د. خالد أبو قوطة: أستاذ ورئيس قسم الإعلام بكلية فلسطين التقنية مقدمة: فرضت قضايا الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال على وسائل الإعلام العربية والأجنبية المختلفة ضرورة الاهتمام بها؛ لما تبعها من فعاليات يقودها الأسرى أنفسهم في سجون الاحتلال من جهة، وفعاليات جماهيرية في جميع المحافظاتالفلسطينية تأييداً ودعماً لصمودهم من جهة أخرى، حيث تُشَكِّل قضايا الأسرى الفلسطينيين مواد إخبارية هامة تقدمها وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والأجنبية للعرض والتحليل والمناقشة، لذا سعت هذه الورقة العلمية إلى رصد وتحليل خصائص وسمات المعالجة الإعلامية لقضايا الأسرى في الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي، وتحديد الدور الذي تؤديه في إمداد الجمهور الفلسطيني بالمعرفة نحو هذه القضايا. أولاً- حجم الاهتمام بتناول وتقديم قضايا الأسرى. اتضح أن وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والأجنبية لم تعطِ اهتماماً كبيراً لأخبار الأسرى الفلسطينيين وقضاياهم بشكل عام، مع تفاوت نسب الاهتمام بينها، فالإعلام الفلسطيني والعربي اهتم إلى حد ما بتقديم قضايا الأسرى الفلسطينيين خلال الفترات التي خاض فيها الأسرى إضراباً مفتوحاً عن الطعام اعتراضاً على سياسة الاعتقال الإداري والمطالبة بتحسين ظروفهم الحياتية داخل السجون. في حين انخفضت أخبار الأسرى بشكل كبير في الإعلام الفلسطيني والعربي بعد انتهاء الإضراب، فالاهتمام موسمي وروتيني في معظم الحالات. كما أن الإعلام الفلسطيني والعربي ينشط في حالة الإعلان عن أنشطة أحد المؤسسات والمراكز المهتمة بقضايا الأسرى، لتصبح أخبار الأسرى في مجملها أخبار علاقات عامة بالدرجة الأولى، لأن قضايا الأسرى وما صاحبها من نشاطات شعبية فرضت نفسها على الإعلام الفلسطيني والعربي فقط دون الإعلام الأجنبي. فكان هذا الاهتمام نابعاً من حجم المشكلة وليس من اهتمام الإعلام بمعالجة قضايا الأسرى وفق سياسة إعلامية مدروسة واستراتيجية محددة وأهميه توليها لمعالجة هذه القضايا، إضافة إلى وجود تباين في المعالجة على مستوى عدد الأخبار أو المساحة الزمنية المُفردَة لها أو تقديمها في مقدمة النشرة أو ذكرها في موجز النشرة على سبيل المثال. وإنصافاً للحق دعوني أستثني إعلام دولة الجزائر الشقيقة الذي تميز وانفرد دون سواه على المستوى العربي والدولي في تناول قضايا الأسرى وفق خطة وسياسة إعلامية من حيث الحجم والمحتوى والاستمرارية، فأخذت الصحف ووسائل الإعلام المختلفة تُعِد التقارير المختلفة التي تفضح جرائم المحتل بحق الأسرى الفلسطينيين، حيث انها تمنح هذه القضايا أكثر من 26 صفحة في الجرائد والصحف اليومية (الأسبوع الماضي فقط خلال خمسة أيام تم نشر 230 صفحة في عدة عناوين) إضافة إلى الملاحق الخاصة الصادرة عن هذه الصحف المتمثلة في صحيفة: الشروق, الحوار, الوسط, البلاد, المواطن, الإخبارية, التحرير, السلام, المغرب الأوسط , الاتحاد, الرائد, الراية, أخبار اليوم , الجديد اليومي, أخبار الوطن, أخبار اليوم, صوت الاحرار, الصوت الآخر, المسار, الموعد, اللقاء, المشوار السياسي وصحف أخرى، وهى صحف يومية تفسح مساحات مهمة يومياً لمتابعة الاخبار والتقارير والمقالات والدراسات التي تتعلق بالأسرى الفلسطينيين، وبتاريخ 25/ سبتمبر الماضي تم تغيير شعار جريدة الوسيط المغاربي الجزائرية من صحيفة تهتم بالشؤون الوطنية والمغاربية إلى شعار جريدة تهتم بالشؤون الوطنية والفلسطينية. هذا إلى جانب القنوات الفضائية الجزائرية الحكومية والخاصة والإذاعات المحلية التي تفرد مساحات زمنية واسعة بجانب المواقع الالكترونية المتعددة والمتنوعة لتناول وعرض هذه القضايا المختلفة، ويتم ذلك كله بالتنسيق مع الأخ خالد صالح مسؤول ملف الأسرى في سفارة فلسطين بدولة الجزائر, هذا الجندي المجهول الذي يقف خلف هذا الاهتمام وهذا العطاء المستمر ويعد حلقة الربط والتنسيق بين الكتاب والإعلاميين الفلسطينيين والمؤسسات والهيئات ذات العلاقة بقضايا الأسرى وبين هذه الوسائل الإعلامية الجزائرية سابقة الذكر. ومن هنا ادعوا القيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" ووزير الخارجية رياض المالكي السعي إلى تعميم هذا النموذج وتلك التجربة على باقي السفارات الفلسطينية في الدول العربية والأجنبية للربط بين اعلام هذه الدول وبين الكتاب والإعلاميين الفلسطينيين، ليتم تناول القضايا الفلسطينية وفق استراتيجية إعلامية فلسطينية موحدة تهدف بشكل أساسي إلى كشف حقيقة الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى الظهور في دور الضحية ويتغنى بالإنسانية من خلال خطابه الدعائي باللغة العربية والأجنبية، والعمل المتواصل لفضح الممارسات الإسرائيلية ضد الأسرى في المحافل الدولية، وتطوير آليات الوصول والانتشار والاستفادة من أدوات الإعلام الجديد لإبراز قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ثانياً- أنواع قضايا الأسرى التي قدمها الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي: * تناول الإعلام الفلسطيني والعربي جميع أنواع قضايا الأسرى، وقد جاءت الأحداث والقضايا الاجتماعية والنفسية في مقدمة تلك القضايا، يليها القضايا الأمنية، ثم القضايا السياسية، ثم القضايا العسكرية، وأخيراً القضايا الاقتصادية. * أما الإعلام الأجنبي فلم يتناول قضايا الأسرى الإنسانية والأمنية والسياسية والاقتصادية مطلقاً، وإنما ركَّز على القضايا العسكرية وكأنها تعمل على إقصاء الانتباه عن جوهر هذه القضايا، فلم يقدم معاناة الأسرى من داخل السجون أو معاناة ذويهم والذي يمكنه إضفاء معانٍ وبعد إنساني لقضاياهم. ومن الملاحظ أن قضايا الأسرى وموضوعاتهم كانت تبرز في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية وتنتهي بانتهاء الحدث، فقضية إضراب الأسرى عن الطعام واستمرارها لمدة طويلة وازدياد الاهتمام الإعلامي بها من قبل الإعلام العربي إلا أنه لم يتم التطرق لها مرة أخرى بعد تعليق الأسرى لإضرابهم، وكذلك إعلام غزة يركز على أسرى غزة في الغالب وهكذا بالنسبة لإعلام الضفة، أما على مستوى التنظيمات الفلسطينية الوطنية والإسلامية فكل تنظيم يهتم بعرض قضايا أسرى تنظيمه فقط، لذا فهي لا ترتقي إلى مستوى تضحيات الأسرى أنفسهم، كما أن هناك غياب للحملات الإعلامية التي من شأنها أن تنقل معاناة الأسرى كقضايا إنسانية بالدرجة الأولى. ثالثاً- تنوعت المعالجة الاعلامية لقضايا الأسرى بشكل واضح بين الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي من حيث: * قدم الإعلام الفلسطيني والعربي أكبر عدد من أخبار الأسرى التي تعرض القضية من جانب واحد تمثل في الجانب الفلسطيني. في حين ركز الإعلام الأجنبي على أكبر عدد من الأخبار التي تعرض القضية من جانبين تمثلت في وجهة النظر "الفلسطينية / الدولية" ووجهة النظر "الفلسطينية / الإسرائيلية". فيوجد تقارب بين الإعلام الفلسطيني والإعلام العربي في عرض قضايا الأسرى من وجهة النظر الفلسطينية رغم الاختلاف الواضح بينهما في طرح القضية فكل وسيلة إعلامية تركز على عرض القضية من وجهة نظر السلطة أو التنظيم أو الحزب الذي تنتمي إليه أو تؤيده. * قدم الاعلام العربي والأجنبي أكبر عدد من أخبار الأسرى التي تعرض المشكلة وأسبابها فقط، في حين قدم الإعلام الفلسطيني أكبر عدد من الأخبار التي تعرض لإحصائيات ذات علاقة بقضايا الأسرى بهدف إظهار حجم معاناتهم، ولكن ينتج عنها سلبيات تتمثل في التعود عليها وإحداث تأثيرات عكسية غير مرغوبة لدى الجمهور الفلسطيني، فيصبح لديهم لامبالاة وشعور باليأس من حل قضية الأسرى أو التخفيف من معاناتهم، كما أنها تجسد قضيتهم في أرقام يتم تناولها عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ مما يفقدهم آدميتهم ويتساوق ذلك دون قصد مع أهداف سلطات الاحتلال في تحويل قضيتهم إلى مجرد أرقام. 4- قدم الإعلام الفلسطيني وعلى رأسه المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي أكبر عدد من الأخبار التي تحدد الدور المطلوب من المجتمع الدولي لخدمة قضية الأسرى وتجاوز سلبيتهم اتجاهها، والضغط على إسرائيل للإفراج عنهم، وتمثل ذلك في مجموعة من المناشدات للمؤسسات والهيئات الدولية بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من معاناة الأسرى وذويهم والمطالبة بالإفراج عنهم، في حين قدم الإعلام العربي والأجنبي أكبر عدد من الأخبار التي لم تحدد الدور المطلوب لخدمة قضية الأسرى. 5- اشتملت التغطية الإخبارية في الإعلام الفلسطيني والعربي على شخصيات محورية، وكانت الشخصيات الفلسطينية في مقدمتها، واحتلت الشخصيات الأجنبية الترتيب الثاني ثم الشخصيات الإسرائيلية وأخيراً الشخصيات العربية الرسمية وغير الرسمية، في حين أنَّ الإعلام الأجنبي اعتمد بشكل كامل على المواطنين الفلسطينيين كشخصيات محورية. 6- اعتمد الإعلام الفلسطيني والعربي والأجنبي بشكل كبير على المصادر الإعلامية الإسرائيلية في تناولها لقضايا الأسرى، حيث نقلت عن صحيفتي هآرتس ويدعوت أحرنوت، والقناتين السابعة والثانية، والإذاعات الإسرائيلية، فنقلت عنها قرارات الكنيست الإسرائيلي، وتصريحات القيادات الإسرائيلية، وبيان نقابة الأطباء الإسرائيلية، وصور الأسرى المضربين عن الطعام المتواجدين في المستشفيات الإسرائيلية؛ ويدلل ذلك على عدم تغطية وكالات الأنباء الأجنبية العالمية لهذه القضايا الناتج عن عدم اهتمامها بها. المقترحات والتوصيات. أولاً: حث وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والرقمية الفلسطينية والعربية تخصيص نشرات إخبارية يومية ثابتة وكذلك إفراد صفحات في الصحف المحلية لمختلف قضايا الأسرى الفلسطينيين وذويهم مثلما فعلت وسائل الإعلام الجزائرية، بحيث تتناول قضاياهم من منظور إنساني دون مبالغة، فالإعلام الفلسطيني أحوج ما يكون لأن يؤدي دوره بمهنية وشفافية ومسؤولية، إدراكاً منه واستحقاقاً لحساسية المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة. ثانياً: يجب على السلطة الوطنية والحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية العمل على تدشين وسائل إعلامية متنوعة تختص بشؤون الأسرى الفلسطينيين وقضاياهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي على كافة المستويات الحكومية والحزبية والخاصة، بهدف تسليط الضوء عليها لتبقى على سلم أولويات الجمهور الفلسطيني والعربي والأجنبي، بحيث تضع الجميع أمام مسؤولياته وواجباته تجاهها بما يوازي حجم الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الأسرى في سجون الاحتلال. ثالثاً: حث الكادر الإعلامي الفلسطيني والعربي والأجنبي على الاهتمام بقضايا الأسرى والعمل على تفعيلها وتطوير تغطيتهم الإعلامية لها، فمن المفترض على الجانب الإعلامي الذي يتناول قضايا الأسرى أن يكون على قدر من المهنية والكفاءة العالية، وتتوافر لديه الخبرة والمهارة المتخصصة في إيصال صوت الأسرى الفلسطينيين للمجتمع العربي والدولي وجذب الأنظار إلى قضاياهم العادلة. رابعاً: إيجاد استراتيجية إعلامية فلسطينية وعربية تهدف إلى تدويل قضايا الأسرى الفلسطينيين، واستنهاض همم المجتمع العربي والدولي، والعمل المتواصل لفضح الممارسات الإسرائيلية في المحافل الدولية، وتطوير آليات الوصول والانتشار والاستفادة من السفارات والبعثات الفلسطينية وأدوات الإعلام الجديد لإبراز قضاياهم. خامساً: على النقابات وسائل الإعلام الفلسطينية بالتعاون مع وزارة الثقافة ووزارة الخارجية والمؤسسات والجهات ذات العلاقة بقضايا الأسرى العمل على إنشاء مرصد إعلامي فلسطيني بجميع اللغات تتوحد فيه إحصائيات متعلقة بالأسرى تتضمن كافة المعلومات التفصيلية عنهم وعن ظروف اعتقالهم في السجون الإسرائيلية، والعمل على توحيد جميع المؤسسات والجمعيات الفلسطينية والعربية والأجنبية المهتمة بقضاياهم في جسم واحد.