عبدالعزيز بن محمد الخاطر الخميس تجسير الهوة النفسية بين منصب السلطة والمواطن أمر بالغ الأهمية لبناء شخصية وطنية واثقة ومتمكنة، هناك هوة نفسية كبيرة بين المنصب الرسمي وشخصية المواطن تجعل منه شخصا آخر بمواصفات نفسية مختلفة، وكأنه انتقل الى ثقافة أخرى غير التي كان يعيشها أو يعايشها قبل المنصب. السلطة في المجتمع جزء لا يتجزأ من ثقافته وتكوينه، فما الذي جعل من المنصب وهو مسؤولية في الاساس، مسؤولية امام المجتمع أولا ما الذي جعل منه حالة نفسية «متعالية» على المجتمع وليس في أولويتها إرضاؤه بقدر إرضاء المنصب. في المجتمعات ذات الابعاد الإيديولوجية تصطاد السلطة المناوئين والمعارضين من خلال إدخالهم في لعبة المناصب الحكومية وبرستيجها لأهداف سياسية، ولكن في مجتمع مثل مجتمعنا يخلو من مثل هذه الابعاد الايديولوجية يصبح المنصب اصطفاء لا غير، اصطفاء لأنه يغير من سيكولوجية صاحبه، يصبح شخصا آخر. وهذا دليل على ازدواج ثقافي داخل المجتمع، ثقافة المجتمع في مقابل ثقافة السلطة، وكل منهما له خصائصه. فرز المجتمع بهذه الصورة لا يساعد أبدا على تطوره. ثقافة المجتمع ضعيفة أمام ثقافة السلطة، فلذلك هي دائما واصحابها في استدراج من قبل الثقافة الفوقية القوية، وثقافة السلطة لها بعُدان أساسيان. أولهما: البعد التاريخي العائلي وثانيهما: الاصطفاء من خلال المنصب الحكومي وهو لا يتمتع بديمومة كالبعد الأول ولكن في بعض الاحيان قد يبدو مدمرا إذا ما اعتقد الشخص بديمومته والمجتمع في حالته بين ثقافتين. تجسير الهوة وتمكين فقط ثقافة واحدة من التبلور هو المقدمة الأولى لتقدم المجتمع نحو أهدافه. لا زلت ألوم المجتمع على عدم تكريس ذاته كمجتمع، لا زلت أذكر أول تغيير وزاري بعد التشكيل الأول لأول مجلس وزراء في دولة قطر في بداية السبعينيات، وذلك تم في صيف 1989 وكيف تنادى المجتمع بين بعضه البعض مباركة للمحظوظين الجدد الذين انتقلوا الى ثقافة أخرى غير ثقافة المجتمع، فمنهم من امتنع عن دخول السوق إلا خفية، والاخر لم يعد يأكل في الاسواق، والاخر بنى مجلسا أو نصب خيمة للوافدين القادمين للسلام عليه. ربما قَل الآن وهج المنصب إلا أنه لا يزال يمثل نقلا من ثقافة الى أُخرى، وبعدا نفسيا آخر لصاحبه، الأمر الذي يفقد المنصب وظيفته في خدمة المجتمع ككل وليس فقط خدمة جزء منه ومن ثقافته. إذا كانت السلطة تملك المال، فمن المفروض أن يملك المجتمع تنظيماته وقوته الرمزية التي قد تجبر المال على التعاون معه لا لاستلابه، فالمجتمع خط دفاعه الاخير قدرته على التنظيم وتحديد الاهداف، العالم اليوم يسير في هذا الاتجاه رغما عن الهيمنة والسيطرة أيا كان شكلها او رائحتها. عندما يفقد المنصب بريقه أمام الاقتناع والمبدأ يكون المجتمع قد ولج دائرة التنظيم والقدرة. وبدأت ثقافة واحدة للمجتمع كل المجتمع تلوح في الأُفق لا يمكن لمجتمع واحد يعيش بين ثقافتين أن يصبح ديمقراطيا، ولا يمكن لمجتمع يُغير المنصب من نفسيته وقناعات أفراده أن يفرض احترامه على الغير حيث فاقد الشيء لا يعطيه.