يرى الباحث الجزائري عبد الرزاق بلعقروز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع المؤلف الشاب، أن هناك علاقة وطيدة بين الرواية والفلسفة، وذلك باعتبار أن الفلسفة كانت في موروثنا العربي والتي افتتحت الباب أمام الرواية للوجود، ويقول إن الرواية الخالدة هي تلك التي تحمل في مضامينها أفكاراً فلسفية قوية. قال الباحث عبد الرزاق بلعقروز، في حوار مع صحيفة الكترونية إماراتية، أنه لا توجد قطيعة بين الفلسفة والرواية، والأكثر وَجَاهَة أن الفلسفة في الموروث العربي هي التي افتتحت الرواية الفلسفية، من خلال الرائعة الخالدة لابن طفيل “حي بن يقظان”، التي قال عنها فرونسوا دورتي إنها تمثيل طريف عن الفيلسوف العصامي، وتعبير عن تكامل الدليل البرهاني والدليل الخيالي في الفلسفة، وتعبير عن ترقي الوعي الفلسفي من المستوى الحسي إلى المستوى العقلي الروحي، لذا فالرواية الخالدة هي تلك التي تحمل في مضامينها أفكاراً فلسفية قوية، وأمام هذا لا عجب أن يكون الأدب هو المحضن الأصلي للتأملات الفلسفية عبر التاريخ. وبخصوص الكتابة يقول بلعقروز أن الكتابة هي روح القيم وحرية المفاهيم نحو السير لإعادة الترابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية ،وإن الجائزة أصبحت المنارة التي تشع نوراً ومعرفة في سماء الثقافة العربية. واشار “بلعقروز” إلى أنه في الآونة الأخيرة تحركت عجلة الترجمة في الوطن العربي، والتي باتت ميزتها أنها ترجمة من النصوص الأصلية وليست ترجمة متناقلة بين اللغات، مثمناً دور مشروع “كلمة” بدولة الإمارات، الذي ترجم نصوص الفيلسوف الألماني هيجل من اللغة الألمانية مباشرة، من غير مرور على الوسيط الناقل.داعيا في السياق ذاته الى ضرورة الارتقاء من مستوى الكتابة في الفلسفة إلى مستوى الإبداع، إذ إن تداول النصوص الفلسفية حسبه لا يعني أن ثمة إبداعا. وبخصوص قلة ترجمة الكتب الفلسفية والفكرية للغة العربية قال “فعلاً نحن مقلون في الترجمة، وهذا أمر واقع، إلا أنه في الآونة الأخيرة تحركت عجلة الترجمة التي باتت ميزتها أنها ترجمة من النصوص الأصلية وليست ترجمة متناقلة بين اللغات، كما حدث مع الموروث الفلسفي اليوناني، الذي نقل من اللغة اليونانية إلى اللغة السريانية فإلى اللغة العربية، فجاء النص مقطع الأوصال وحاملاً لمضامين اللغات التي عَبَرَ عن طريقها” مضيفا “وأمام هذا، فبقدر حاجتنا للترجمة، فإن الحاجة ماسة إلى إتقان منهج في الترجمة يراعي عادات العربي في التعبير والتبليغ، كي يتحرر النص المنقول من الرطانة، ومن قلق العبارة كما لاحظ ذلك الفارابي قديماً، وفي الفكر الفلسفي المعاصر ما يعكس الوعي بقيمة الترجمة من النصوص الأصلية: مثل مشروع كلمة بالإمارات العربية المتحدة، الذي ترجم نصوص الفيلسوف الألماني هيجل من اللغة الألمانية مباشرة من غير مرور على الوسيط الناقل”. وعن كتابه المتوج بجائزة الشيخ زايد للكتاب روح القيم وحرية المفاهيم نحو السير لإعادة التّرابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية” ، وموضوع الكتاب وخيطه الهادي هو إعادة بناء العقل والعقلانية، حيث إنني قلت إنه إذا كان ديكارت قد أسس العقل على النموذج الرياضي في التفكير، ونيتشه على إرادة القوة، وكانط على إرادة الإيمان، فإنه من حقنا الفلسفي أن نؤسس التعقل على القيمة الأخلاقية في عمقها الروحي، وهذا لأجل أن نفتح للفكر انفراجات جديدة بعد العقلانية الرياضية التي حصرته ضمن منظومة الانفصال والاختزال، وينفتح العقل على أفق التعقلية الروحية التي تعطي القيمة للوجدان والعاطفة والروح في تأسيس العلوم الاجتماعية، وهنا تَشَكل النموذج المعرفي الذي يعطي للقيمة دور المؤسس ودور المبدع لإنسان جديد مياسمه الكبرى هي: الحرية والعدل والصلاح، كما أنني بلورت مفهوما واصفا للإنسان الذي استغرقته الثقافة الاستهلاكية، هو الإنسان الوَقَّافْ، الذي يقف مع فكره ووعيه أمام زحف الثقافة السَّائلة التي تذيب القيم والمعاني الإنسانية السامية. وفي الأخير، وجه الكاتب جزيل شكره للقائمين على جائزة الشيخ زايد للكتاب،با عتبارها أنها باتت المنارة الأقوى في سماء الثقافة العربية، إنها بحرصها على الإبداع والعلمية وخدمة المعرفة الإنسانية جعلت الباحثين في العالم يحرضون على القراءة العميقة والمبدعة، وبالتالي فهي أشبه بمؤسسة علمية كبرى لتكوين الباحثين وفق معايير العلمية وخدمة الإنسانية والإبداع، وانها ايضا ترسم في الثقافة العربية لوحة جديدة عنوانها اجتهد تجد، وتواصل تتجدّد، وانفتح تنمُ. ولهذه الأسباب، يقول ” فإني تقييمي للجائزة هو إيجابي وتجربتي الشخصية هي أقوى شاهد على ذلك، فقد وصلت إلى القائمة القصيرة سنة 2013، بكتابي “المعرفة والارتياب”، ولم أفز بالجائزة حينها، لكنني لما شرعت في رسم خطاطة كتاب “روح القيم وحرية المفاهيم” كنت حريصاً جدا على تقوية نصوصي بالتفكير الجديد، وبالاطلاع على ما كتب في الموضوع، وبناء النصوص بناءً مرصوصاً، وموجب هذا الإقرار، هو أن أثر الجائزة على شخصي كان جلياً، ومن ثمة تأثيرها على شكل الثقافة الذي كان نوعيا، لأن مطلبها هو الاحتفاء بالمؤلفين الشباب في العالم العربي ودعمهم وتشجيعهم كي يواصلوا مسيرة القراءة والتَّجديد والإبداع والإنتاج المفاهيمي النَّوعي”. مشيرا بأن الجائزة ترسم معالم التميز للمؤلفين الشباب في العالم العربي، وباحتضانهم وتشجيعهم وتكريمهم، فإنها تُشَكّل في منهج الثقافة العربية الذي سينحو نحو إنسان القيمة والعمران وإنسان المعرفة والتواصل الكوني مع الثقافات الأخرى، وثمرة هذا أن تكون صورة الثقافة العربية في تكاملها مع الثقافة الإنسانية عبارة عن فسيفساء ذات بهجة تستمد جماليتها من اختلاف ألوانها وليس من هيمنة لون واحد”.