كان الوقت حينها منتصف شهر كانون عندما بدأت الشمس تتلاشى وتختفي خلف أفق البحر وكأنما السماء تتأهب للعرس أو تتجهز لشيء أخر ربما لقدوم المبشر أو ذاك المخلص التي كانت تنقل الألسن على حسب ما نقلته أللسن الناس في راويات و أساطير من بطولاته و كراماته و تجري عليها قصائد الزناقي و بلوهراني وهي تحمل ألامهم و أحلامهم ... مقاهي "ابن دومة" و"دوايدي" و"إتحاد وهران" و"ولد مسيلي" بدأت روحها تبحث في تاريخها عن شيء منها و هي تقرأ في ذاكرة رواد الطحطاحة القادمون من هنا (هناك من خلف الممتهنين) و من هناك مقهى " شلال " يحادث شابا و دم بعطر المسك يغطي كامل صدره،وأجيال من البشر بالذهاب و المجيء تتعاقب بالجلوس على مقاعده الأسمنتية التي تحتمي وراء طاولات اشرف عليها أو مر على...و رغم ذلك لا زالت تحافظ على بعض من تقاليدها التي بدأت تنمحي من ذاكرة ،و بدأت الأشجار تغص في النوم لتحضر لغد أخر غد يحلم به كل عابر سبيل ،ومن جبال المرجاجو و من الأعلى القريب حسناء سيدي عبد القادر تنظر إلينا جميعنا و هي تحدث كل موجود بنا على حِدا ما الذي أتى بك إلى هنا و أنتِ أيتها الشقراء الحزينة ما الذي أصابك ... لم أنتم تعساء تحدثوا.... قولوا شيئا و صوت دوي الانفجار يملئ حناجرهم . حولت عيونها و قسمت البعض من نظراتها على المارة و الواقفون على الأرصفة المترامية بين الشوارع والمقسمة بين البنايات التي هي أيضا شاهدة على ذاك الزمن وهذا المكان .لكن شيء خارج عن العادة يسرق منها كل النظرات التي كنت تسرقها من الناس ،فتعرت من كل أنا موجود فيها و بدأت تلقي بما املك من حياء و جميل في و هي توزعه على غيري من الناس المقيمون بلا إذن و لا موعد مسبوق و هي ترفع من على وجوه البعض من ابنائها قناعا سقط و هي تردد كلمات الجميلات هن الجميلات... أنتظرها كم أحن إلى خبز أمي . فتحت باب للذكريات المغلق على نفسه، هل من أجل قبضة وسخ نبيع شرفنا بثمن أوسخ منه أو نقبض بدله اجر اشد قذارة كل هذا من أجل لقمة عيش وسخة. أسئلتها لم تعد تشبه بالسابقات من السؤال و قالت كم هو عمرك؟ أجبت بلا تفكير في الجواب ....عمري عمري هو ثمن حريتك ، عمر لا قيمة له من دونك عمري عدده قطرات دمع الثكلى و اليتامى عمري أجمل ما قدمتي من شبابك عمري هو عمر عبد القادر ، فاطمة ، المقراني و يوغرطا و زبانة هذا هو عمري هل تحب هذه الفتاة؟ طبعا أحبها لولا صدق حبي لها ما قطعت كل هذه الأزمنة و المسافات و كل هذه الأمكنة المعراة العامرة لأجل الالتقاء بها و قدومي إلى هنا يشبه الحج لها. وهل هي تحبك ؟ الأهم هو أنا أحبها. تلتفت يمينا و يسارا تأخذ بيد من هذا و تمد باليد الأخرى للأخر و تمسح على رأس ذاك و بالأخرى تضمد جروحا " و تلقي بلحاف الرحمة لتقي كل عريان من صقيع برودة الموسم. رفعت وجهها للسماء داعية في السر وصوت المؤذن يعلوا الساحة " الله أكبر الله أكبر... حي على الفلاح ... قائلة بالجهر سأنام قليلا على وعسى ينفرج الجو و تعود وتسطع شمس الأمس الجميلة التي ودعتنا بلا وداع وهمت إلى مكان قريب لتحتمي به من ثقل يوم مر من هنا و مضى لتحتضنه الذاكرة و تحفظه.