أطلقت وزارة الاتصال مشروع إنشاء وإصدار بطاقة الصحافي المحترف بعد انتظار طويل دام امتد منذ بداية التسعينات، وفي غياب هذه الوثيقة ذات الطابع الوطني تسلل كثير من الدخلاء إلى مهنة المتاعب بعد أن ركبوا موجة تحرير المهنة ودخول التعددية الإعلامية التي بقدر ما حققت مكاسب لها دلالات قوية بقدر ما ضيعت كثير من القيم والأخلاق التي ترتكز عليها الصحافة. قد تكون هي بداية عودة قطار الصحافة إلى السكة المهنية السليمة، ذلك انه بفضل رد الاعتبار للبطاقة المهنية للصحافي الذي يحترف مهنة المتاعب على مدار السنة، يمكن الشروع في ترتيب البيت وتنقية أجوائه من الفطريات الضارة التي عاثت في الصحافة فسادا ووجد فيهم مختلف الأطراف الانتهازية السياسية والحزبية وجماعات المصالح" الأداة الأقل كلفة" لإشاعة المغالطات وإثارة الفتن وتسويق الإشاعات، بينما البلاد تنهض ململمة أوضاعها بعد أن عادت من جحيم اخطر أزمة عرفتها في التسعينات. كانت آخر بطاقة مهنية للصحافي – حينذاك لم يكن يوصف بالمحترف – أصدرها المجلس الأعلى للإعلام المقبور في سنة 1991 ، ومذاك الوقت انقطع العمل بهذه الوثيقة التي على قدر تواضعها كانت تعكس قيمة معنوية لمحترف العمل الصحفي بحيث تحدد له موقعا على الساحة الوطنية والمحلية تجاه مختلف الشركاء. ويفترض أن تعطي هذه البطاقة المركز المهني الكامل لحاملها في تعامله مع المحيط الذي دون أن يلزمه القانون باحترامها ومن يحملها لا يمكن انتظار تحقيق الأهداف المسطرة لها. "ليس هنا تأخر للقيام بعمل جيد أو مفيد" يقول المثل الفرنسي، وبالفعل جاء الإعلان عن هذه العملية المفتوحة على نقاش واسع وحر لفائدة المهنيين قصد الإسهام في تحديد قواسم مشتركة، تفضي لوضع بطاقة جامعة وشاملة تحظى بالقبول والترحيب من أهل المهنة قبل غيرهم، ومن ثمة إعطائها المصداقية التي يرتبط تكريسها بإعادة الاعتبار للمهنة من أصحابها بالدرجة الأولى من خلال التشبع بالقيم والحرص على المعايير المهنية دون السقوط في التبعية لمختلف القوى التي تنشط على الساحة. قد يمكن وصف مسار إنشاء هذه البطاقة التي ينبغي أن تخضع لمعايير صارمة وعادلة ومنصفة بحجر الأساس لإعادة النهوض بمهنة الصحافة في الجزائر، دون السقوط في التعميم المفرط الأمر الذي يدفع إلى تمييع العملية وهو أمر لا يبدو واردا بالنظر للمنهجية والترتيبات التي تعتمدها الجهة المبادرة. ومن الطبيعي أن يساهم المعنيون في تنمية البناء بالتزام الموضوعية وامتلاك القدرة على اقتراح البديل. ومن هذا المنطلق يتحمل أصحاب المهنة مسؤولية خطيرة في مرافقة هذا المولود حتى تكتمل بأوصاف كاملة يترقبها الجميع بعيدا عن السقوط في ثقافة التشكيك، ولطالما كان محترفو الصحافة يحملون بينهم أسباب التراجع المهني والاجتماعي نتيجة الضعف في الدفاع عن المهنة وعدم امتلاك الجرأة في كشف المتسللين إليها، وأحيانا تورط بعضهم في صراعات أصحاب النفوذ وبارونات المال والسياسة. وكم أضاع أهل الصحافة من فرص ووقت دون التوصل إلى انسجام وتوافق مرجعيته مهنة الصحافة بالمفهوم الصحيح الذي يتطلع إليه الجميع من خلال إتمام الورشات المفتوحة على مستوى قطاع الاتصال. من الطبيعي أن يحظى المشروع الذي يتحقق بعيدا عن الأضواء وبروح عالية من المسؤولية بالاهتمام المناسب، وهو يحتاج إلى مناخ من السكينة والهدوء مما يوفر شروط نقاش بناء يضمن تقديم اقتراحات وتصورات تصب في صالح المهنة ومن ثمة في صالح البلاد والمواطنين حتى يجدوا أمامهم صحافة محترفة لا مجال فيها للانحراف وقوية لا ترتجف أمام المنافسة الخارجية وذات مصداقية لا تتأثر بالإشاعة ولا تخضع للابتزاز بل حينما يتعلق الأمر بمصير الجزائر لا تقبل أي مساومة.