شهد العام 2022 ظهور تقنيات جديدة وتنامي الاعتماد على أخرى سيتعاظم شأنها في 2023، وستلعب دورا بارزا في إعادة تشكيل قطاعات أعمال، والتأثير على صنّاع القرار وطريقة إنجازنا لمهامنا اليومية. ورغم ما حمله العام 2022 من أوبئة وأمراض واضطرابات جيوسياسية وارتفاع في معدلات التضخم ومشكلات في سلاسل التوريد العالمية، فقد أدى هذا المشهد الزاخر بالتحديات إلى تطوير أو زيادة الاعتماد على حلول تقنية تساعد المستخدمين والشركات في التعامل مع هذه الظروف الصعبة، وتحويلها لميزة تنافسية. ومن التقنيات التي أعتقد أنها ستزدهر وتتطور في 2023، الطباعة ثلاثية ورباعية الأبعاد (تعرف أيضا باسم الطباعة الحيوية)، ذات التطبيقات المبتكرة والتي ستغير من قواعد التصنيع والتوزيع والعمليات التجارية. وسيزداد الاعتماد على هذين الشكلين من الطباعة في مجالات عديدة كالطب والبناء، كما ستصبح الطباعة رباعية الأبعاد تحت الأضواء، علما أنها لا تختلف على الطباعة ثلاثية الأبعاد من حيث التقنية ولكنها تضيف بعدا للتحول بمرور الوقت. فالطباعة رباعية الأبعاد تتيح تفاعل المنتج المطبوع مع عوامل البيئة بعد عملية التصنيع، والتغيير من شكله وفقا لذلك. وتُعزى قدرة المنتج على القيام بذلك إلى المكونات الصغيرة التي تنشأ موادا صلبة بتوزيعات جزيئية هندسية تسمح بأداء متعدد الوظائف غير مسبوق. وبفضل نموذجها اللامركزي، يتوقع أن تشهد تقنية "بلوك تشين" اهتماما كبيرا في العام الجديد، حيث تشير تقديرات مؤسسة "غارتنر" للأبحاث إلى أنه بحلول عام 2025، ستنمو القيمة التجارية المضافة بواسطة هذه التكنولوجيا إلى أكثر من 176 مليار دولار. ومن العوامل التي تدعم إمكانية ازدهار هذه التقنية، تشكيل اللامركزية طرقا جديدة للمعاملات والتواصل وممارسة الأعمال التجارية وتسهيل الأتمتة، مما يُترجم إلى زيادة هائلة في الملكية الرقمية، وهذا سبب تحولها من كونها تقنية حصرية للقطاع المالي أو العملات المشفرة إلى البدء في تنفيذها في العديد من القطاعات. وستمثل "بلوك تشين" فرصة لإنشاء أفكار تجارية جديدة، وتسريع عملية التحقق من المعاملات، ومنع الاحتيال والهجمات الإلكترونية، كما أنها ستحسّن تتبع البيانات والمبيعات وحماية براءات الاختراع وحماية البيانات الحساسة كالطبية مثلا. كذلك ستكون تقنية "الواقع الافتراضي" مؤثرة في 2023 وسيعتمد عليها أكثر في عالم الأعمال، وخصوصا مع تراجع تكلفتها باستمرار. وتشير توقعات شركة الأبحاث "ريسيرتش آند ماركيتس" إلى نمو قطاع "الواقع الافتراضي" بمعدل 15 في المئة سنويا من العام 2022 وحتى 2023. وهناك عوامل تجعل "الواقع الافتراضي" تقنية مثيرة للأعمال، وفي طليعتها توفيرها طريقة جديدة للشركات للتفاعل مع العملاء، فعلى سبيل المثال، تتيح هذه التقنية للمستهلكين تجربة منتجات الشركات قبل الإقدام على شرائها. ومع تزايد عدد الأجهزة الذكية التي نستعملها في حياتنا الشخصية والعملية، ومواجهتنا لمشكلات ذات صلة بالاتصال فيما بينها لاختلاف المنصات أو أنظمة التشغيل، سيكون 2023 عام تطوير المعايير والبروتوكولات العالمية للتواصل بشكل أكثر فعالية. وهنا يأتي دور تقنية "إنترنت الأشياء" التي تجمع البيانات التي تولدها الآلات وتفسرها، ثم توفر معلومات حول العملية لتحسين الكفاءة، وتوفير التكاليف في الإنتاج، واكتشاف فرص العمل الجديدة واتجاهات المستهلكين وتعزيز ابتكار المنتجات. وتشير تقديرات إلى استخدام حوالي 50 مليون جهاز إنترنت الأشياء بحلول عام 2023، الأمر الذي سيؤدي إلى إنشاء شبكة ضخمة من الأجهزة المترابطة التي ستستفيد منها الشركات في جمع المزيد من البيانات وتحليلها لمساعدتها في تقديم منتجات جديدة أو طريقة عرضها وانتقاء المستهلكين المناسبين لها. وستواصل "الحوسبة السحابية" دعمها للتحول الرقمي للأعمال بتطورها في 2023 بسبب الحاجة الكبيرة إلى أمن المعلومات، ووصول الشركات إلى البيانات بسهولة عند الطلب ومشاركتها مع أصحاب المصلحة المعنيين. ووفق تقديرات موقع "ستاتيستا" المتخصص في بيانات الأسواق والمستهلكين، فقد ارتفع الإنفاق في الربع الثالث من 2022 على خدمات البنية التحتية للحوسبة السحابية إلى 57 مليار دولار، ليصل إجمالي ما صُرِف عليها خلال 12 شهرا 217 مليار دولار. وبغض النظر عن الصعوبات التي تواجه الشركات الرائدة في مجال "الميتافيرس"، إلا أن هذه التقنية ستقدم للشركات فرصا مميزة من حيث التواجد الاجتماعي والعمل عن بعد والمدفوعات والرعاية الصحية وتداول المنتجات. ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق "الميتافيرس" إلى 800 مليار دولار بحلول منتصف هذا العقد، و2.5 تريليون دولار بحلول عام 2030. وستستخدم المزيد من الشركات "الميتافيرس" لتحسين منتجاتها، أو إعطاء صورة علامة تجارية مختلفة، أو التواصل مع المستهلكين، بدءا من رقمنة العالم الحقيقي وإثراء البيانات في البيئات الافتراضية، لتغيّر التقنية في المستقبل من طريقة عملنا ونشاطاتنا. ومع اقتران الالتزام بتحقيق نماذج أعمال أكثر احتراما للبيئة بأزمة الطاقة التي يعيش العالم على وقعها، سيؤدي الجمع بين الاثنين إلى إنشاء صيغ جديدة لتقليل اعتمادنا المتزايد باستمرار على الهيدروكربونات. وسيكون دور الذكاء الاصطناعي في هذا المضمار مفيدا، لا سيما لتعزيز فوائد الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية من خلال الصيانة التنبؤية، أي اكتشاف الحالات الشاذة والتنبؤ بالأخطار والأضرار قبل حدوثها، مما يؤدي إلى توفير كبير في التكلفة. وأخيرا نأمل أن يحمل العام الجديد 2023 المزيد من الابتكارات والاختراعات التقنية الثورية التي تساعد الأعمال والبشرية على تجاوز التحديات التي تواجهها. سكاي نيوز عربية