لطالما ساد الاعتقاد أن الاقتصاد الجزائري لن تقوم له قائمة بعد الاستقلال مباشرة، إثر مغادرة الإطارات التي كانت تدير أخصب الأراضي، وأقوى المؤسسات، وأن البلاد ستغرق في الفوضى غير أنه سرعان ما كان رد الجزائريين قويا حينما شمروا على سواعدهم للمشاركة في معركة البناء، وإعادة إحياء الأراضي الفلاحية التي تحولت إلى بور رغم قلة الوسائل ونقص التجربة، فحرب ال7 سنوات، لم تتح الفرصة لتعلم تقنيات الزراعة ولا طريقة التسيير، ومع ذلك حاولوا وإن كانت معدلات الإنتاج متذبذبة نتيجة عوامل طبيعية وأخرى مادية، أو نتيجة ضعف السياسات المسطرة في هذا المجال، عملت السلطات العمومية على استدراك ذلك بعد الثمانينات، وعززت القطاع أكثر في أواخر التسعينات إلى غاية اليوم ببرامج تنمية واسعة للقطاع، وانعكست كل تلك المجهودات في وفرة المنتوجات القادمة من النشاط الفلاحي من مختلف مناطق الوطن بما فيها الأراضي الصحراوية والسهبية، بعد أن ظل النشاط محصورا لسنوات بسهول متيجة، لكن هذا لم يمنع من ظهور بعض النقائص وعراقيل باتت تقف عائقا أمام تطوير النشاط الزراعي وأهمها غياب هياكل ومرافق كمصانع التحويل ترافق الفلاح وتحمي منتوجه أثناء الوفرة، لتشجعه على توسيع رقعة المساحات المزروعة بدل تقليصها، حتى لا ينعكس هذا سلبا على الأسعار، ويضطر المواطن لدفع ضريبة تراجع الإنتاج، كما أن الإسراع في مكننة القطاع أمر بات لا مفر منه في ظل نقص اليد العاملة، ناهيك عن ضرورة القيام بدراسات لاكتشاف مواقع للمياه ووصلها بالطاقة الكهربائية، لاستغلالها في سقي المستثمرات الجديدة. الرهان في الجنوب يتحقق ولكن.. خطت الزراعة في الجنوب خطوات جبارة بشهادة الجميع، فإلى وقت قريب كان يعتقد أنه يستحيل تحويل أراضي قاحلة مثلما أطلق على تسميتها في كتب الجغرافيا المدرسية إلى مزارع وحقول تنبض بالحياة والإنتاج ولعل توفر الإرادة وإجتماع المناخ، التربة والماء ساعد سكان المناطق الصحراوية وحتى سكان الشمال على الاستثمار في القطاع، ناهيك عن دعم ومرافقة الدولة التي مافتئ يتضاعف سنة بعد أخرى بهدف تشجيع الفلاحين وتوسيع رقعة المساحات المزروعة، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي ولم لا المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد. ويؤكد بن بوزيد عطاء الله الأمين العام للغرفة الفلاحية لولاية بسكرة، هذا الطرح حيث قال في تصريح ل«الشعب» أن الفلاحة في بسكرة اشتهرت قديما بإنتاج التمور، وحاليا أصبحت تنتج التمور وكل أنواع الخضروات خاصة المبكرة التي يتم زراعتها في البيوت البلاستيكية، وهي الزراعة التي بدأت تنتشر مع بداية الثمانينات حينما بدأت الدولة التجربة مع بعض المزارعين، وبدأت تتكاثر لتصل حاليا إلى 4200 هكتار من الزراعات المحمية تحت البيوت البلاستيكية، والبيوت ذات القبب المتعددة، على مساحة 40 هكتارا، وهي في تزايد مستمر ناهيك عن زراعة الحبوب، والإنتاج الحيواني تربية الأغنام «سلالة أولاد جلال» فالمنطقة تحصي ما يقارب مليون رأس من الأغنام، و2000 رأس من الأبقار عدد قليل ولكن «الشعبة أخذناها بعين الاعتبار لتطويرها عن طريق آليات الدعم كالوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، الصندوق الوطني للقرض المصغر»، كما تعرف الولاية بالصناعة التحويلية بالنسبة للتمور حيث توجد أكثر من 28 وحدة تصدير. زراعة الحبوب، هي الأخرى عرفت تطورا بعد إدخال نظام السقي عن طريق الغمر، ونعمل على إدخال الرش المحوري والعادي في الولاية مع تعاونية الحبوب والبقول الجافة الموسم القادم، حيث من المقرر اختيار مجموعة من مزارعي الحبوب ليكونوا قاطرة التنمية، فنحن نريد من هذه الشعبة إنتاج البذور لأنها مسقية وهذه البذور ستشكل مخزون بذور لعدة ولايات من الجنوب وحتى الشمال لأنها ذات نوعية جيدة. ورغم أن الفلاحة في عاصمة الزيبان عرفت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، لدرجة أنها أصبحت تزود 40 ولاية بمنتوجاتها، خاصة في الفترة الشتوية حيث يشهد أسواقها يوميا دخول 1000 شاحنة للتزود بمختلف أنواع الخضروات، إلا أنها تشكو من بعض النقائص خاصة على مستوى المستثمرات الجديدة حيث تفتقر إلى الطاقة الكهربائية، «فرغم المجهودات التي بذلتها الدولة 600 كلم من شبكة الكهرباء إلا ان المنطقة تعاني عجزا في الطاقة الكهربائية لأن السقي يتم عن طريق التنقيب» فضلا عن نقص اليد العاملة وهو المشكل الذي رأى بن بوزيد أن حله لا يتم إلا عن طريق إدخال المكننة في النخيل، والأشجار المثمرة. الزيتون يعود إلى أصله بعاصمة الحضنة ولاية المسيلة من الولايات السهبية التي كانت سابقا معروفة بتربية الماشية، عرفت مع المخطط الوطني للتنمية الفلاحية تطورا في بعض الشعب، من بينها شعبة الزيتون التي اقتصرت في البداية على البلديات الشمالية للولاية لتتوسع مساحة زراعة الزيتون بسرعة حيث عمت كل البلديات فانتقلت المساحة المزروعة قبل1999 من 590 هكتار، إلى أكثر من 7323 هكتار حاليا، والسبب يرجع إلى الدعم المقدم من طرف الدولة للمستثمرين وذلك في إطار المخطط الوطني للتنمية، وتطوير بعض الشعب الإستراتيجية في الجزائر، وكما تطور فرع الزيتون تطور فرع الحليب مصنع تحويل الحضنة الذي لديه طاقة تحويلية هامة. وأكد لخضر طيابة الأمين العام للغرفة الفلاحية لولاية المسيلة في تصريح ل«الشعب» أن زراعة الزيتون لم تعد تقتصر على المناطق الجبلية المعروفة بل توسعت إلى المناطق السهبية، على غرار الجلفة، الوادي، الاغواط، والمعلومات التي لدينا تقول أن أصل الزيتون هو المناطق السهبية وأثناء الحروب التي مرت بالجزائر تم نقل شجرة الزيتون إلى الجبال مع تنقل المجاهدين أو المواطنين، واليوم شجرة الزيتون تعود إلى أصلها. وأضاف أن الفروع الإستراتيجية كلها تتطور لتحقيق الأمن الغذائي وتخفيض فاتورة الاستيراد فدعم الدولة سواء ذلك الخاص بشعبة الحبوب أو الزيتون جعل الفلاحين ينخرطون في مساعي تطوير المواد الإستراتيجية، حتى أن الكثير منهم تحولوا من زراعة المشمش إلى شجرة الزيتون، بعد أن اكتشفوا أن المنطقة لا تصلح لزراعة المشمش فقط بل لكل أنواع الفواكه الأخرى كالبرقوق، التفاح الخوخ، الاجاص في بعض المناطق، الرمان، وخاصة زراعة الخضروات في المساحات المفتوحة، أو في البيوت البلاستيكية التي بدأت تنتشر بقوة منذ 3 سنوات والخاصة بإنتاج الخضروات كالجزر، الخس، الفلفل حتى البطاكا كمادة إستراتيجية والفواكه كالبطيخ، بالإضافة إلى إنتاج اللحوم، فولاية المسيلة تتوفر على ثروة حيوانية تقدر بمليون و600 رأس من الغنم. ويعتقد طيابة أن كل فرع من الفروع بحاجة إلى مرافقة خاصة في بعض الولايات المتميزة في بعض المنتوجات، ويقول أنه «لابد من هياكل ترافق الفلاح خاصة فيما يتعلق بتنظيم الأسواق، وإنشاء مصانع تحويل، فبالنسبة للمسيلة توجد منتوجات قابلة للتحويل وإنتاجها كثيف كالجزر، المشمش، لكن لا يوجد من يشتريها وهو ما يدفع الفلاح إلى إنقاص الإنتاج في الموسم الموالي مما يتسبب في نقص العرض وهذا ما سيؤثر على الأسعار، ولكن في وجود هياكل تحمي الفلاح والمنتوج يصبح الفلاح مداوم على الزراعة ويبقى يوسع المساحة بدل أن يقلصها»، ودعا المستثمرين للاستثمار في المنطقة حتى تكون ديمومة للإنتاج وحماية للمنتجين. وتشكو الولاية حسب المتحدث من نقص غرف التبريد، حيث تقدر مساحة التخزين ب9600 م مربع وهي غير كافية حسب طيابة لاستيعاب كل المحصول خاصة في فصل الصيف، وهو ما يفتح الباب للسماسرة لاستغلال الفلاحين حيث يشترون المنتوج بأبخس الأثمان ويعيدون بيعها بأثمان باهضة. وتنتظر عاصمة الحضنة بفارغ الصبر مشروع تحويل المياه من جيجل أو عين صالح إلى المنطقة، لتخفيف الضغط على المناطق التي تعاني من صعود المياه وحل معضلة نقص المياه بالمناطق التي تعاني الجفاف. تجنيد المياه السطحية مطلب سكان الأوراس لتوسيع المساحات المزروعة ولاية باتنة أو عاصمة الأوراس هي الأخرى عرفت تقدما وتطورا في عدة شعب، منها البيض والدواجن، الحليب الأشجار المثمرة كالمشمش، التفاح، الزيتون حيث تم غرس مساحات كبيرة، سجل فيها رجوع الفلاحين للاستثمار في هذا النوع من المزروعات، وهو ما جعل الولاية تحتل المراتب الأولى في إنتاج الزيتون، البيض، الحليب، واللحوم بنوعيها البيضاء والحمراء. وأرجع رئيس الغرفة الفلاحية لولاية باتنة يوسفي حمودي، هذا التطور الإيجابي إلى التنافس بين الفلاحين، ناهيك عن الدعم الذي تقدمه الدولة في إطار التجديد الفلاحي والريفي، والذي سمح بانطلاق الإنتاج في أغلب الشعب سواء الحليب، الحبوب، زراعة الزيتون حتى حفر الآبار، غير أن ما بات يؤرق فلاحي المنطقة نقص المياه، وإنعدام الطاقة الكهربائية لسحبها من الآبار العميقة، ناهيك عن إنعدام السدود. ويؤكد العربي مسعودي الأمين العام لذات الغرفة، أن القطاع الفلاحي في الولاية عرف تطورا كبيرا بفضل دعم الدولة، لكن ما يقف عقبة أمام تطويره نقص مياه الآبار نتيجة قلة مياه الأمطار وهو ما أدى إلى عدم تجددها، مقترحا وضع دراسة في الولاية لتجنيد المياه السطحية واستعمال الكهرباء الريفية، وكذا العمل على مكننة القطاع خاصة أمام إقبال الشباب على الاستثمار في القطاع في إطار وكالات دعم وتشغيل الشباب «أنساج»، والصندوق الوطني للقرض المصغر في شعب تربية الأبقار والدواجن، مع العلم أن الولاية تحصي 2500 مستثمرة فلاحية كلها مستغلة. حمضيات متيجة تشكو نقص الخبرة في سهول متيجة، وبالضبط في عاصمة الورود «البليدة» باتت الحمضيات التي عرفت بها المنطقة لعدة سنوات تختنق، ويتراجع إنتاجها وحتى حجمها، بسبب تراجع الخبرة في التعامل مع هذا النوع من الفواكه الفنية بالفيتامين سي، حسب الفلاح عبد الرحمن بن اشنهو الذي ورث زراعة البرتقال أبا عن جد، وظل متمسكا بهذا النوع من الأشجار المثمرة رغم هجرة العديد من الفلاحين لها، سعيا منهم وراء الربح السريع، فالإستثمار في هذا النوع من الأشجار يتطلب وقتا طويلا قد يصل من 8 سنوات إلى 12 سنة حتى تعطي الشجرة ثمارها، في حين تعطي الأشجار الأخرى ثمارها على غرار التفاح أو الخوخ بعد 4 سنوات، وهو ما جعل فلاحي المنطقة يتحولون عن زراعة البرتقال إلى التفاح، والخوخ والإجاص. ويؤكد بن أشنهو ضرورة العودة إلى غرس الأنواع الأخرى من البرتقال وألا يقتصر الإنتاج على «الطامسون» فقط، مثلما يجري الآن، حتى «نضمن منتوجا وفيرا يبدأ من شهر نوفمبر إلى غاية شهر ماي»، وللتأثير على الأسعار التي تعرف التهابا بسبب وجود نوعين أو ثلاثة في السوق. وطالب بن أشنهو بالاستفادة من تجارب الدول الناجحة في هذا الميدان على غرار اسبانيا، والمغرب، للتحكم في التقنيات والرفع بذلك من إنتاج الحمضيات في الجزائر، وإيجاد حل للأمراض التي تهدد الثمار والشجر على حد سواء، مقترحا في هذا السياق العودة إلى علاج الأشجار عن طريق الطائرات مثلما كان العمل جار به في السنوات الماضية.