أكد الدكتور كاظم العبودي أمس أن التفجيرات الفرنسية في 13 فيفري 1960 بالصحراء الجزائرية، لم تكن مدروسة وحساباتها كانت خاطئة، ووصف في الحوار الخاص، الذي أجرته معه "الجمهورية" هذه التفجيرات المرعبة، بالشعوذة النووية، منتقدا في ذات السياق، تأخر فرنسا في تعويض الضحايا الجزائريين، الذي اسشتهدوا في أعقاب هذه "اليرابيع" الدموية، كاشفا في ذات الحوار، أنه سيعمل رفقة أعضاء جمعية "أحباب البيئة في الجزائر" على طرح الملف أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف الجمهورية: هل يمكن أن تعطينا لمحة موجزة عن تفجيرات 13 فيفري الأسود وهل فعلا كانت حسابات التجارب خاطئة وغير مدروسة؟ د. كاظم العبودي: الجانب التاريخي لتفجيرات 13 فيفري 1960، يتحدد كالتالي: على أنه سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، بدأ المشروع الفرنسي النووي، وكان هناك قرار لدى الحكومة الفرنسية وتحديدا الجنرال ديغول على أنه في بداية الستينات، لابد من البدء في المشروع العسكري النووي الحربي، بتنفيذ أول تجربة على الأراضي الجزائرية، بمعنى أنه منذ 1956، وبعد الانتقال من مرحلة إعداد الصواريخ في منطقة "حماقير" ولاية بشار، بدأ المشروع ببناء قاعدة الحياة برقان، التي ضمت حوالي 27 ألف شخص بين خبراء، عسكريين ومهندسين، بدأ إعداد للمنطقة "الحمودية" حوالي6 كلم عن قاعدة الحياة، تكون هي أول منطقة لتفجير أول قنبلة نووية فرنسية في الأراضي الجزائرية، وحدد لها تاريخ عام 1960، وما إن حل يوم13 فيفري الأسود، حتى كان الإعلان عن تفجير أول قنبلة نووية فرنسية بالاسم الرسمي للمشروع، إلا أنني أؤكد أن "اليربوع الأزرق"، هي قنبلة نووية فرنسية "إسرائيلية" بامتياز من بداية المشروع إلى غاية تنفيذه... وأنا سبق وأن كتبت كتابا كاملا عن الجذع المشترك بين المشروع النووي الفرنسي والصهيوني في الصحراء الجزائرية، حيث وبينما كان ديغول يتلقى الخبر السعيد بهذا التفجير كان موشي دايان موجود في موقع "الحمودية" ببشار... معذرة على المقاطعة كم بلغت طاقة هذه القنبلة النووية؟ ... القنبلة بطاقة 70 كيلو/ طن، بمعنى أن الحسابات الأولى في أول قنبلة قد أخطأت كمية الوقود النووي اللازم لتفجير قنبلة بمستوى هيروشيما، لكنها تضاعفت في حدود 3 إلى 4 عن قنبلة هيروشيما، لهذا أنا اسميها "شعوذة نووية"، حيث أن الحسابات كانت خاطئة ولم تأخذ بعين الاعتبار الظروف المناخية ولا الموقع ولا حتى الحياة الطبيعية في المنطقة، بعد شهر من ذلك التاريخ أعلن عن تفجير قنبلة ثانية باسم "اليربوع الأبيض" وهنا نربط بين الأبيض والأزرق، الذي يمثل علم الكيان الصهيوني، ما يوحي أن الأيدي الإسرائيلية، شاركت حتى في القنبلة الثانية. لتليها قنبلة أخرى في ديسمبر عندما صار ما يسمى "انقلاب العقداء" على الجنرال ديغول وتمرد الجيش الفرنسي في الجزائر على السلطة المركزية، فخشية أن تقع هذه القنبلة بيد الانقلابيين، سارع عدد من الضباط إلى تفجيرها، لكن للأسف في ظل ظروف مناخية غير محسوبة، وسميت ب"اليربوع الأحمر" حتى يستكمل لون العلم الفرنسي، وفي أفريل من سنة 1961 فجرت القنبلة الرابعة التي سميت "اليربوع الأخضر" علما أنها كانت عبارة عن مناورة عسكرية نقلت فيها بعض معدات الجيش الفرنسي الكاملة العدة البرية، البحرية والجوية ونقلت ووحدات متخصصة للجيش دون علمهم من قاعدة في ألمانيا الغربية وفجرت القنبلة في ظروف مناخية صعبة، إذا لنقول أن التفجيرات الأربعة المعلن عنها كانت واحدة من أهم الكوارث على الكرة الأرضية في القرن 20. هل كانت فيه تفجيرات نووية فرنسية غير معلنة؟ الكثير من المذكرات التي بدأت تنشر على لسان الكثير من القادة العسكريين، من بينهم "إيف روكار" وهو أب القنبلة النووية الفرنسية، فضلا عن آخرين تؤكد أنه هناك احتمال على تفجير من 6 إلى 7 قنابل نووية في توات، أي من جنوب رقان حتى تنزروفت، مع العلم أن سلسلة التفجيرات هذه لحقتها سلسلة تجارب في الآبار، ولكن لا أحد يعرف معلومات عنها والأرشيف مخفي إلى يومنا هذا، ومن ثمة فإنه ما إن انتهى عام 1961 حتى أصبحت كميات المواد المشعة على مستوى العالم قد تضاعفت بحوالي 20 ألف عن مستواها الطبيعي، حيث ارتفع مستوى "التريتيوم" في كل الأجواء الأوروبية إلى أرقام مهولة ما أدى إلى انطلاق مظاهرات عالمية تجبر الفرنسيين للتوقف عن هذا الخراب البيئي. وأريد هنا أن أكشف عن أمر جديد وهو أن مؤتمر باريس الأخير حول البيئة وقضية المناخ، وضع أجندة ل100 سنة لخفض درجة الحرارة في الأرض، إلا أنهم نسوا أنهم كانوا الأوائل في ممارسة ما أطلقت عليه "الشعوذة النووية"، حيث أن هذه المغامرة غير المحسوبة، أدت إلى هذا التلوث البيئي الخطير، للعلم أن العديد من مراكز الرصد الإشعاعي في العالم والمخابر العالمية المعروفة في سويسراوفرنسا، أكدت أن كمية الثلوج المتساقطة أخيرا في هذه البلدان الأوروبية سجلت عددا من الدقائق والعناصر المشعة هي نتاج الانشطارات النووية المتلاحقة التي كانت في سنوات الستينيات. حيث تأثرت الكثير من البلدان في العالم بهذه المواد المشعة، ووصلت إلى غاية نجامينا، صقلية، إسبانيا والولايات المتحدةالأمريكية. هل أعطى الإعلام الجزائري حقه من هذا الملف المؤلم؟ وإلى أين وصل مشروع التعويضات الفرنسي؟ أريد أن أشكر كثيرا الإعلام الجزائري بكل أنواعه الذي عالج الظاهرة بكل جرأة دون أن ننسى وزير المجاهدين الأسبق السعيد عبادو، أنه مكن من خلال مركز الدراسات التاريخية، تنظيم العديد من الملتقيات الوطنية التاريخية التي سجلت تراكما معرفيا وتاريخيا لفتح هذا الملف إلى أن وصل إلى مراحله المتقدمة اليوم، وأنا كان لي الشرف في ريادة هذا الموضوع أني انتقلت إلى الجانب الفيزيائي والبيولوجي الحيوي، حيث رصدت الحالات المرضية في منطقتي رقان وتمنراست، ولذا أقول أنه آن الآن بحكم عضويتي في مركز جنيف للعدالة الدولية وعضو مستشار لمحكمة بروكسل لقضايا الشعوب، لأن يفتح هذا الملف من جانبه القانوني الدولي لأن فرنسا لا تزال تغلق أذانها إزاء كل المناشدات الإنسانية وما سجلت من أحداث مؤسفة لهذه الفترة لمرعبة من تاريخ الجزائر، حيث لم تعترف لحد اليوم بضحية واحدة لهذه التفجيرات النووية في الجزائر. فحتى مشروع التعويضات "الابتزازي" لمشاعر الجزائريين الذي أعلنه الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، لضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية و"الباسفيك" و"بولينيزيا" ولضحايا الجيش الفرنسي الذين شاركوا في هذه العمليات لا يزال يراوح مكانه، بدليل أن الكل حصل على هذه الكعكة التي لا تساوي سوى 10 ملايين يورو، إلا الجزائريين المتضررين لم يستفيدوا من هذه التعويضات. وأنا بالمناسبة أوجه نداء صريحا "انصفوا هذا الشعب الذي عانى كثيرا" حيث لم يعترف لحد الآن بأي ملف قدم للسلطات الفرنسية، علما أنني سأذهب في مارس القادم في جنيف في إطار مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأممالمتحدة مع أعضاء جمعية "أحباب البيئة في الجزائر" وهم عشرة متطوعين على حسابهم الخاص، وسنعمل على طرح ملف الضحايا والتعويضات والتطهير في المناطق الملوثة وبالتالي سننقل هذا الملف بعيدا عن الجانب الرسمي والديبلوماسي، لوضع الرأي العام الدولي، أمام حقيقة ما يجري من كوارث تسببت فيها هذه التفجيرات البشعة. هل تعتقدون أن حل الملف طال أمده؟ وكم بلغ عدد الضحايا الجزائريين جراء جميع التفجيرات النووية الفرنسية؟ آن الأوان لنضع الملف أمام الضمير العالمي، هذه الكارثة المنسية لا يمكن السكوت عنها، حيث على فرنسا أن تتقاسم معنا هموم الأجيال التي مسها الإشعاع النووي، بدليل أنه أنه حتى أحفادها لاسيما الكثير من العسكريين أصيبوا بتشوهات خلقية وسرطانات قاتلة، والسؤال المطروح كيف تستجيب لمطالبهم بالتعويض، وتترك وتتناسى شعب وأرض ومناطق وأمة وحاضر، مسها الضرر من جراء هذه التفجيرات النووية البشعة. صراحة هذا الغرب مأزوم في أخلاقه، حيث أنه في نخبة علمية شاركت في هذه التفجيرات وليس فقط العسكريين والسياسيين، لكنها اعترفت أنها غير مسؤولة عنها، لذا نقول إن المشروع الفرنسي قاده عسكريون مغامرون إن لم نقل "أميون" ونحن أطلقنا اسم الشعوذة النووية على كامل البرنامج النووي الفرنسي، من منطلق أن الأخطاء كانت كبيرة وفادحة بشهادة العديد من الخبراء الفيزيائيين الفرنسيين، بل أنه حتى صورة التفجير النووي في13 فيفري ليست حقيقية، لأن العاصفة التي رافقت التفجير أطاحت بكل الكاميرات، وكان هناك تسجيل صوتي فقط، وعملوا تركيبا لصور القنبلة النووية الأمريكية في نيومكسيكو، ونسبوها إلى التفجيرات في الصحراء الجزائرية. مع العلم أن التجارب النووية التي قامت بها فرنسا خلال فترة احتلال الجزائر في منطقة "رقّان" وباقي المناطق في الجنوبالجزائري قد خلفت ما يزيد عن 150 ألف ضحية طيلة الفترة الممتدة بين 1960 و1962 وأن كثيرا من العمليات الخطيرة والمحرمة أخرى على الصعيد الدولي التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية لا تزال غامضة وسرية، ولم تتسرب بعد خرائطها والوثائق المتعلقة بطبيعة نشاطها. وهنا أؤكد تأثير هذه المواد الإشعاعية النووية على صحة الإنسان والبيئة، وما يمكن أن تخلفه من طفرات جينية وأمراض سرطانية تظهر حتى يومنا هذا لدى سكان هذه المناطق رغم مرور أكثر من نصف قرن على حدوث هذه التجارب.