تُعد إعادة الهيكلة من أصعب الفترات التي يمر بها موظفو أي شركة، لكنها أيضاً فرصة للتركيز على ما يمكن الاعتماد عليه في كسب المال. فقد أجرى رجل الأعمال إيلون ماسك تقليصاً كبيراً في عدد موظفي شركته «تويتر إنك»، لدرجة أن فريق عمله عاد ليطلب من عشرات العمال العودة إلى مكاتبهم بعد تسريحهم، يوم الجمعة الماضي. في غضون ذلك، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن شركة «ميتا بلاتفورمس إنك»، التابعة لمارك زوكربيرغ، تستعد لإقالة 87 ألفاً من موظفيها الأربعاء المقبل، وهي المرة الأولى في تاريخها التي تقوم فيها باستغناءات جماعية عن هذا العدد الضخم دفعة واحدة. أدى التضخم والمخاوف من الركود، وطفرة التوظيف الكبيرة، إلى إقدام شركات التكنولوجيا العملاقة على تنفيذ إجراءات مشابهة، حيث قامت شركات مثل «سترايب إنك» بتقليص موجع في الوظائف. لكن الاستغناءات في «ميتا» و«تويتر» تعتبر أكثر من مجرد فرصة لتعزيز أرباحهما النهائية، إذ نفذت للتخلص من هواجس قادتهما بالخدمات الجديدة وغير المختبرة التي تقدمانها. يدير كل من ماسك وزوكربيرغ شركات تعتبر الإعلانات جزءاً من كيانها، ويتعين عليهما إعادة التركيز على ابتكار أعمال إعلانية جيدة إذا كانا حقاً يريدان وقف التراجع، حتى لو بدا أن لحظة هيمنتهما قد بلغت ذروتها. لكن الواقع يقول إن مؤسس «فيسبوك» يطارد الواقع الافتراضي، بينما يهدد ماسك المعلنين الذين يقاطعون «تويتر»، حيث تقوم الشركات بما في ذلك «جنرال موتورز» و«مايكروسوفت» و«فيرزون كومينيكيشنز» بتعليق إعلاناتها على الموقع؛ بسبب المخاوف من عدم كفاية الإشراف على المحتوى. استثمر زوكربيرغ أكثر من 10 مليارات دولار في بناء مشروع تجاري جديد قائم على الواقع الافتراضي هو «ميتافيرس» يتضمن سماعة رأس بقيمة 1499 دولاراً يروّج لها لسبب غير مفهوم لاستخدامها في اجتماعات المكتب. وعلى الجانب الآخر، يبيع ماسك شارات «تويتر» الزرقاء مقابل 8 دولارات ولا يمنحها لمن لا يدفع. كلا المليارديرين يطارد بعناد الأفكار التي لا تحظى بفرص كبيرة لكسب المال، في وقت تحتاج فيه الشركتان إلى سداد فواتيرهما. «تويتر» تحديداً مثقلة بمليار دولار من أقساط الفوائد السنوية؛ بسبب الديون المستحقة جراء شراء ماسك الشركة. كذلك تبدو خطط ماسك لجلب النقد اللازم عديمة الجدوى. فحتى لو دفع جميع حاملي الشارات، البالغ عددها 400 ألف شارة، رسوماً شهرية، فسيجلب ذلك 38 مليون دولار فقط سنوياً. ويريد ماسك جذب مزيد من المستخدمين لشراء الشارة أيضاً، لكن عرض القيمة الخاصة بها لم يلق استحساناً، إذ ذكر آخر تحديث له على «أبل إنك» العبارة التالية: «يمكنك نشر مقاطع فيديو أطول على الموقع، والحصول على ترتيب أعلى في الموضوعات، ومشاهدة نصف الحجم الطبيعي للإعلانات». كانت محاولات «تويتر» لكسب المال من خدمة الاشتراك، المعروفة باسم «تويتر بلو» محدودة وتجريبية دائماً، وذلك لأن الأعمال الإعلانية على «تويتر» كانت دائماً موثوقة للغاية (وأكثر بكثير من 38 مليون دولار). وحققت الشركة عائدات بقيمة 1.2 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2022، كانت 90 في المائة منها تقريباً من الإعلانات. وحققت «ميتا» مبيعات بقيمة 28.9 مليار دولار في الربع الثاني، وجاءت هذه الأموال كلها تقريباً من الإعلانات. وكما ذكرت من قبل، من المنطقي محاولة التنويع. ومن المرجح أن يتباطأ نشاط الإعلانات الرقمية، الذي نما بواقع 21 في المائة في عام 2021، إلى أقل من 10 في المائة في السنوات المقبلة. لكن زوكربيرغ وماسك يتحركان بشكل سريع للغاية وبشكل جذري. فهم يراهنان بشركاتهما كلها على بيع المنتجات من خلال شركات التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، لم تقم شركة «سناب إنك» على الإطلاق بتحويل نظارات الواقع المعزز إلى مصدر دخل قابل للتطبيق. و«فيسبوك» نفسها لديها تاريخ من الإخفاقات في ترويج المنتجات. ففي العام الماضي فقط، أغلق قسم الألعاب، وهو أداة تسوق مباشرة وميزة حية للتنافس مع شركة «نيكست دور هولدنغز»، وأغلقت أيضاً «منصة رسائل» الإخبارية. دخلت صناعة التكنولوجيا عصراً جديداً من التقشف، حيث يجمد عدد من الشركات الكبرى التوظيف، وتقلص تلك الشركات القوى العاملة لديها. يمكنك أن تجادل بأن شركات مثل «تويتر» بحاجة إلى مزيد من البساطة والانسيابية، وأن التحول من المستحدثات البراقة مثل السيارات الذاتية القيادة والعملات المشفرة، إلى منتجات مفيدة حقاً يعد خطوة صحية في تطور صناعة التكنولوجيا. لقد أدى انهيار فقاعة «الدوت كوم» (أو فقاعة تكنولوجيا المعلومات، وهي فقاعة اقتصادية امتدت في الفترة ما بين 1995 و2000 حين نمت أسواق البورصة في الدول الصناعية بشكل ملحوظ في الصناعات المتعلقة بالإنترنت) إلى خلق بوتقة سوق وحشية مكنت شركات مثل «أمازون» و«إي باي» من الازدهار في نهاية المطاف. ولكن لكي تظل كل من «تويتر» و«فيسبوك» واقفة على قدميها، يحتاج قادتهما إلى فك ارتباطهما بالأفكار المشوشة الجديدة، وعليهما الالتزام بما يلائم الوقت الحاضر. فكثير من الغطرسة قد يؤدي بهما إلى الغرق في نهاية المطاف. الشرق الأوسط / «بلومبيرغ»