تمتلك مدينة وهران التي أكملت استعدادها لاحتضان الدورة ال 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط ابتداء من يوم 25 جوان الجاري، من المقومات الاقتصادية والتجارية والسياحية والمعالم التاريخية ما يجعلها تستحق بجدارة لقب عروس البحر المتوسط ومدينة الجمال والتراث. فهذه المدينة، الواقعة أسفل السفح الشرقي لجبل المرجاجو وفوق شاطئ خليجي هادئ، تتميز بنمطها المعماري المعاصر الذي أعطى الوجه الجميل للباهية وشوارعها التجارية الكثيرة الحركة ومآثر الحقب التاريخية التي تعاقبت عليها وشواطئها الساحرة التي يجعل منها منطقة جذب ووجهة سياحية بامتياز. ولا تزال المساجد العتيقة والحصون والقلاع والأبراج ورباطات الطلبة قائمة بهذه المدينة تشهد على الحضارات التي تعاقبت على وهران والمقاومات التي خاضها سكانها ضد الغزاة لاسيما المستعمر الإسباني والفرنسي. كما تشتهر وهران بحي "المدينة الجديدة"، قلبها التجاري النابض، الذي يتوافد عليه المواطنون على مدار السنة لاقتناء حاجياتهم المختلفة. ورغم التدافع والتزاحم، لا يتردد زوار الباهية على التوجه الى هذا الحي الذي ينشط به أيضا العطارون والعشابون وباعة الكتب القديمة وأقراص الأفلام والموسيقى وتنتشر بها مطاعم الأكلات الشعبية. وفي المساء، يغير الوهرانيون وجهتهم الى شارع واجهة البحر الذي يعتبر الوجهة المفضلة للسياح لاسيما في فصل الصيف حيث يمكن للمرء احتساء فنجان من القهوة أو تناول المثلجات والتمتع من بعيد بزرقة البحر وحركة السفن بمحيط الميناء. و قد عرفت وهران، ثاني أكبر مدينة بعد الجزائر العاصمة والتي تجاوز عدد سكانها 726 ألف نسمة، توسعا عمرانيا كبيرا في السنوات الأخيرة امتد شرقا الى غاية اقليم بلدية بئر الجير وغربا الى بلدية السانية وسمح هذا التوسع ببروز العديد من النشاطات التجارية والخدمية. ومع هذا التوسع العمراني، أصبحت المدينة تتشكل من مزيج من المباني يجمع بين الطراز القديم والطراز الحديث المتميز بالمباني الشاهقة الفخمة ذات الواجهات الزجاجية والعمارات التي أنجزت في إطار البرامج السكنية المختلفة. كما نالت المدينة حظا من مشاريع البنية التحتية المتطورة من شبكات طرقات سريعة وجسور وأنفاق والتراموي الذي طليت عرباته باللونين الابيض والأحمر، فزاد الباهية جمالا وربطها ببلدية السانية بالضاحية الغربية وبئر الجير بالضاحية الشرقية عبر خط طوله 19 كلم. كما تعزز النقل الجوي بانجاز محطة جوية عصرية جديدة بمطار "أحمد بن بلة" الدولي طاقتها 5ر3 مليون مسافر في السنة قابلة للتوسع الى 6 ملايين، ستدعم مما لاشك فيه مكانة وهران في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط . ولم تعد الباهية تلك المدينة التي تدير ظهرها للبحر كما وصفها البير كامو في روايته "الطاعون" الصادرة سنة 1947 ، بل هي تعانق البحر على الدوام حيث ازدهرت نشاطات الصيد البحري الذي تعزز بالعديد من الهياكل وتضاعفت المعاملات التجارية عبر مينائها البحري الذي تدعم هذه السنة باستلام توسعة لنهائي الحاويات الذي سيسمح باستقبال البواخر كبيرة الحجم ومعالجة الى غاية 1 مليون حاوية. وتشكل بمحيط هذه المتروبولية نسيج من النشاطات الصناعية والخدمية في شتى القطاعات عبر العديد من المناطق الصناعية. وتواصل مدينة وهران التي تزيد مساحتها الحضرية عن 54 كلم مربع والتي تتوفر على ثلاث جامعات ومراكز بحثية عديدة ومركبات سياحية ورياضية ومستشفيات، نهضتها في كل المجالات لتعزيز مكانتها كحاضرة متوسطية. ..مؤهلات سياحية كبيرة وسوق بأنماط جديدة طورت وهران التي تمتلك مؤهلات سياحية وثقافية وطبيعية هائلة سوق سياحية بأنماط جديدة مما جعلها وجهة على مدار العام تستقطب السياح الذين أعجبوا بجمال هذه المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ومهما تباينت وتنوعت خيارات السائح، فانه يجد ضالته بوهران التي عملت على تطوير أنماط من السياحة حيث تحتل السياحة الشاطئية المرتبة الأولى في مقاصد الجذب السياحي وتعتبر أكثر المنتجات السياحية ازدهارا باعتبار أنها تحوز على شريط ساحلي يطل على حوض البحر الأبيض المتوسط . وتزخر عاصمة غرب البلاد ب35 شاطئا خلابا ممتد على طول 120 كلم موزع على 9 بلديات منها 12 شاطئا ببلدية عين الترك وتضم شواطئها 63 مؤسسة فندقية تقدم خدمات متنوعة ومجهزة بوسائل الترفيه وأغلبها تتواجد بالطنف الوهراني الذي يعد جوهرة ساحل الولاية. كما يزدهر بها نمط سياحي جديد يتمثل في "السياحة عند العائلة" حيث يلجأ بعض سكان المناطق الساحلية إلى كراء منازلهم أوغرف للمصطافين الذين يأتون من كل حدب وصوب لاسيما من جنوب البلاد وأفراد الجالية الوطنية المقيمة في الخارج وحتى لبعض الأجانب. وعلى مستوى الطنف الوهراني، تنتشر السياحة الطبية التي تعتبر نمطا جديدا بوهران وقد اعتمده كل من المركب السياحي "الأندلسيات" وفندق "نيوبيش" حيث يقدمان خدمة المعالجة عن طريق مياه البحر بالإضافة إلى عروض "السبا" التي تقدمها بعض المؤسسات الفندقية بمدينة وهران. ومن جهة ثانية، توفر وهران التي تعد قطبا اقتصاديا بامتياز بيئة مناسبة لسياحة الأعمال من خلال احتضانها العديد من المنتديات والندوات الإقليمية والدولية والتظاهرات والورشات والصالونات الاقتصادية الوطنية والدولية تستقطب آلاف المهنيين في شتى الاختصاصات. وتحتل السياحة الاستجمامية حيزا مهما ضمن إستراتيجية تطوير القطاع محليا ووطنيا حيث تعتبر غابات الاستجمام البالغ عددها سبع بمساحة إجمالية تقدر ب 225 هكتار، قبلة للزوار حيث تنظم الجمعيات دوريا تخييم للعائلات ورياضة المشي وسباقات للدراجات باستعمال وسائل رفيقة للبيئة وذلك للترويج للسياحة الخضراء لاسيما بغابة "مسيلة" وجبل "الأسود". ولا شك أن هذه الأنماط السياحية جاءت لتعزيز السياحة الثقافية التي تعد العمود الفقري في سوق السياحة بوهران خاصة أنها تزخر بمواقع أثرية وتاريخية متنوعة ومساجد عتيقة وزوايا فضلا عن المناسبات الاجتماعية على غرار الوعدات منها وعدتي "سيدي الحسني" و"لالا حليمة" وغيرها من هذه المواسم التي تجلب الكثير من السياح. ..مرافق واستثمارات لترقية المنتوج السياحي وتعد هذه المؤهلات عاملا لجلب العديد من المستثمرين فضلا على تبسيط الإجراءات الإدارية والمرافقة الدائمة في تجسيد المشاريع إلى جانب توفر الولاية على هياكل قاعدية متنوعة منها الميناء والمطار وشبكة مواصلات وغيرها من المرافق التي تساعد على تطوير السوق السياحية بالجهة، حسب ما أبرزه رئيس مصلحة النشاط السياحي بمديرية السياحة والصناعة التقليدية. وتضم الحظيرة الفندقية 193 مرفقا بطاقة استيعاب إجمالية تصل إلى 19.302 سرير موزعة عبر مختلف بلديات الولاية أغلبيتها حضرية، كما أضاف مراد بوجنان، لافتا الى أن هذه الهياكل الإيوائية التي تتنوع من صفر نجمة الى 5 نجوم توفر 4.941 منصب شغل مباشر . كما يوجد حاليا 108 مشروعا في طور الإنجاز بطاقة 19.202 سرير وستسمح باستحداث 6.783 منصب شغل وتعرف تقدما في الأشغال، مع العلم بأنه يوجد 8 انتهت بها الأشغال بطاقة 610 سرير على أن تدخل حيز الخدمة قريبا. وتتوفر ولاية وهران على ثماني مناطق للتوسع السياحي موزعة على مداغ وكريشتل والأندلسيات وعين فرانيين ورأس كربون ومرسى الحجاج ورأس فلكون والرأس الأبيض، وفق ذات المسؤول الذي أشار الى أن "دراسة هذه المناطق التي تشرف عليها الوكالة الوطنية للتنمية السياحية دخلت مرحلتها الأخيرة تعمل على تجسيد نظرة الوزارة المعنية في توفير فيها كل الخدمات وتنويع السياحة". كما تنشط بوهران 333 وكالة للسياحة والأسفار تقدم منتجات متنوعة ومكتب للسياحة يروج لوجهة وهران و32 جمعية تعمل على استحداث مسارات جديدة تضاف إلى 10 مسارات محددة من طرف مديرية السياحة والصناعة التقليدية فضلا على الصالون الدولي للسياحة والتجهيزات الفندقية الذي ينظم بوهران سنويا من طرف وكالة الاتصال والتظاهرات الدولية "أسترا" ويشارك فيه أكثر 300 عارض من الجزائر ومن الخارج، كما تمت الإشارة إليه . وبما أن المورد البشري يعد العمود الفقري في تطوير نشاط السياحي، فكان إنشاء المدرسة العليا للفندقة والإطعام التي تم تدشينها في 2019 ضرورة للارتقاء بالخدمات السياحية الموجهة للزبائن حيث تعمل هذه المؤسسة التكوينية على توفير يد عاملة مؤهلة لسد احتياجات سوق السياحة وذلك تماشيا مع المشاريع الاستثمارية الواعدة. ومعروف على وهران أنها تزخر بأكلات تقليدية شهية تمتاز بنكهات تجمع بين مختلف الحقب التاريخية التي شهدتها الجهة وتتوفر على 26 مطعما مصنفا يقدم، إلى جانب الأكلات العالمية، أطباقا تقليدية على غرار الكسكسي و"الحلزون" و"الدولمة" و"العصبان" وأنواع عديدة من الحلويات كجزء من تراث الطبخ الجزائري. …مسارات سياحية وجولات للاكتشاف والاستمتاع عملت مديرية السياحة والصناعة التقليدية لولاية وهران على تطوير المنتوج السياحي من خلال توفير عشر مسارات سياحية للارتقاء بالخدمة لفائدة زوار وهران التي تعد مدينة متوسطية تزخر بمواقع أثرية وثقافية وسياحية. ولمواكبة التطور الذي عرفته وهران في مجال الهياكل الفندقية كونها قطبا سياحيا بامتياز، كان لزاما استحداث مسارات سياحية متنوعة لخلق طفرة جديدة في مجال الجولات والرحلات السياحية التي من شأنها أن تساهم في جذب السياح، حسبما أبرزه رئيس مصلحة النشاطات السياحية بمديرية القطاع، مراد بوجنان. ويكمن الهدف من هذه المسارات الترويج لوجهة الجزائر بصفة عامة والتعريف بالمؤهلات السياحية لوهران وتطوير السياحة الداخلية وتحفيز السياح على تكرار الزيارة وعلى ارتياد مواقع جديدة كانت غير معروفة فيما سبق، كما أضاف ذات المسؤول. وتم رسم هذه المسارات بعد دراسة تمت مع مختلف القطاعات والشركاء على غرار مديرية الثقافة والفنون والديوان الوطني لاستغلال وتسيير الممتلكات الثقافية المحمية وبلدية وهران وباحثين من المركز الوطني للبحث في الانثروبولوجية الاجتماعية والثقافية الكائن مقره وهران، وفق المصدر ذاته. ولتثمين هذه المواقع، تم تهيئة المسالك مع ضمان النقل والنظافة وإقامة معارض للصناعات التقليدية الفنية ووضع إشارات دلالية وتعريفية تروج للمواقع الأثرية والتاريخية مع توفير مرافقين سياحيين لجعل الزائر يعيش تجربة سياحية متكاملة العناصر. وتحسبا لألعاب البحر الأبيض المتوسط، سيتسنى لضيوف هذا الحدث الرياضي الاستمتاع بهذه المسارات برفقة 23 مرشدا سياحيا معتمد لدى وزارة السياحة والصناعة التقليدية، فضلا عن 193 مرافقا سياحيا تم تكوينهم في يناير الماضي على مستوى المدرسة العليا للفندقة والإطعام بوهران وتحت إشراف مختصين، كما تمت الإشارة إليه. ..مسارات ومنتجات متنوعة وتضم هذه المسارات التي تشكل حلقة وصل بين مختلف المواقع السياحية التي تميز المنطقة سواء كانت تاريخية أو ثقافية أو طبيعية، أكثر من 20 معلما أغلبها مصنف وطنيا ضمن قائمة التراث الوطني وتعود إلى مختلف الحقب التاريخية التي عرفتها وهران من الفترة الإسلامية مرورا بالاحتلال الإسباني والعهد العثماني ثم الاستعمار الفرنسي إلى غاية الوقت الراهن. ويخص المسار الأول "جولة في مدينة وهران" عن طريق حافلة "وهران ستي تور" الذي تم استحداثها في 2019 من طرف الديوان المحلي للسياحة كأول حافلة سياحية على مستوى الوطن لتشجيع السياحة الداخلية حيث استقطب هذا المنتوج الكثير من السياح المحليين والأجانب. وتجوب هذه الحافلة أكثر من عشرة مواقع من المكتبة الكتدرائية وقصر الثقافة إلى قصر الباي وشاتوناف وجامع الباشا وحديقة بن باديس، مرورا بساحة "بودالي حسني" (كليبر سابقا) بحي سيدي الهواري والحمامات التركية ومستشفى بودانس وباب سنتون وصولا إلى جبل مولاي عبد القادر مع زيارة قلعة "سنتا كروز" وكنيسة "سيدة السلام" ثم العودة إلى ساحة " أول نوفمبر 1954″ بوسط مدينة. كما يستطيع السائح أن يكتشف معالم أخرى مدرجة في المسارات التسع المتبقية منها "مسار مساجد سيدي الهواري" و"مسار بوابات وهران" و"المسار العثماني" و"مسار حصون وهران" و"المسار السياحي الديني" و"المسار الأخضر" الذي يعتبر من المنتجات السياحية الحديثة. ويكمن الجديد في هذه المنتجات السياحية في استحداث لأول مرة بعاصمة الغرب الجزائري "مسار التسوق التجاري" الذي يعد مسلكا سياحيا وتجاريا وترفيهيا يستطيع من خلالها السائح اقتناء تحف صنعتها أنامل حرفيين وحرفيات بمهارة متناهية معروضة على مستوى محلات بحلبة "الثيران" بالقرب من الحي الشعبي "الطورو".