منتجون و فلاّحون يبيعون بالجملة مباشرة للمستهلك لم يعد يفصلنا عن شهر رمضان الكريم سوى أيّام معدودات و بدل أن ينشغل النّاس بالاستعداد النفسي و العملي بالدّعاء المستمرّ ،و أن يصدق المؤمن نيته مع اللّه كنيّة ختم القرآن و التوبة الصّادقة و جمع الحسنات و غير ذلك من العبادات نرى بأن كل اهتمام النّاس ينصبّ حول كيفية ملء البطن و إرضاء النفس و الرّضوخ لشهواتها ،فأصبحنا ننتظر شهر رمضان بترقّب الأسعار و أحوال الأسواق فإن استقرّت رضينا و إن غلت المواد الاستهلاكية نقمنا و سخطنا على التّجار لكن دون أن نتوقّف عن الشراء و الاستهلاك رغم أنّ من أهم العبادات المطلوبة في شهر الصّيام ترك شهوات النّفس عملا بسيرة السّلف الصّالح ،فكانوا إذا غلا الشّيء رخّصوه بالتّرك. لكن أين نحن ممّا دعا إليه أسلافنا ؟ فشهر رمضان لم يعد شهر العبادة و الصّيام بقدر ما أصبح شهر الأكل و التخزين و ترقّب الأسعار الأمر الذي أصبح يحدث خللا في النظام التجاري و ميزان العرض و الطّلب ،إذ تشير كل المعطيات إلى أنّ حجم الاستهلاك يتضاعف مرّتين أو ثلاث مرّات طيلة هذه المناسبة و الدّليل على ذلك الأرقام التي تعكس حجم الاستهلاك و النفايات كذلك ،أرقام تتجاوز المعدّل المسجّل طوال السّنة و على غير العادة يلاحظ المواطن استقرار في أسعار بعض المنتجات الغذائية و خاصّة الخضر و الفواكه حيث ساهمت الوفرة يقول بعض التّجار في انخفاض أسعار المحاصيل الزّراعية الموسمية كالبطاطا و الطّماطم و البصل و الفلفل و القرع و البادنجان و الجزر و المشمش و الخوخ و البطّيخ و غيرها ،و مع اقتراب حلول فصل الصّيف و ارتفاع درجات الحرارة تصبح معظم هذه المنتجات عرضة للتّلف لذلك يصعب تكديسها فتباع بأسعار معقولة نوعا ما و إذا كان الاستقرار يميّز أسواق الخضر و الفواكه في هذه الأيّام ليس هذا حال الّلحوم بأنواعها و مختلف المنتجات الغذائية الأخرى و منها المصبّرات التي يكثر الطّلب عليها في رمضان من قبل الأسر الجزائرية فبالنّسبة للّحوم الحمراء لا تزال بعيدة جدّا عن القدرة الشّرائية للفئات الهشّة و المتوسّطة كذلك ،فسعر لحم الخروف تجاوز 1500 دج للكيلوغرام ،و يرجع الإتّحاد العام للتّجار و الحرفيين هذا الغلاء إلى قلّة الانتاج فيما تتّهم الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك المربّين بالمضاربة و الاحتكار ،إذ صرّح رئيس الفدرالية زكي حريز بأنّه لا يمكن إرجاع المشكل إلى قلّة الانتاج لأن بلادنا غنيّة بالثروة الحيوانية كما أنّ أسعار اللّحوم في تصاعد منذ سنوات لأن المنتجين يحتكرون هذه الشّعبة و يرفضون خفض الأسعار عند الوفرة ،كما لا يهمّهم و لا يضرّهم عزوف الأسر متوسطة الحال و الضّعيفة عن اقتناء هذه المّادة لأنها ستجد مشتريا لا محالة مثل المطاعم و الفنادق والإقامات الجامعية و الجماعات المحلية و المؤسّسات و الإدارات التي توفّر خدمة الإطعام لعمالها و غير ذلك .و في شهر رمضان يتضاعف الطّلب على اللّحوم حتى من قبل العائلات البسيطة و يكون ذلك فرصة لرفع الأسعار أكثر "قيود في الاستيراد و تذبذب في التموين" أمّا السّلع المستوردة من معلّبات و مصبّرات و بقوليات و فواكه جافّة فعرفت ارتفاعا في الأسعار و السّبب حسب بعض المستوردين هو التذبذب الحاصل بقطاع الاستيراد بسبب قيود فرضت لتنظيم التجارة الخارجية و من ذلك ظهور قائمة سوداءلمواد استهلاكية ممنوعة من الاستيراد و معظمها غذائية فوجد الكثير من المتعاملين صعوبة كبيرة في إدخالها إلى التراب الوطني بسبب الإجراءات الجديدة ،و انعكس ذلك على الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف حجز الحاويات بالموانئ لفترة طويلة زيادة على الحقوق الجمركية و الضريبة على القيمة المضافة ،و يؤكّد أحد المستوردين بأن قيمة كل هذه الأعباء المفروضة عليهم تجاوزت 50 بالمائة من ثمن السّلعة . و نشير هنا بأنّ السّلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي فقط يستفيد أصحابها من تفكيك الحقوق الجمركية حسب اتفاقية الشّراكة مع هذه المنطقة ،في حين كل ما يأتي من سواها خاضع للحقوق الجمركية و المقدّرة حسب المتعاملين ب30 بالمائة من قيمة السّلع المستوردة و سمحت لنا زيارة قمنا بها إلىإحدى أسواق وهران بالوقوف عن كثب على أسعار بعض الموادالغذائية ذات الاستهلاك الواسع. وعلى غير العادة تعتبر هذه الأيام البطاطا المادة الاستهلاكية التي عرفت أسعارها استقرارا نسبيا، حيث نزلت إلى 55 دج للكيلوغرام ، منذ عدة أيّام فيما تأتي الطماطم في المرتبة الثانية إذ لم تتجاوز 60 دج للكيلوغرام و هما من بين المواد ذات الاستهلاك الواسع و نفس الانطباع حول أسعار الفواكه الموسمية التي لم يتجاوز ثمنها هي الأخرى 60 دج لذلك أبدى أغلب المواطنين ارتياحا وهو ما سمح للبسطاء باستهلاكها باستمرار . لكن ماذا عن بقية أنواع الخضر، فحسب رأي البعض فيوجد تفاوت في الأسعار وعدم استقرارها، فمثلا القرعة تباع في السوق منذ أيام بسعر 80 دج وكذلك الشأن بالنسبة للخس، فيما تبقى أسعار الفاصولياء الخضراء مرتفعة نوعا ما حيث وصلت إلى 140 دج و ربّما لأنها ليست في موسمها .فيماارتفعتأثمانالموادالغذائيةالأخرىالمطلوبةفيرمضانكالفواكهالجافة و المصبّراتبحوالي15 إلى 20 بالمائة "تدابير لكسر المضاربة" و رغم الوضع المستقر لا تزال ثقة المواطن مهزوزة فأحوال السّوق متذبذبة و غير ثابتة ما يجعل الكثيرين متخوّفون من قرب شهر رمضان و ما سيعرفه من تصاعد جنوني في الأسعار مثلما عوّدنا عليه التّجار كل عام . ودون تردد سألنا البعض عن التطمينات التي قدّمتها وزارة التجارة منذ أسابيع بوفرة المنتجات و استقرار أثمانها بفضل التدابير المتخذة للحدّ من الممارسات التجارية غير النزيهة فكان ردّهم "لقد مللنا من الكلام و نريد تطبيق الوعود فالوزارة تجتهد لتنظيم الأسعار و ضبط الأسواق لكن نادرا ما تطبّق التعليمات و يصطدم المواطن دائما بالغلاء خاصّة خلال الأسبوع الأوّل من الشهر الفضيل ،و غالبا ما ترجع الجهات المسؤولة و الجمعيات و غيرها الأمر إلى ارتفاع الطّلب و هذا أمر طبيعي فغرض المستهلك ليس اللهث وراء السّلع لتخزينها و إنمّا ليكون مرتاحا في الأيام الأولى فلا يضطر للخروج صائما تحت الشّمس الحارقة بحثا عن غذائه،و عليه يجب أخد هذا الأمر بعين الاعتبار و التخطيط له قبل أوانه حتى لا نقع في مشكل الندرة و الغلاء "و يقول آخر "أنا شخصيا لم أعد أثق فيما يقال لأن الواقع هو الذي يصدق و دور مصالح التّجارة هو مضاعفة عدد الأسواق و مراقبة ارتفاع الأسعار في رمضان لأن التجربة أثبتت لنا العكس، حيث يجد المواطن نفسه وحيدا في السوق أمام جشع التجار و غياب الرّقابة " و الإحباط الذي يصيب أرباب الأسر يجعلهم يترقّبون دوما ما يخبّؤه المضاربون في شهر الصّيام ورغم العدّة التي تعدّها الوصاية لحماية القدرة الشرائية سيجدون دوما السبيل للمضاربة ما دام النّاس يشترون و أخدنا تصريحات بعض التّجار كعيّنة فأجمعوا بقولهم "هناك خلل واضح في المعادلة التجارية فبدل أن تضم الفلاّح و تاجر الجملة و بائع التجزئة و المستهلك فإنها تحصي عناصر أخرى دخيلة لا دور لها في هذه المعادلة لكنّها أوّل و أكثر المستفيدين ،فالدّخلاء و الوسطاء أصبحوا هم من يتحكّم في معظم الأسواق بسبب غياب "اللّوجستيك" و نعني هنا اليد العاملة و أدوات التوضيب و التخزين و غرف التبريد و التوزيع و غيرها ،لذلك تصبح كل الوعود غير قابلة للتّجسيد ما لم تحلّ هذه المشاكل .كما أن بائع أو تاجر الجملة لا يمكنهما لوحدهما تحديد سعر السلعة التي يبيعونها، لأنها خاضعة للأسباب المذكورة" و من أهم التدابير التي ستطبّق طيلة الشهر الفضيل لكسر المضاربة تنظيم معارض لبيع كل المواد الغذائية المصنوعة محليا بكل الولايات ،إذ سيتكفّل المنتجون بأنفسهم بمهمّة البيع بالتجزئة طيلة هذه التظاهرة التي ستقام بوهران كذلك و هذا بقصر المعارض بالمدينة الجديدة ،إذ ستنقل المنتجات الغذائية من المصانع و المخازن إلى الزّبون مباشرة لبيعها بسعر الجملة ،و الهدف من ذلك حماية القدرة الشرائية و رفع شعار "استهلك جزائري" و ستعود هذا العام أيضا خدمات الدّيوان الوطني للّحوم بفضل الكميات الكبيرة المخزّنة و منها الطّازج و المجمّد و التي سيجدها المواطن بكافة نقاط البيع التّابعة للدّيوان و بأسعار معقولة .و نفس الشيء بالنسبة لتوفير الخبز و الحليب لمجابهة الطّلب المتزايد عليهما