وأخيرا "دار أوبرا الجزائر" لم تعد حلما، إذ وبعد سنوات من الترقب والانتظار والجهد المتفاني من قبل جنود الخفاء، سيسلم المشروع في غضون أيام معدودات، هذا المعلم البارز الذي يطبع السنة الجديدة 2016، سيجعل من الجزائر ثالث بلد عربي بعد مصر وسورية وأول دولة على الصعيد المغاربي تنجز "دار أوبرا"، تجسد ماديا ولاماديا ثقافتها الوطنية المتعددة، لتعانق هذا الفن العريق الذي يمتد جذوره إلى القرن ال16م. هذا المشروع الذي هو هبة من الصين للجزائر بقيمة 30 مليون يورو، جاء ليؤكد مرة أخرى العلاقات السياسية والاقتصادية بل وحتى الثقافية الوطيدة التي تجمع بين شعبي البلدين، حيث تعهدت الحكومة الصينية بدفع تكاليف دراسة المشروع، الإنجاز والتجهيز، حيث وفي هذا الصدد تم تكليف شركة "مجموعة البناء لبيجين" بتشييد المرفق، علما أن هذه الأخيرة تعد من بين أهم شركات البناء في الصين، حيث قامت بإنجاز ملعب بكين الشهير"عش العصفور" و"أوبرا بكين"- في حين تكفل الجانب الجزائري بأشغال تهيئة الأرضية التي تتربع على مساحة 1800 متر مربع. وحسبما كشفه لنا صباح أمس فيصل بوصبع المكلف بالإعلام على مستوى وكالة تسيير إنجازات المشاريع الكبرى للثقافة بالعاصمة، فإن المرفق الشامخ الذي سيصدح قريبا ولأول مرة في تاريخ الجزائر، يحمل في طياته عبق الفن وتلاقي الحضارات عبر موسيقى وعروض فنية تراثية وعالمية تؤسس ل"أوبرا جزائرية" محضة، بعدما كانت لدينا واحدة أسسها الاستدمار الفرنسي عام 1885، وهي التي تعرف اليوم بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، حيث كانت في ذلك الوقت صرحا فنيا بأهداف استيطانية غربية، أنشأها للمعمرين آنذاك الحاكم العام الفرنسي للجزائر كلوزال، واستقدمت أهم العروض الموسيقية على غرار حفلات "كراستني" الباريسية وأوبرا "كلوش دو كورنوفيل" للفنان الفرنسي "روبرت بلانكات"، قبل أن تتعرض للتلف بسبب الحريق الذي أتى على قاعة العرض التي تم تشييدها بطريقة فنية بديعة. هيكل بأحدث التقنيات العالمية وحسب التوصيف الذي قدمه لنا محدثنا، فإن "أوبرا الجزائر" التي توجد بأولاد فايت، تشتمل على طابقين ومدرجات للطابق السفلي مخصصة للجمهور، زيادة على طابقين أعلاهما مخصص لكبار الضيوف، يحتوي على 1400 مقعد، تمكّن الحضور من متابعة العروض بوضوح ومن كل الزوايا، كما أن "خشبة العرض" التي تعتبر الأحدث عالميا، فقد تم ارتأى مصمموها تشييدها بطريقة متحركة باتجاه الأعلى والأسفل على مسافة تسعة أمتار، ما يسمح بتغيير ديكور العرض في ثوانٍ معدودات وباستخدام المحركات الكهربائية، فضلا أن منظر الأوبرا وحجم "الرخام" الذي يزين الجدران والبلاط، تم دراسته بعناية وعمق كبيرين. صرح في قمة الجمال ولا جرم أن المشروع الذي انتظره الجميع بشغف كبير، سيمكن الجزائر من اكتساب صرح ثقافي من أعلى طراز وفي قمة الجمال، إذ سيسمح باستقبال جمهور متعطش للعروض الفنية العالمية والوطنية فضلا عن فنانين موهوبين في مختلف مجالات الفنون. كما أنه يشكل أرضية جديدة للتبادل الثقافي والحضاري بين الجزائر ومختلف دول العالم، حيث سيعمل على توثيق المسار الإبداعي المتعدد الذي تزخر به بلدنا، مع ينابيع وروافد فنية أخرى من مختلف مناطق المعمورة. وكشف المكلف بالإعلام على مستوى الوكالة، أن هذه الأخيرة تكلفت بالدراسات التمهيدية على غرار المسح الطوبوغرافي ودراسة التربة والبيئة، زيادة على مباشرتها العديد من المساعي لدى مختلف الهياكل والهيئات والمديريات ووزارات النقل والمالية والفلاحة والأشغال العمومية والموارد المائية و مؤسسة "سونلغاز" من أجل الانطلاق الجيد للأشغال، حيث وطبقا للعقد الذي يربط الطرفين الجزائريوالصيني، قامت ذات الوكالة بالعديد من العمليات، على غرار تسوية وتسييج قطعة الأرض، توظيف شركة أمن، حراسة الممتلكات والأشخاص، التموين بالطاقة الكهربائية، التزويد بمياه الشرب وإنجاز مسالك الوصول المؤقتة والهاتف والأنترنت ومسلك الوصول الرئيسي (الطرقات والشبكات المختلفة)، علما أن هذا "المشروع الثقافي الأول من نوعه ببلدنا، يضم كل من الأوركسترا السيمفونية الوطنية والبالي الوطني والمجموعة الأندلسية وقد تم إنجازه في إطار اتفاق تعاون اقتصادي وتقني أبرم في 03 فيفري سنة 2004 بين الجزائر وجمهورية الصين الشعبية.