خلال شهر نوفمبر الفائت نقلت الموت إلى ضفتها مجموعة من الفنانين بين الموسيقى والأدب والسياسة، نقلت الأستاذ طالب نور الدين أستاذ اللغة الروسية واللسانيات بقسم الروسية، جامعة وهران 2، الأستاذ الذي أفنى عمره من أجل التعدد اللغوي، وهو شاب يانع قادم من جامعات الاتحاد السوفياتي، أسس قسم اللغة والأدب الروسي بجامعة وهران، ودافع على دوامه بشراسة علمية يوم أرادوا إزالته من خارطة التعليم العالي، التقينا في الجامعة وعملنا مع بعض على دمج اللغة الروسية كلغة ثالثة في الترجمة مثلها مثل اللغات الألمانية والإسبانية والفرنسية، وتخرجت دفعة واحدة [عربية – انجليزية – روسية] من حوالي عشرين طالبا ومنذ حوالي عشر سنوات وأكثر. ومن يومها ومنذ غادرت رئاسة القسم، أبعدوا اللغة الروسية أولا ثم اللغة الألمانية ثم اللغة الإسبانية وأبقوا على اللغات العربية والانجليزية والفرنسية، ثم بعد ذلك قضوا على قسم الترجمة نهائيا. ثم رحل عنا الممثل والمخرج رماس حميد، المولود في 1949 بوهران، سكنه المسرح وسكنه الفن عموما، باشر عمله الفني مباشرة بعد الاستقلال، ثم التحق بمعهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان، ثم بمسرح عنابة ثم المسرح الوطني، حيث قام بإخراج مسرحية [البدلة] للكاتب الأمريكي براد بوري، وشارك في عدة مسرحيات وأفلام منها [بن بولعيد] و[حسان طاكسي] و[رشيدة]، ومثل في مسارح عالمية منها المسرح الفرنسي حيث شارك في مسرحية [Les fusils de la mère Carrar] التي ألفها المسرحي الألماني [Bertholt Brecht] عام 1937. لتخطفه الموت بعد مرض عضال، والجزائر تحتفي بالدورة الحادية عشر للمسرح المحترف، وبرحيله المفاجئ هذا وفي هذا الوقت بالذات يكون أبو المسرح أوصى أهل الثقافة بالمسرح خيرا. ثم رحل بشير حمادي ...الذي ترأس تحرير جريدة الجزائر اليوم، وعن عمر ناهز سبعا وستين سنة، إثر نوبة قلبية، عمل صحفيا منذ 1975، بعد أن قضى فترة في التعليم، فنجده وبعد سبع سنوات ينتخب عضوا في المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، عمل بيومية المساء فشغل منصب مدير التحرير بها، وبعدها ومع نفحة الديمقراطية التي هبت على الجزائر انتقل إلى جريدة [الجزائر اليوم]، ولم يتوقف فعله في الصحافة حيث أسس وشارك في التأسيس لجملة من الصحافة الجزائرية، آخرها جريدة [الحقائق]. ولأن الموت تختار بين البسطاء، فها هي ترحل أحد أعمدة الأغنية الشعبية [الدزايرية]، يرحل هذا الرجل البسيط الذي عاش بعيدا عن الأضواء التي سلطت على فئة البلطجة الموسيقية، من الكهل خالد إلى المجموعات الشبانية التي اختارت الوصول إلى الشهرة أو [العهرة] انطلاقا من كاباريهات الكورنيشات التي تجلب أنماطا من البشر لا يمتون بصلة للثقافة الموسيقية الهادفة الهادئة. يرحل عنا عمار الزاهي، الإنسان الزاهد، الذي ركب الزهد ليعيش حياته على المسار الذي اختاره، بأنفة وسؤدد، إنه ومضة في ضوء الأغنية الشعبية التي حاولت الصحافة المختصة طمسها، بقصد، عندما وجهت أبواق دعايتها للأغنية المنحطة نصا وموسيقى. لقد تمسك بخط الأغنية النظيفة التي توصل إلى الحياة الحقيقية ولا توصل إلى الحياة الزائفة، أعتقد أن الزاهي، كان زاهيا وزهوانيا بحياته البسيطة التي اختارها كي يبتعد عن ملوثي الذوق العام ويقترب من أقطاب الغناء الثلاثة، وهبي بوهران وقروابي بالعاصمة والفرقاني بقسنطينة، هؤلاء هم أقطاب الأغنية الجزائرية الحقيقية، أما سواها فهي طقطقات وفقاعات زائلة لا تثبت أبدا، لأنها لا تحرك عمق الإنسان مثل ما حركته أصول الأغنية الأصيلة الوهبية والقروابية والفرقانية. ها هي تنطفئ شمعة الزاهي وتنضاف إلى من سبق وأن أخذته يد المنون إلى جهتها الأخرى، إلى الجهة التي فيها النهاية وفيها البداية. الوجود سؤال فلسفي عميق؟ ليس هناك أعمق ولا أبهم في الفهم منه، إنه السؤال الذي طرحه الإنسان وطرح عليه إشكالات واستفسارات وغموض لا حل له، إنه الغموض الذي يصاحب الوجود؟ وجود الكائن على وجه الأرض. من أين جاء؟ وإلى أين سينتهي؟ إنه السؤال الذي شغل الفكر الفلسفي عبر التاريخ وما يزال، منذ الوجود، والكائن الإنسان يطرح أسئلة لا إجابة لها؟ الموت والحياة، الحياة والموت، ارتبطا بإلهين متصارعين دائما، حيث كان إله الحياة يجلب أملا للإنسان، وإله الموت يحجب إرادة الإنسان، انطلاقا من هذه [الموتات] المتتالية والتي كان آخرها صديق الجزائر فيدال كاسترو، ومن هذه التساؤلات، انتابني هوس التمعن وبعمق كبير في إشكالية الوجود بين الحياة والموت وبين الموت والحياة، فعمر الكائن، مهما كان هذا الكائن، يتموقع وينحصر بين الموت والحياة وبين الحياة والموت. ويطرح السؤال الكبير الذي شغل الفلسفة، لماذا الحياة مادام هناك موت؟ ولماذا الموت مادام الإنسان محبا للحياة؟ فلولا الموت لما كان هناك خوف؟؟ وأن الأمراض هي بدايات الموت. فلا يمكن أن توجد فلسفة للموت بعيدا عن فلسفة الحياة بما يرتبط بها من مرض يسوق إلى الموت. فها هو الفيلسوف الفرنسي [جون بول سرتر] يستقي فكره الفلسفي من الوجودية التي ترتبط أساسا بالبشر المعتمد أساسا على إشكالية لها وجهان فقط هما الحياة والموت. مات سارتر ومات الأصدقاء الرفاق وبقينا نحن ننتظر شبح الموت المحدق من قريب أو من بعيد، لسنا ندري على من الدور القادم، دمتم أحياء فكرا وفلسفة. للتواصل / aerzaoui@ymail.com