"أحمد... كان فنان وفنان كبير"، بهذه العبارة وصف الفنان الحاج "أحمد سعيدي" الراحل أحمد وهبي، رفيق دربه الموسيقي والإبداعي، وأوضح عمي أحمد البالغ من العمر 85 عاما ل"الجمهورية" أمس، أنه قضى معه فترات تاريخية لا تنسى، حيث عرفه ملحنا كبيرا ومطربا لامعا، وأن "كروان وهران" ليس معروفا فقط بأغاني "وهران وهران"، "فات لي فات" و"علاش تلومني"، بل لديه قصائد خالدة أداها بطريقة جميلة وساحرة، على غرار أبيات الخالدي، مصطفى بن براهيم وآخرين، كما أنه لحن الكثير من الأغاني ساهمت في الرفع من مستوى الأغنية الوهرانية آنذاك، أنا عرفته قبل الاستقلال، حيث أتذكر جيدا أنني في 1956 كنت مع "أحمد صابر" الذي كان كاتبا عموميا في شارع الحاج صالح بالمدينة الجديدة، حتى جاء الشيخ الخالدي، وقال لنا إن أحمد وهبي الذي كان وقتها مقيما في باريس طلب منه أن يرسل له بعض الأغاني حتى يؤديها، وأعلمنا بأنه أعدّ له قصيدتي "طويل الرقبة" و"واحد الغزال" كي يبعثها للراحل، وفعلا قام الشيخ الخالدي بإرسالها عن طريق البريد للمرحوم، كما التقيت بهذا الأخير في الإذاعة والتلفزيون الجزائري بعد الاستقلال في 1963، باعتبار أننا كنا موظفين في هاتين المؤسستين الكبيرتين، حيث كان الأستاذ بلاوي الهواري (أطال الله في عمره) قائد جوق وأحمد وهبي مستشارا رفقة المازوزي وعيسى سرور، حيث كنا وقتذاك مجموعة من الموسيقيين، وكل واحد منا كان مطلوبا منه إعداد 3 أغاني جديدة لعشاق الأغنية الوهرانية، كما قدمت الكثير من الحفلات والسهرات مع المرحوم وهبي في مختلف ولايات الوطن، ولمن لا يعرف جيدا "كروان وهران" فإن الراحل كان بارعا في المقاطع الفنية الوطنية، حيث توجد أغان لم يسمعها الكثير من جيل اليوم، وهذا بالفعل يحتاج إلى إعادة النظر فيه حفاظا على تراثه الإبداعي الغزير، "منها قلعة الجدود" وأغاني أخرى ألفها أحمد شخصيا، كما غنى أغنية دينية ووطنية للأمير عبد القادر، والشهادة تقال إن وهبي كانت تربطني به صداقة قوية وكان يحبني كثيرا، حيث سافرت معه إلى الجزائر العاصمة، قسنطينة...إلخ، حيث كثيرا ما شجعني على الغناء بحكم أنني كنت أمتلك حنجرة جهورية، ومرة في ولاية معسكر، كنا على المنصة فانقطع الكهرباء فجأة، ليطلب مني المرحوم أن أغني، وبالفعل أخذت زمام المبادرة، وقدمت أطباقا فنية بديعة، أعجبت الحاضرين، ومباشرة بعد انتهاء الحفل قلت له مبستما "أنقذتك من ورطة حقيقية" كما أوضح لنا عمي سعيدي، أن "كروان وهران" غنى حتى الأغاني الشرقية، برع فيها بشكل خارق ومذهل، وكان يستلهم هذه الموهبة من عبد الوهاب، رياض السنباطي، ولما كان في باريس التقى مع كوكبة كبيرة من الفنانين العرب على غرار ريد الأطرش، بلاوي الهواري، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، كما أن وهبي رحمة الله عليه، كان يغني كثيرا بمقاوم "النهاوند" وهذه خاصية انفرد بها كثيرا "الكروان" فضلا عن تألقه اللافت في بداية الستينات من خلال أغانيه الوطنية، التي كانت ترفع الهمة، وتلهب الحماسة وتعزز الوحدة القومية للجزائريين، فضلا عن الطابع الرومنسي، حيث كتب له الصايم الحاج على سبيل المثال لا الحصر، "فات لي فات"، "شعلة لعيون"... كما أن الأغنية الوهرانية في وقته، شهدت أبهى أيامها، حيث كان الكلام موزون، والعبارات دقيقة، والرسائل عميقة، أما اليوم فلم يعد شباب اليوم يحترم بعض التقنيات التي كان بلاوي الهواري، أحمد وهبي، أحمد صابر وأنا واحد منهم، يتقنونها، لذا يجب التفكير من الآن في إعادة الاعتبار لهذا الطابع الفني الجميل، وقد تكون أحسن هدية لأحمد وهبي أن نحافظ على التراث الذي رفع من شأنه هؤلاء المطربين الكبار.