ليس دفاعاً عن ترمب، إنما أثبت الحزب الديمقراطي أنه دون جائحة «كورونا»، ودون حادثة فلويد، لم يتمكن من هزيمة ترمب الذي ثبت أنه يتمتع بشعبية كبيرة، فقد نجح في التقليل من نسبة البطالة، وزيادة النمو الاقتصادي. فشل الحزب الديمقراطي حتى بعد أن سلَّط إعلامه عليه، ولم ينجح حتى بعد أن اتهمه بالخيانة، وبكل ما يمكن أن يلصق من الجرائم، ولم يجد مرشحاً بإمكانه أن يهزمه، وحين أقر بالفشل جاءت «كورونا»، فاستغلها أخبث استغلال، وحين كاد ينجح ترمب بتخطيها، جاءت حادثة الشرطي، فركبها الحزب، وأخرج ملف «الفوضى الخلاقة» من أدراجه، وطبق التعليمات بالنص! ليس النظام الذي ورث القضية العنصرية وإرثها سبباً في تضخم الأحداث، وليس فشل ترمب في احتواء الأزمة فقط مسؤولاً عنها فقط، بل هي عناصر متضافرة، يأتي على رأسها «الفوضى الخلاقة» التي وظفت الحادثة، واستخدمت المسطرة التي استخدموها لإسقاط أنظمة عربية وأوروبية. المدرسة ذاتها التي تبدأ باستغلال الشرارة، التحشيد، الفوضى، فسقوط النظام، ما يهمهم الآن هو سقوط ترمب بأي ثمن، حتى لو احترق البلد، هو المنطق ذاته الذي استخدم في «ربيعنا» الذي حركوه. الأدوات ذاتها: وسائل إعلام، وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال المؤثرين، هو السيناريو ذاته بالنص وبالحرف لما سمي «الربيع العربي»، إنهم يستخدمونه الآن في عقر دارهم، ويظنون أن الأمر سينتهي بسقوط ترمب! المظاهرات والمسيرات والنداءات هي ذاتها، بل المفارقة أن الداعمين والمشجعين لسقوط أنظمتنا نزلوا الميدان الأميركي، فتجد من يدعم إيران بينهم، ومن يدعم «الإخوان»، وستجد من القوميين ومن اليساريين، ومن تقف وراءه الصين وروسيا، كلهم نزلوا الميدان، باختصار خصوم ترمب السياسيون اتحدوا وركبوا موجة فلويد، وهو لا يعنيهم بشيء، فالثقافة العنصرية ثقافة تراكمية، وتعديات الشرطة ليست جديدة، ولكن تضافر كل الأدوات الآن في استغلال هذه الحادثة وتوظيفها لخدمة أغراض سياسية. اللعبة الإعلامية وتوظيفها بدأت منذ تعرض المسكين فلويد إلى ما تعرض له، ثم تحشيد، وإخفاء ما لا يريدون، وإبراز ما يودون، والاستعانة بمحللين تم انتقاؤهم بالفرازة، غلق الباب أمام الرأي الآخر، إخفاء صور الفوضى والنهب والتقليل منها، عدم إبراز صور السود المعترضين على هذه الفوضى أو المتضررين منها، مثل الشرطي الأسود الذي قتل سحلاً. هؤلاء لن ينالوا قسطاً من الإعلام، بل إظهار بالقدر القليل إبراء للذمة، والتركيز على قوة الحشود وهيبتها وعلى انتصاراتها، الدفع بمزيد منهم والتركيز على من يحسن الحديث، ويجيد التجييش منهم، وإبراز صورة السلطة الشيطانية القبيحة القمعية المتسلطة، أي كل ما يخدم المزيد من «الفوضى»، حتى شعار «باقون حتى يسقط النظام» رفعوه! من المفارقة أن المحتجين على الظلم هم الذين سرقوا ونهبوا وعاثوا في الأرض فساداً، وضربوا رجال الشرطة، وأحرقوا الممتلكات باسم الاحتجاج والاعتراض. من المفارقة أن مؤيدهم ومبرري فوضاهم هم من السياسيين الأميركيين المناهضين للإدارة، الذين يريدون أن يصعدوا على أطلال الفوضى، وعلى قهر المظلومين، وعلى الخراب، فيجدون لهم المبرر. من المفارقة أن وجوهاً كالحة فشلت في البحرين، وفشلت في مصر، من صنائعهم وربائبهم، تسير في مسيراتهم، طبعاً فترمب هو من أوقف عجلتهم وقطع أرزاقهم. من المفارقة أن الدولة التي تقيم الدول الأخرى، وتعطيهم دروساً في الحقوق الإنسانية لم تنجح حتى الآن في محو ظلال العبودية حتى بعد تخريج أجيال وأجيال ولدوا وعاشوا بعد تغير النظم والقوانين، وكأن العنصرية تولد بالجينات. المتباكون على ما آلت إليه الأمور، أمثال توماس فريدمان، يلقي بكل اللائمة على ترمب، رغم أن الديمقراطيين كانوا في السلطة لثماني سنوات سابقة فماذا قدموا؟ لا من أجل فلويد، وليست ثورة، ولا من أجل الحريات، ومن خرج للشارع لا يد لهم في سير الأحداث، ولن يرسموا النهاية، هم جموع تساق ولا يعلمون إلى أين سيقودهم خط السير. الآلاف، وربما الملايين في الشارع لهم مطالب، وبهم غضب، ولكنهم لا يعلمون أنَّ بينهم من يحشد ويحرض على الفوضى، ثم سيصعد على أكتافهم من يجلس الآن في «الكونترول روم»، أي غرفة التحكم في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي… فإن سقط ترمب بهذا السيناريو، هل يظنون أنها نهاية لفوضاهم، أم إنها بداية للنهاية، مع الأخذ في الاعتبار أن الولاياتالمتحدة ليست العراق أو ليبيا، لكن السقوط بهذه الطريقة – إن حدث – فإنها سابقة لن تمر بسلام، والسؤال الآن هل إسقاط ترمب هو الهدف أم إسقاط النظام؟! الشرق الأوسط