شارك أمس، الإثنين، بسطيف مئات المواطنين في مسيرة الوفاء لشهداء مجازر 8 ماي 1945 كواحدة من أكبر جرائم التاريخ المعاصر رافعين رهان الحفاظ على الذاكرة الجماعية وترسيخها في أذهان الأجيال. وانطلقت المسيرة الشعبية من أمام مسجد أبو ذر الغفاري (مسجد المحطة سابقا) وضمت حشدا كبيرا من المواطنين بمختلف الشرائح والأعمار بما فيهم الأطفال يتقدمهم كل من وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة مرفوقا برئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، نور الدين بن براهم والأمناء العامون لمنظمات المجاهدين وأبناء الشهداء وأبناء المجاهدين وغيرهم. وحافظ المشاركون في المسيرة على الطريق الذي سلكته مسيرة الدم يوم الثلاثاء الأسود من مايو1945، مربعات تتقدمها الفرقة النحاسية وعناصر الكشافة الإسلامية الجزائرية حاملين باقات الزهور والأعلام الوطنية مرددين لأناشيد وطنية فضلا عن ممثلي عديد الهيئات كالدرك والأمن الوطنيين والحماية المدنية والجمارك وغيرها في صورة تحمل أسمى معاني العرفان والوفاء لشهداء 8 ماي 1945 بسطيف وقالمة وخراطة. وباتجاه النصب التذكاري للشهيد سعال بوزيد بوسط شارع 8 ماي 1945 (شارع جورج كليمونصو سابقا) تقدم الموكب بخطى ثابتة ومتناسقة لوضع اكليل من الزهور والترحم على روح هذا الشهيد الذي يعتبر أول من سقط خلال تلك الأحداث تكريما وتخليدا لذكراه وذكرى جميع من ساروا في نفس مساره، كما توقفت المسيرة بمحاذاة ساحة عين الفوارة أين استمع المشاركون فيها إلى أناشيد وطنية وثورية أداها، في زي موحد بالأبيض والأسود مزين بألوان العلم الوطني، العشرات من تلاميذ المؤسسات التربوية. قبل ذلك، كان وزير المجاهدين، العيد ربيقة قد توجه إلى مقبرة سيدي السعيد بحي بوعروة (وسط مدينة سطيف)، أحد المعالم الشاهدة على مجازر 8 ماي 1945 أين تم وضع باقة من الزهور وقراءة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح شهداء هذه المجازر. واطلع الوزير على معرض انتظم بمحاذاة المقبرة ضم رسومات لأشبال وزهرات قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية حول الذكرى، أين أبرز "أهمية ترسيخ ذكرى هذه المجازر في أذهان الأجيال الناشئة من خلال الرسم". وستتواصل الاحتفالات المخلدة لذكرى 8 ماي 1945 بتدشين فندق بحي القصرية (غرب مدينة سطيف) والإشراف بجامعة سطيف 2 على افتتاح ملتقى وطني موسوم ب "مجازر 8 ماي 1945 بالجزائر، القمع- الإبادة ذاكرة لا تنسى"، فضلا عن وضع حجر الأساس لإنجاز ثانوية. ..مدينة خراطة تأبى النسيان تأبى مدينة خراطة التابعة لولاية بجاية، بعد مرور 78 عاما عن المجازر التي تعرض لها سكانها على يد جيش فرنسا الاستعمارية ذات يوم مشؤوم من ماي 1945، نسيان تلك الأحداث المروعة التي غرزت شوكتها في قلوبهم للأبد، ولم ينجح مرور الزمن وتوالي السنين في التخفيف من آلام الجروح التي تكبدوها في ذلك اليوم، حسب شهادات حية لناجين من هذه المجازر. ورغم سنه المتقدمة (91عاما) وصحته المتدهورة، مازال سعيد عليق يقشعر رهبة وخوفا، على حد قوله، من هول الأحداث الوحشية التي عايشها عندما لم يكن يبلغ من العمر سوى 13 عاما وشهد بأم عينيه مقتل جميع أفراد أسرته، والده ووالدته وشقيقه وأخته الصغرى، ذات الأربع سنوات، وهم يعدمون الواحد تلو الآخر دون أي شفقة ولا رحمة وبدون أي سبب. وتجاوز حقد وغل جنود الاستعمار البشر ليطال الحيوانات الأليفة من كلاب وأحمرة ودجاج كانت موجودة بالمكان، فزاد ذلك الجريمة وحشية وبشاعة. ونجا "دا سعيد" من المجزرة لأنه كان مختبئا خلف صخرة بمحاذاة المنزل العائلي، غير بعيد عن محجرة مجاورة، لكنه صدم نفسيا لمدى الحياة لما شهده، ففر بجلده إلى الجبل وظل مختبئا لمدة أسبوع كامل وهو يحمل في طياته جرحا لم ولن يندمل، بعد أن نجا من نيران جهنم التي ظن أنه داخلها. وكانت تلك الأحداث الدموية التي أشعلت لهيبها فرنسا الاستعمارية لمدة شهر كامل توالت خلالها المداهمات والاعتقالات والتعذيب والتفجيرات التي أتت على مئات الضحايا العزل، وفقا لما ذكره السيد عليق وعلامات الأسى والحزن بادية على محياه إلى حد البكاء. ورغم صغر سنه آنذاك، كان "دا سعيد" منذ بداية صبيحة 9 مايو1945 في الصفوف الأولى لمواكب المتظاهرين الذين اجتاحوا خراطة، قادمين من كل القرى المجاورة للتظاهر ضد "ما حدث في سطيف عشية ذلك اليوم" وللمطالبة باستقلال الجزائر. وبعد وصول المتظاهرين إلى الساحة المركزية للمدينة، استقبلتهم طلقات نارية لأحد الموظفين من نوافذ مقر البريد أودت بحياة أولى الضحايا، الشهيد شيباني الخير الذي استشهد على الفور، ما أثار سخطا كبيرا في وسط المتظاهرين ودفع ببعضهم إلى مهاجمة مباني إدارية للمستعمر من بينها مقر البريد الذي أضرموا فيه النيران.