ها هي جائزة محمد ديب تفي بوعدها الخامس وتتوّج ثلاثة كتاب باللغات الثلاث (العربية، الأمازيغية، الفرنسية) لتكرّس تقليدا أدبيا نحن بأمس الحاجة إليه، إنها الطبعة الخامسة لهذه الجائزة التي قاومت التصحر الثقافي وصمدت ضد جميع العوائق التي تعصف بأدنى مبادرة أدبية تريد تثمين الإبداعات الأدبية في بلدنا. كم من جائزة تأسّست واندثرت بعد سنوات قليلة لأسباب شتى، أولها نقص الموارد المادية الضرورية لإقامة مثل هذه المحافل الأدبية، دون أن نذكر الأسباب الأخرى، الذاتية منها والموضوعية التي تجعل كثيرا من مثل هذه المبادرات تنطفئ في شموعها الأولى، أمثال جائزة عبد الحميد بن هدوقة التي كانت تكرم سنويا كاتبا لمجمل أعماله، لم تعد تنظم منذ حوالي خمس سنوات، وجائزة المكتبيين التي كانت توزع سنويا في الصالون الدولي للكتاب، والتي اندثرت مع توقف نشاط نقابة المكتبيين، وجائزة مفدي زكريا للشعر التي انطفأت مع وفاة مؤسسها الروائي الطاهر وطار، لماذا ترتبط الجوائز بالأشخاص وليس بالمؤسسات مثلما يحدث في الدول المتقدمة ؟ ، الجائزة تصمد حينما تقرن بمؤسسة لا تزول بزوال مؤسسيها، تصيبني غيرة خانقة حينما أقرأ عن جوائز في بلدان أوربية تحتفل بعيد ميلادها المائة، نعم، قرن كامل ولم تتوقف، (أمثال النوبل السويدية، والغنكور الفرنسية، وسرفانتس الإسبانية، وبولتزر الأمريكية والبوكر الإنجليزية وغوتة الألمانية وغيرها كثير) وهي توزع سنويا، وينتظرها الكتاب والناشرون بشغف لا مثيل له، ويتنافسون على نيلها، وفي ذلك شرف وتكريس لسمعة أدبية وتأكيد لقيمة أدبية راسخة أو إبراز لاسم جديد ينسج كتابه الأول. تأسّست جائزة محمد ديب في 2001، وكان محمد ديب على قيد الحياة. قامت بهذه المبادرة النيرة الأستاذة المختصة في اللغة والأدب الفرنسي و الفرانكوفوني بجامعة تلمسان، السيدة الفاضلة صبيحة بن منصور، وذلك بتأسيس جمعية "الدار الكبيرة" التي تحمل اسم أشهر رواية محمد ديب، الجزء الأول من ثلاثية الجزائر الشهيرة التي حوّلها مصطفى بديع إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان "الحريق" وهو عنوان الجزء الثاني من الثلاثية، وقد نال في وقته شهرة شعبية لا نظير لها. وبقيت أسماء مشهورة في الذاكرة الجزائرية مثل "دار اسبيطار" المكان الذي جرت فيه أحداث الرواية والفيلم، وعمر وزهور، ولالة عيني وديدي كريمو، وحميد سراج والكومندان، راسخة في التراث الجزائري الحديث. وكانت الجائزة تمنح فقط للأعمال المكتوبة بالفرنسية ولمدة ثلاث طبعات. للأسف الشديد أن الجائزة لا تمنح سنويا لقلة الممولين، سواء من القطاع العمومي أو الخاص. فكانت تتأجل لسنة وسنتين، ثم إلى خمس سنوات لأنّ أخر طبعة أقيمت في 2011 بمناسبة اختيار تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، وقد أضيفت للجائزة الأعمال باللغة العربية التي نالتها باقتدار المبدعة الشابة حفيظة ميمي. وها هي الطبعة الخامسة تحقق طموحها الوطني بتنظيم جائزة باللغات الثلاث التي يكتب بها الجزائريون. ينبغي الإشارة إلى أن لجنة التحكيم تتشكل من أساتذة مكرسين في الدراسات الأدبية والنقدية ويشتغلون بدون مقابل مادي، همهم الأساسي خدمة الأدب وتخليد اسم وأعمال محمد ديب، هذا الكاتب الذي كرّس حياته كاملة للإبداع، رواية وقصة وشعرا ومسرحا. نتمنى لهذه الجائزة ومثيلاتها أن تصبح تقليدا سنويا وفي ذلك فوائد كثيرة. فهي تنشط الحياة الثقافية وتدفع بعجلة الإبداع وتثمّن الكتاب وتوسع مجالات القراءة. ربما انتبه رجال الإعمال الجزائريون إلى أهمية الجوائز الأدبية، فخصصوا لها الشيء القليل من أموالهم، مثلما فعل ويفعل منذ سنوات قليلة شيوخ وأمراء الخليج الذين أسسوا الجوائز جلبت إليهم أنظار جميع الناشرين والكتاب العرب.
الفائزون بجائزة محمد يب الجائزة الأولى في اللغة العربية لمحمد قارف عن روايته "سيزيف يتصنع ابتسامة " جائزة الرواية باللغة الأمازيغية للويزة أوزلاق عن عملها " جار إجني تمورت" جائزة الرواية باللغة الفرنسية لمصطفى بوشارب عن روايته " الفتوى " .