قدّم المخرج الجزائري "محمد الزاوي" مساء أول أمس خلال حفل اختتام ملتقى السّينما والرواية الذي احتضنه فندق" الشّيراطون " فيلمه الوثائقي " الكلام الأخير " الذي أخرجه سنة 2015 عن الراحل "الطاهر وطّار" خلال مُكوثه مدّة شهرين بمنزله بالضّاحية الباريسيّة، فبعد دقائق معدودة بقاعة المحاضرات انطفأت الأنوار وشُدّت الأعين نحو الشّاشة العملاقة لتتراءى أمامنا جملة كتبها مخرج العمل قال فيها " قبل رحيله بشهرين أقام الراحل الطاهر وطار في بيتي ، وحينما بدأ يغنّي حملت كاميرتي وبدأت أصوّر"، ثم ظهر لنا عمّي" الطاهر" طريح الفراش وهو يغنّي أغانيه الشّاوية المفضّلة غير آبه بمرضه ولا بألمه الممزوج بالحنين ، مشاهد بثّت في أنفسنا الكثير من الأسى ونحن نُشاهد ضُعفه ومرضه ووهنه إضافة إلى مشاهد أخرى لم تكُن أبدا من وحي الخيال بل كانت جلسات حقيقيّة يكشف فيها "وطّار" تفاصيل غابرة من ماضيه وحاضره وذكريات طفولته ، لتأخذنا ابنة المخرج " ياسمينة " في لمحة من البصر إلى عصا " الطاهر وطّار " التي كان يُسمّيها ب " أوباما " ، هذه العصا التي احتفظت بها بعد مماته و أصبحت تكلمها بكلّ عفوية وبراءة،" ياسمين " الفتاة التي اختارها " الزّاوي " محرّكا أساسيا في حكايته السّردية الواقعية أضفت الكثير من المصداقية والموضوعية على العمل التّسجيلي من خلال مراقبتها لخطوات الفقيد بإمعان وقراءتها للبعض من مؤلّفاته . وما عزّز في مصداقية الفيلم الذي يشارك ضمن المنافسة الرسمية للأفلام الوثائقية تلك الشهادات الحيّة التي استعان بها مخرج الفيلم الذي ظهر أيضا كسارد لقصة عمّي " الطاهر" ، ويتعلّق الأمر بأصدقائه العرب والفرنسييّن وكذا بعض الأدباء الجزائرييّن على غرار " واسيني الأعرج "، " عز الدين ميهوبي " ،" محمد ساري "، "مليكة بومدين"، "جمال الغيطاني" ، الشاعر " عمار مرياش " ، الإعلامي " هشام عبود " و غيرهم ممن عددوا مناقبه واتّفقوا على انسانيته وثقافته وطيبته، دون أن ننسى بعض أفراد عائلته كشقيقته وزوجة شقيقه ، فجميع هاته المحاولات لاستنطاق صمت "وطار" والتّسلل إلى وجدانه كانت خطوة ذكيّة أماطت اللثام عن الكثير من خبايا نفسه وتخميناته ، وحتى اهتماماته الفنية كاستماعه لأغاني " بقار حدة "و"عيسى الجرموني " التي كان يحملها بهاتفه النقال، وفي نهاية الفيلم قال المخرج أن وطار طلب منه الحصول على غصن من نبتة الحديقة قبل مغادراته حتى يضعها في منزله، لتظهر " ياسمين " وهي ترسم على ورقة بيضاء وجهه بألوان زيتيّة جميلة ورموز وايحاءات كثيرة ،كلمسة وفاء منها لأيقونة الفكر والأدب الجزائري .