يشغل كتابٌ محدّد مستخدمين كثراً لوسائل التواصل الاجتماعي، نظرا إلى أن مؤلفه، الروائي الأميركي #دين_كونتز، “تنبأ” فيه قبل 40 عاما، وفقاً للزعم، بأنّ “مرضاً مصدره مدينة ووهان الصينية سينتشر في المستقبل بسبب مختبر عسكري خارج المدينة أنتج فيروس سيتم استخدامه كسلاح بيولوجي، لكنه انتشر في ووهان بالخطأ، ومنها انتشر في العالم”. صفحات عدة من الكتاب أرفقت كدليل، وقد سُطِّر فيها تعبير محدّد بخط أحمر: “ووهان- 400”. هذا اسم الفيروس، وفقا للرواية. ولكن ما حقيقة هذه المزاعم؟ النتيجة: هذه المزاعم خاطئة، لا سيما في ما يتعلق بشق التنبؤ، وايضا فيروس كورونا المستجدّ كوفيد- 19. صحيح أن كونتز كتب عن فيروس خيالي بمثابة “سلاح بيولوجي” في روايته تلك، وسمّاه “ووهان- 400″، وووهان هي المدينة الصينية التي انتشر منها فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، إلا أن فيروس ووهان- 400 في الرواية يختلف كليا عن فيروس كوفيد- 19 الحالي، وفقا لما سنعرضه لكم في هذه المقالة. وثمة معلومة حاسمة اخرى: كونتز سمّى الفيروس أولا، في الطبعة الأولى للكتاب، عام 1981، غوركي-400 نسبة الى مدينة غوركي في روسيا، قبل ان يستبدله بعد أعوام بووهان-400، نسبة إلى مدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي فيروس كورونا المستجد. .. الوقائع: منذ ايام ينتشر غلاف كتاب “عيون الظلام” لدين كونتز على صفحات وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما في تويتر (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا…)، وفيسبوك (هنا، هنا، هنا…). وفي المزاعم المرفقة، “الكاتب الاميركي دين كونتز نشر روايته التشويقيه بعنوان عيون الظلام عام 1981، وهي تتحدث عما يحصل اليوم عام 2020″، وايضا عيون الظلام “اسم رواية خيالية للكاتب دين كونتز كتبها عام 1981، وتنبأ فيها بالفيروس المنتشر هذه الايام والمدينة التي أنتج فيها، وهي ووهان الصينية في مختبر عسكري كسلاح بيولوجي…”. .. التدقيق في هذه المقالة، نجيب عن عدد من الأسئلة، تبيانا للحقائق: 1-ما هذا الكتاب؟ The Eyes of Darkness (عيون الظلام) عنوان رواية إثارة من تأليف الكاتب الأميركي دين كونتز Dean Koontz، صدرت في 10 ايار 1981. “انها قصة امرأة، تينا إيفانز، فقدت ابنها داني في حادث عندما كان في رحلة مع فرقته الكشفية. وبعد عام، كان لدى تينا سبب للاعتقاد بأن الحادث لم يحصل كما تمّ زعمه، وأن ابنها حيّ، ومحتجز ضد إرادته، وهو في أمس الحاجة إليها”، وفقا لما كتبه كونتز عام 2010 عن الرواية. “رحلة مرعبة تقود الأم من الأضواء الساطعة في لاس فيغاس إلى الظلال الباردة في مرتفعات سييرا، حيث تكتشف سرًا رهيبًا”، وفقا لمختصر عن الكتاب. 2-ماذا تقول الرواية عن فيروس ووهان- 400؟ يتبين من قراءة الكتاب، ان Wuhan-400/ ووهان- 400 سلاح بيولوجي جديد تم تطويره خلال عقد من الزمن. يسمّى ووهان- 400، لأنه تمّ تطويره في مختبرات RDNA الخاصة (بالصينيين) خارج مدينة ووهان. وهو السلالة ال400 من الكائنات الحية المجهرية قابلة للحياة من صنع البشر، والتي تمّ صنعها في مركز الابحاث هذا. ووهان- 400 لا يصيب سوى البشر. واي كائن حي آخر لا يمكن ان يحمله. على غرار مرض الزهري، لا يمكن ووهان- 400 ان يعيش خارج جسم الإنسان أكثر من دقيقة. وهذا يعني أنه لا يمكن ان يلوث في شكل دائم الأشياء أو أماكن بأكملها، كما يحصل مع الجمرة الخبيثة (الانتراكس) وغيرها من الكائنات الحية المجهرية الفتاكة. مع وفاة المضيف، يموت ووهان- 400 الذي كان في داخله بعد فترة قصيرة، بمجرد انخفاض درجة حرارة الجثة أكثر من 86 درجة فهرنهايت. معدل الوفيات من جراء ووهان- 400 هو مئة في المئة. ومن المفترض الا يبقى أحد على قيد الحياة بعد الاصابة به. 3- استنتاج أوّل يدحض الكلام على تنبؤ كونتز بانتشار فيروس في العالم، انطلاقا من ووهان، وذلك بإجراء مقارنة ببين فيروس كورونا المستجدّ كوفيد- 19، وفيروس ووهان- 400 في الرواية. وفي النتيجة، لا تشابه بين الاثنين: *بخلاف ووهان- 400 الذي تم تصميمه في مختبر “خارج ووهان”، فإن فيروس كوفيد-19 ليس من صنع البشر او صُمِّم في مختبر. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن أستاذ البيولوجيا الكيميائية في جامعة روتجرز Rutgers ريتشارد إبرايت Richard Ebright، إنه “لا يوجد شيء على الإطلاق في تسلسل الجينوم لهذا الفيروس ما يشير إلى أن الفيروس تم تصميمه” (في مختبر). واضاف: “احتمال أن يكون هذا الفيروس سلاحًا بيولوجيًا أُطلق عمداً، مستبعد في شكل يقين”. وفقا للمعطيات، ظهر فيروس كورونا المستجدّ، للمرة الأولى، في سوق محلية للأسماك والحيوانات البحرية في ووهان الصينية (هنا، هنا). ورجّحت السلطات الصينية أن “هذا الفيروس ينتمي إلى عائلة فيروسات كورونا، وهي عائلة من الفيروسات تتكون من ستة أنماط تنتقل عدواها بين البشر حتى الآن. وبانضمام الفيروس الجديد يصبح عددها سبعة” (هنا). ونقل موقع “بي بي سي” عن جوناثان بول، أستاذ الفيروسات بجامعة نوتنغهام: “إذا نظرنا على انتشار الفيروسات في الماضي، وإذا كان هذا عضو جديد في عائلة فيروسات كورونا، فيُرجح أن يكون قد انتقل من حيوان حامل للفيروس”. *بخلاف ووهان- 400 الذي تبلغ معدل الوفيات من جرائه مئة في المئة، فإن “بحاثة يعتقدون حالياً أنّ بين 5 و40 حالة من كل 1000 إصابة بفيروس كورونا ستنتهي بالوفاة، وأن أفضل تخمين لمعدل الوفاة هو موت 9 أشخاص من كل 1000 إصابة، أو نحو 1 في المئة منها”، وفقا لتقرير نشره موقع “بي بي سي” (1 آذار 2020). وفي وقت قدّرت تقارير اخرى معدل الوفاة بأنها 2,2% (هنا)، أو 2,3% (هنا)، اقترحت مقالة نشرها موقع The New England Journal of Medecine في 28 شباط 2020، ووقّعها ثلاثة علماء، ابرزهم مدير المعهد الوطني الأمراض المعدية والحساسية في الولاياتالمتحدة الدكتور انتوني فوسي Anthony S. Fauci، ان “معدل الوفيات قد ينخفض الى نحو 1%”. *بخلاف ووهان- 400 الذي لا يمكن ان يعيش خارج جسم الإنسان أكثر من دقيقة، فإن ما لدينا عن فيروس كوفيد، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، هو انه “لا يُعرف على وجه اليقين فترة بقائه حياً على الأسطح. لكن يبدو أنه يشبه في ذلك سائر فيروسات كورونا. وتشير الدراسات إلى أن فيروسات كورونا (بما في ذلك المعلومات الأولية عن الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19) قد تبقى حية على الأسطح لبضع ساعات أو لأيام عدة. وقد يختلف ذلك باختلاف الظروف (مثل نوع السطح ودرجة الحرارة أو الرطوبة البيئية)”. بالنسبة الى “فترة حضانة” الفيروس، فإنها تراوح بين يوم واحد و14 يوماً، وعادة ما تستمر خمسة أيام، وفقا للمنظمة. 4-عامل حاسم آخر يبدّد الآمال ان راوية كونتز تنبؤ حقيقي لانتشار فيروس انطلاقا من ووهان. والدليل هو الطبعة الاولى للرواية الصادرة عام 1981، اي قبل 39 عاما، اذ يتبين ان “الروائي اعتمد فيها تسمية غوركي- 400/ Gorki-400، نسبة الى مدينة غوركي الروسية”. لكنه “استبدل” في طبعات لاحقة هذه التسمية بووهان- 400، على ما توصل اليه موقع Snopes المتخصص بتقصي صحة الاخبار. ما الذي دفع كونتز الى اعتماد تسمية أخرى للفيروس؟ في تحليل نشره موقع “ساوث شينا مورنينغ بوست” (هنا)، جاء تغيير الاسم من غوركي-400 الى ووهان-400 عند اعادة إصدار طبعة جديدة من الكتاب عام 1989. هذا التاريخ “مهم”، وفقا للمصدر، اذ ان “عام 1989 شهد نهاية الحرب الباردة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تعد روسيا شيوعية”. في ظل هذه التغييرات، أيقن المؤلف الاميركي ان “القاء اللوم على روسيا لم يعد يتماشى مع التطورات السياسية العالمية، وان كتابه عيون الظلام بات يحتاج الى شرير جديد”، وفقا للموقع. والصين كانت الاختيار الأفضل لهذا الدور يومذاك، نظرا الى انه يتماشى مع تنامي مخاوف أميركية من تهديد صيني آت من شرق آسيا…