانت تُعنى بأدب الشباب؛ أهداه أحمد دوغان إلى ثلاث نساء: "شهيدة ضحّت من أجل نصرة الجزائر، ومجاهدة ما زالت رمزا لثورة نوفمبر، وأمي عرفانا بالجميل"؛ يعترف أن دراسته وأبحاثه في الموضوع، لم يكن بالأمر السهل: "الأعمال الأدبية ليست مطبوعة إلا ما ندر، والمراجع غير موجودة، حتى أن الكتب التي تناولت الأدب الجزائري المعاصر، لم تذكر اسم شاعرة وأديبة، سوى زهور ونيسي". من بين الأسماء التي تناول أعمالها بالدراسة والنقد في الكتاب: جميلة زنير، زوليخة سعودي، خيرة بغدود، ليلى بن سعد، زهور ونيسي، ليلى بن دياب، زينب الإبراهيمي، مبروكة بوساحة، أحلام مستغانمي، زينب لعوج، ربيعة جلطي، نورة السعدي. مجهود جبار بذله أحمد دوغان في البحث والتنقيب وقراءة أعمال تلك الأصوات الأدبية النسائية الجزائرية؛ بعضها الآن، توارى تماما عن الأنظار، والبعض الآخر لا يزال يبدع، وقد فرض نفسه اسما مميّزا في المنطقة العربية. يخبرنا الشاعر سليمان جوادي، أن علاقة ودّ كبيرة جمعته بالدكتور أحمد دوغان، "أقمنا عدة أماس شعرية مع بعض، وجُبنا الجزائر طولا وعرضا، دُعي مرتين بعد مغادرته الجزائر: مرة لعكاظية الشعر العربي، ومرة دعي لنشاط ثقافي كبير أقيم في مدينة ورقلة، في الأسبوع الثقافي الجزائري بسوريا سنة 2008، احتفى بنا كثيرا لما زرنا حلب رفقة عمر أزراج وعزيز بوباكير ونسيمة بوصلاح. أُصيب في سنواته الأخيرة بالشلل النصفي، ولكنه ظل نشطا ومتابعا للحركة الأدبية في الجزائر، إلى أن ارتحل عن عالمنا رحمه الله". أما عبد الحميد شكيل، الناقد والشاعر، يقول أن الراحل أحمد دوغان "كان يسكن في حي بولوغين بالجزائر العاصمة، وكان له حضور خاص في المشهد الثقافي الجزائري، وكان رحمه الله، قريبا من الكتّاب والمثقفين الجزائريين، وكانت بيننا رسائل أدبية خاصة، كلها تدور حول الثقافة". ما قدّمه الشاعر والناقد السوري أحمد دوغان رحمه الله، للأدب الجزائري، دراسة وبحثا ونقدا، في غاية الأهمية؛ دراساته وكتبه صارت مرجعا أساسيا، لمن يرغب في الاطلاع على واقع الأدب الجزائري الناطق باللغة العربية خصوصا، خلال فترة ما بعد الاستقلال؛ يستحق أن نُشيد بمهامه النبيلة في مجال التدريس خلال فترة حسّاسة من تاريخ بلادنا، ونعترف بقيمة وأهمية منجزه الأدبي، وأن نتذكّره خاصة.