د ماهر جبر، قسم القانون بكلية العمارة الجامعة بالعراق يقول المقريزي في خُطَطه واصفاً دمياط بقوله (دمياط أسوارها حلوى، وكلابها غنم)، وإنما يعني المقريزي بذلك أن دمياط كانت في ذلك الوقت أسوارها حلوى أي شوارعها وطرقاتها، وقصورها، وأسوارها مزروعة بأشجار الفاكهة والورود، وكلابها غنم، أي أنه مكان الكلاب الضالة التي تسير في الشوارع، أغنام كثيرة وكأنها من كثرتها لا صاحب ولا مالك لها، فأي جمال وأي رقي هذا، فما بال الناظر إليها من بعيد، وهو قادم عليها، وكأنه ينظر الى قطعة من جنة الله إقتطعت وزرعت في هذا المكان من أرضه، وما بال دمياط الآن، وهل مازالت كما وصفها المقريزي؟. الواقع ينافي ذلك تماماً، فنحن الأمة الوحيدة في العالم التي تملك ماض أفضل من الحاضر، بل نحن الأمة الوحيدة التي تحارب الجمال، ألم تقطع هذه الأشجار بأمر، كما تقطع أشجار الكافور العتيقة الممتدة بطول نهرنا العظيم، وفي قلب القاهرة، ليحل محل هذا الجمال، قبح المباني الخرسانية والتي تفتقد وتخلو من أي مظهر حتى لجمال المباني، ألم يتم ذلك بقرار وبأمر أياً كان مُصدره، ألم يكن أجدادنا بناة حضارة عظيمة حارت الدنيا في عبقرية من صنعوها، أليس أجدادنا بناة الأهرامات التي لم يعرف أحد في العالم بأسره وحتى اليوم كيف تم تشييد هذه الصروح العظيمة، ثم يأتي أحفاد هؤلاء اليوم لتسقط المباني، وتغرق الكباري التي يشيدونها في لحظة بناؤها، نعم نحن الأمة الوحيدة في العالم التي تهيل التراب على كل ما هو جميل ورائع، أياً كانت حضارة، أو رموز من البشر. على كل الأحوال فإن ما أريد الحديث فيه اليوم هو إقتراح أحسبه هاماً، ويحيل مصر كلها إلى جنة خضراء، كما يجعلنا على الأقل نكتفي ذاتياً من كل أنواع الفاكهة، والأخشاب إن لم نُصدر أغلبها، ماذا لو تم زراعة كل شواطئنا من الجانبين بأشجار الفاكهة، والورود، والأشجار المنتجة للأخشاب أيضاً، ماذا لو زرع كل منا أمام منزلة شجرة أو إثنتين من أشجار الفاكهة، وأشجار الورد في تنسيق بين ساكني كل شارع، ولنسرح بخيالنا لنرى جمال هذا المشهد قبل أن تبدعه يد الخالق، لتبرز لنا جمال وعظمة صنعه، ولنهتف جميعاً حين يصبح واقعاً وفي آن واحد، تبارك الله أحسن الخالقين، وليكن ذلك بجهود ذاتية، أو بتحفيز ومساعدة من الدولة، ماذا لو كانت كل المسافات والطرق بين المدن، سواء كانت زراعية، أو صحراوية، مزروعة من الجانبين وفي الحارات الوسطى بأشجار الفاكهة والنخيل والورود، بدلاً من زراعتها بأشجار ونخيل الزينة، لا نقترح القضاء على هذه الأشجار، لكن نستبدل جزء منها بتلك الأشجار المثمرة، ماذا لو كانت كل الهيئات والمؤسسات العامة والحكومية من مدارس، وجامعات ومستشفيات، وحدائق عامة، مزروعة بتلك النباتات المثمرة، والورود الرائعة المنظر، والذكية الرائحة، ألا نساهم بذلك في تنمية الذوق العام، ونربي جيلاً جديداً على الرقي والتحضر، ناهيك عما ينتج من مساعدة هذه النباتات على نقاء الجو وصفاءه. ما أتحدث عنه ليس فكرة وليدة اللحظة، وإنما ورثنا كل مؤسساتنا الحكومية مزروعة بالكثير من هذه النباتات، كل ما أوده أن يتم استبدال أغلبها بتلك النباتات المثمرة، ولا يخرج من يقول إن ذلك مخالف للقانون كما يحدث في الهيئات والمؤسسات الحكومية، بدعوى ضرورة تسجيل ذلك في دفاتر خاصة، وهذه التعقيدات التي عفا عليها الزمن، فليتم تغيير هذه اللوائح بما يسمح أن يتم إدارة هذه الأماكن من قبل شخص في كل مؤسسة، وأن يكون إنتاج كل مكان للعاملين فيه، أيضيرنا ذلك في شيئ، فليكن المعلم المختص بالمواد الزراعية مثلاً في المدرسة مسئولاً عن ذلك، ليحيل ما يتم تعليمه نظرياً للتلاميذ إلى واقع وحقيقة، ولا يخرج علينا أيضاً من يقول إن هذه الحدائق والأماكن العامة سيتم الإعتداء فيها على ثمار هذه النباتات، فليكن ذلك، ألا نجعل على الأقل بذلك ثمن هذه الثمار منخفض في الأسواق، مع العلم بأن ذلك قد يحدث في البداية إلا أنه مع الوقت سيصبح أمراً عادياً ولن يعتدي عليها أحد، الأهم أن يتم كل ذلك في إطار خطة وبرنامج عمل تقوم به الدولة، وأن تقوم كل وسائل الإعلام بالتوعية في ذلك، أي أن يصبح هذا مشروع دولة، وأن تتكاتف كل الهيئات والمؤسسات والجهود الذاتية للمواطنين، قد يكلف ذلك كثيراً في بدايته، لكن عائده بعد ذلك سيكون عظيماً، وأخيراً فلنقتدي بقوله صلى الله عليه وسلم، لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فلو إستطاع أن يغرسها، فليغرسها، وأظن أنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك الأشجار الأكثر فائدة من باب أولى، أي المنتجة للثمار، وإلا لما عظم من أمر النخلة، وقال عنها إنها شجرة كل ما فيها خير، وما كانت وصيته للجنود في أي غزوة أو معركة إلا أن يشدد عليهم ألا يقطعوا شجرة.