في حر سجن جلبوع القاتل حيث درجات الحرارة والرطوبة المميتة في أواخر أغسطس حيث نشعر بحالة من الضجر تصل لحدود القرف القصوى، فنتجمع في زاوية من زوايا السجن تلافياً لضربات الشمس ولدرجات الحرارة المرتفعة نتجاذب أطراف الحديث مستذكرين أحداثاً أليمة مرت علينا عبر مسيرة السنوات الطويلة التي تنقلنا فيها في معظم سجون الاحتلال وعندما تكون الجلسة فيها عديد الأسرى الذين تراكمت سنوات اعتقالهم بما يفوق المئات من السنوات نستذكر سوياً كثيراً من المواقف التي عايشناها مراراُ وتكراراً، فهذا أسير يستذكر قمعة سجن جلبوع في العام 2004. حيث قام أحد الأسرى بالهجوم على أحد ضباط السجن كرد على اعتداء سابق من قبل هذا الضابط، مما دفع إدارة السجن لأن تحضر قوة كبيرة من شرطتها وتقوم بالهجوم على الأسرى داخل القسم حيث قامت برش القسم بالغاز الخانق وبعدما تأكدت الإدارة من عدم قدرة الأسرى على المقاومة قامت بإخراجهم لساحة السجن وتم تقيدهم للخلف وإلقائهم في الساحة من ساعات الصباح حتى ساعات الليل المتأخرة تحت حرارة الشمس الحارقة وفي درجات حرارة قاتلة، والأمر من هذا كله أن طبيعة الغاز الذي رش به الأسرى يلتصق بأجسادهم مع العرق، في هذه الحالة يبدأ هذا الغاز بحرق الجلد حتى يصبح جسد الأسير كأنه تعرض لحريق كبير، وأحياناً يبدأ جلده بالتساقط وذلك دون أي علاج أو رعاية طبية، الأقسى من ذلك كله أن يبقى الأسرى لأكثر من عشرين يوماً داخل غرف مغلقة دون أي أدوات أو أجهزة كهربائية أو حتى مراوح في ظل الحرارة المرتفعة، وعندما يحتج أحد الأسرى على هذا الوضع الذي لا يطاق تقوم إدارة السجن بالهجوم مرة أخرى على القسم وتقوم برش الأسرى بالغاز في حدث لا مثيل ولا وصف لبشاعته وقساوته، حيث يستذكر هذا الأسير كيف كانت الحالة المزرية التي عاشها أكثر من مئة وعشرين أسيراً لأشهر عديدة داخل هذا القسم. يستذكر آخر لحظة إعلان الأسرى الإضراب المفتوح عن الطعام في العام 2017 حينما قامت إدارة سجون الاحتلال بعزل مجموعة من الأسرى المضربين عن الطعام في قسم معزول مغلق منذ عشر سنوات داخل سجن شطة الإسرائيلي وعندما دخل الأسرى للقسم تفاجئوا بأن هذا القسم غير قابل للحياة وهو غير صالح للإقامة الآدمية، وعندما تم إدخالهم لغرف القسم كانت الصدمة المدوية التي لا تحتمل حيث وجدوا هذه الغرف مليئة بالحشرات والقوارض والعناكب ولا يوجد فيها أي نوع من أنواع مواد التنظيف أو أدواته وبقوا أياماً طويلة يطالبون بإحضارها دون جدوى، وعندما يئسوا من المطالبة وهم في حالة إرهاق شديد نتيجة الإضراب المستمر والنقل المتواصل استسلموا للأمر الواقع حيث كانت لياليهم أقل ما يقال عنها بأنها حالكة السواد مليئة بالمفاجآت فقد هاجمتهم الحشرات واستيقظوا مئات المرات بعد تعرضهم جميعاً لكل أنواع اللدغ فقد كانت آثار ذلك واضحة على وجهوهم وأجسادهم وأطرافهم. وفي ذاكرة أحد الأخوة يحضر مشهد نقل من سجن شطة إلى سجن جلبوع حيث تم إدخال الأسرى إلى قسم غير مسكون وكان هذا القسم مليء بحشرة تسمى البق التي تمتص الدماء وبعد ليله طويلة وقاسية استيقظ الأسرى صباحاً وإذا بأجسادهم منتفخة، فهذا يعاني من لدغ بالعيون والوجه وهذا يعاني من لدغات عديدة في الأطراف وذاك يعاني من لدغات في البطن والظهر والقدمين فقد كانت حالتهم مأساوية ويرثى لها.هذه الأحداث التي يستذكرها مجموعة من الأسرى القدامى بألم شديد تختزنها ذاكرتهم وتفيض بها كلما تكررت أحداث متشابه لها وكلما دارت الأيام وتعاقبت مآسيها التي لا تتوقف فالأسر مجموعة متواصلة من الأحداث المأساوية التي يضاعف أحدها الآخر في سباق محموم على نفسية وروح الأسرى الفلسطينيين الذين ما زالوا يرابطون خلف مبادئهم ثابتين على مواقفهم مدافعين عن حقوق شعبهم بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.