هذا هو هدف الجيل الرابع من الحروب، وهي حرب لا تعتمد على الجيوش وأعمال العنف والتفجير ومواجهة قوة الدولة بقدر ما تعتمد على زعزعة ثقة المواطن في دولته وإثارة سخطه وتذمره تجاه الدولة وعدم الثقة فيها. مصطلح الجيل الرابع من الحروب ذكره أكثر من مصدر غربي لعل أبرزهم «ماكس مانوراينج» وشرح في محاضرة له بواشنطن أنها حرب تهدف لإنهاك الدولة من الداخل وببطء تراكمي ومستمر يستنزف ثقافة الوطن وينشر فيها خطابات السخط على نطاق واسع وخلال جزء كبير من ساعات اليوم بما يضمن لنظرية الجيل الرابع أن تؤدي دورها في الضغط العصبي على الدولة وتعطيلها حتى عن مشاريع التنمية البشرية بعد تعزيز الريبة والتوجس والشك في كل مشروع تنموي بشري بخطاب سياسي يحذر من هكذا مشاريع حولها، وهي جزء من خطة خلق دولة فاشلة. وبالمقابل هناك «مقاولون أنفار» مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم صاحب مركز ابن خلدون «أُغلق المركز بعد فضائحة» وهو الذي قام بوصفه «مقاولاً» بإرسال عدد من الشباب المسيّس مثل جماعة 6 أبريل وأشباهها في مصر قبل 2011 للتدرب في الخارج وإلى أكثر من عاصمة دأبت «مراكزها» على إعداد طابور خامس وكتائب من هؤلاء الذين يقومون بعد العودة والتدريب المكثف بتطبيق عملي ويسهمون في إفشال الدولة أو بالأدق في خلق دولة فاشلة. التمويل يأتي في ذلك الوقت إلى مراكز تحمل يافطات مستقلة بوصفها «حقوقية أو مراكز نشاط مدني عام»، هذا التمويل يصلها من أكثر من دولة وجهة ضالعة في مشاريع إفشال دول بعينها يتم اختيارها وانتقاؤها بدقة وبحسب استراتيجيات مرسومة. وضمن خطة إفشال الدولة تنشط بقوة مجموعات مراكز ودكاكين ومنظمات «الحقوق» الأجنبية وحتى بعض المراكز العربية التي تحمل هويات عربية وتنشأ بتمويل سري في عدد من العواصم الغربية «لاحظنا كيف تناسلت بكثرة» لتنهال تفتيتًا في الدولة المستهدفة واستنزاف طاقتها وجزء من إمكاناتها لاسيما وأن ظاهرة إنشاء وتأسيس فضائيات ومحطات في عدد من العواصم أكمل بنشاط مشروع إفشال الدولة المعنية. وفي هذا السياق نلاحظ أن المجموعات التي تم اختيارها لتشكل كتائب إفشال الدولة قد أصبحت وحدها اللاعب واختصروا الوطن واختزلوه فيها فقط وفي أسمائها ووجوهها التي ستتكرر على مدار الساعة إما في الفضائيات والمحطات أو في صحفهم وإعلامهم وحتى مراكزهم وستتولى تلك الجهات طباعة كتبهم وإصداراتهم والترويج لها وستمول جهات أخرى عددًا من تلك الأسماء لافتتاح ما يسمى بمراكز البحوث لتنشط في مشروع إفشال الدولة الذي تهدف له جهات المصالح. وفي ذروة عنفوان ذلك المشروع ورواجه وقفنا على سلسلة تحالفات وتفاهمات وتوافقات انسجم فيها «الأضداد» فمن كان في أقصى اليسار إلا أن التقى مع من كان ممثلاً لأقصى اليمين الثيوقراطي، وظهرت على السطح العام ظاهرة المدني تاريخًا جنبًا إلى جنب مع العمامة بل وفي صف واحد يتقدمون جماعاتهم ومجموعاتهم وتنظيماتهم وأحزابهم لإفشال الدولة التي أوكلت لهم مهمة إفشالها، وفي المقابل استمر «مقاولون أنفار» في التمويل بلا انقطاع.