36 سنة مرّت على رحيل ثاني رئيس للجزائر المستقلّة هواري بومدين الذي وصل إلى الحكم بعد التصحيح الثوري التاريخي على أحمد بن بلة في 19 جوان 1965. هواري بومدين السياسي العصامي و العسكري الثائر الذي تعرفه المحافل الدولية كما تعرفه جبهات القتال خاصة في الغرب الجزائري حيث كان عقيدا في جيش التحرير الوطني منذ بدايات الثورة الأولى. يعود اليوم الرجل و قد يكاد لا يعرفه الجيل الذي ولد بعه فبين الرئيس و هذا الجيل 36 سنة لكن لمن يدرس التاريخ الجزائري يجد بين صفحاته الكثير من بطولات هذا الرجل الذي لا يعرف الرجوع إلى الوراء سواء في نضاله داخل الحركة الوطنية و بين رفقائه في السلاح أو في قراراته السياسية الحاسمة في تاريخ الجزائر التي كانت فتية العهد بالاستقلال و مهددة في وحدتها الترابية سواء بسبب أطماع الجيران أو بفعل الدسائس التي تنفثها المخابرات الفرنسية التي لم تهضم أن الجزائريين شعب يستحق الحياة . كان هواري بومدين رفقة الشهيد رمز الجزائر المكافحة العربي بن مهيدي المهندس الأول لجلب السلاح على متن باخرة دينا من مصر في أواخر شتاء 1955 و التي رسب بالناظور المغربية و تحملت سواعد الشباب الجزائري الثائر جلبها مشيا على الأقدام إلى حدودنا الغربية و من هناك إلى أراضي الوغى. هواري بومدين أمّم للجزائريين المحروقات و وقف الند للند مع فرنسا التي حاولت أن تفرض حصارا عالميا على الجزائر كما فعلت الولاياتالمتحدة مع كوبا كاسترو . قرار تأميم المحروقات من القرارات الشجاعة والحاسمة التي أعلن عنها الرئيس الراحل هواري بومدين في خطابه التاريخي يوم 24 فيفري 1971 أمام إطارات الإتحاد العام للعمال الجزائريين بعد المفاوضات الجزائرية الفرنسية بشأن نصوص تضمنتها معاهدة إيفيان الموقعة في 7مارس ,1962 لاسيما ذات الصلة بحماية مصالح فرنسا وامتيازاتها في استغلال ثروات البترول في الصحراء الجزائرية ضمن ما عبرت عنه هذه الاتفاقية بعبارة مبهمة هي "التعاون العضوي. ومكن القرار التاريخي لتأميم المحروقات الذي اتخذ منذ سنوات في هذا القطاع الاستراتيجي من التحكم الفعلي في الثروات الطبيعية من أجل تنمية اجتماعية واقتصادية إضافة إلى الطابع السياسي لتأميم المحروقات إذ سمح للجزائر بالظهور القوي على الساحة الإقليمية والدولية لشركة المحروقات التي كانت في السنة الثامنة فقط من إنشائها. هواري بومدين الثائر الذي ناصر قضايا العدل عبر العالم و كانت فلسطين أمَّ قضاياه عُرف عنه مقولته الشهيرة في الأممالمتحدة ( نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة) وكذلك (طلقة رصاصة على الصهاينة أفضل من خطاب في جمعية الأمم) (إن القضية بالنسبة للفلسطينيين ليست خبزا بل هي قضية وطن فقدوه) ،(لا يحق لنا أن نستأسد على الفدائيين ونشردهم فكفى هؤلاء الفدائيين تشريد الصهيونية)، (إن حكومة مثل هذه مازالت تتكلم باسم العرب والعروبة ومادامت الحالة هكذا فلن ينجح العرب و آلاف الناس ذبحوا، مدافع ودبابات هاجمت خياما على حد قول الشاعر العربي "أسد عليّ وفي الحروب نعامة " يستأسدون فقط على اللاجئين الفلسطينيين العزل)..(إن أمتنا اليوم في مفترق الطرق ، والقضية الفلسطينية بالنسبة لنا هي المفجر الذي ينسف العلاقات العربية ، لأنه يصعب علي أن أصافح يدا عربية قامت بذبح الفلسطينيين ، ويصعب علينا كمجاهدين أن نمد أيدينا لأولئك الذين يريقون دماء إخوانهم ، لأننا ما زلنا نذكر دماء زكية لنا سالت في سبيل الحرية)، (إننا إذ نختلف مع بعض إخواننا في المشرق ، فإننا نختلف معهم لأسباب تاريخية ، وإذا اتفقنا معهم على ما يحدث وسكتنا عليه ، فإن هذا خيانة للشعب الفلسطيني الذي يعيش من تشرد إلى تشرد ، ومن مذبحة لأخرى ثم يرتفع هناك صوت يقول بأن 99 % من أوراق القضية في يد دولة بعينها)،(فإذا أردنا نحن العرب أن نسترجع كرامتنا وان نساعد الشعب الفلسطيني على استرجاع حقوقه المغتصبة فعلينا أن نكون شاعرين بأنه أمامنا إلا المعركة والنضال والتضحيات وليس هناك طريق آخر بديل (هل الأمة العربية مستعدة لبذل الثمن الغالي الذي تتطلبه الحرية ؟ وإن اليوم الذي يقبل فيه العرب دفع الثمن لهو اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين)..(انتصرت دولة الصهيونية في معركة لكنها لم تستطع بأي حال من الأحوال أن تنتصر على الأمة العربية كلها ، وعلى الشعب العربي ، إذ يستحيل عليها أن تبتلع أكثر من مائة مليون عربي ، يستحيل عليها سواء أيدها الأمريكيون أو غير الأمريكيين بطائراتهم أو بكل الأسلحة الجهنمية ، يستحيل على دولة الصهاينة أن تبتلع كل الوطن العربي). وركّز الراحل بومدين على تعميم و دمقرطة التعليم وتوفير التعليم للجميع ومن خلال هذه السياسة أتيحت الفرصة للفقير ولابن الفلاح للجلوس على مقاعد المدرسة جنبا إلى جنب مع مختلف الفئات الاجتماعية ، وأدت هذه السياسة إلى تكريس العدالة الاجتماعية وإتاحة نفس الفرص لجميع أبناء المجتمع من دون تمييز ولا تفرقة.كان المرحوم بومدين يرى في سياسة التعريب استكمال السيادة الجزائرية واسترجاع هويتها وشخصيتها وعروبتها. فبعد استقلالها وجدت الجزائر مشاكل عويصة ومعقدة تراكمت على مدى أكثر من قرن من الزمن ، وهكذا وجدت الجزائر نسبة كبيرة من نخبتها المثقفة والقائدة والفاعلة لا تعرف شيئا عن اللغة العربية ، ووجدت القلة القليلة من النخبة المثقفة باللغة العربية نفسها محاصرة من قبل الفرانكوفونيين والفرانكوفوليين ازدواجية اللغة بالمفهوم السلبي حيث تم تسييّس هذه الظاهرة وأصبحت الأمور تسير وتنفذ انطلاقا من مفهوم المتفرنس والمعرب. و لا يمكن لجاحد أن ينسى أن الجزائر في عهد بومدين لعبت دورا بارزا في حل العديد من الأزمات الشائكة والعويصة وكانت الوسيط في حل العديد من المنازعات والصراعات الإقليمية و الجهوية. و لا يمكن للجزائريين خاصة الفلاحين نسيان بومدين الذي وضع مشروع بناء الألف قرية فلاحيه للمزارعين الجزائريين الذين عانوا من ويل الاستعمار الفرنسي الغاشم وجردوا من أراضيهم ، كيف ننسى بومدين وهو الذي قال "أؤمن بالمساواة في تعليم أبنائنا ، إنه لا يعقل أن ابن الفقير يرعى قطيع الغنم بينما ابن الغني يذهب إلى المدرسة " فمن ديمقراطية التعليم إلى الطب المجاني إلى التوازن الجهوي أحدث الرجل ثورات في كل المجالات .