يشهد العالم تطوّرات مهمّة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، حديث الأوساط العالمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد تطوير تطبيقاته في مجالاتٍ عديدة، ولا سيما مع تبنّي الاتحاد الأوروبي قانوناً شاملاً بهذا الخصوص، ومع أمر تنفيذي أصدره الرئيس الأميركي، جو بايدن، يدعو إلى مزيدٍ من الشفافية وتطبيق معايير جديدة في اعتماد التقنّيات ومجالات استخدامها. وفي بريطانيا، عُقدت قمّة دولية متعدّدة الأطراف عن السلامة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، جمعت 24 دولة، منها دول عربية احتلت المراتب الأولى في المؤشّر العالمي للذكاء الاصطناعي؛ الإمارات والسعودية وقطر. وهي تتبنى خططاً واستراتيجيات لتنويع اقتصادياتها، وبدأت الاستثمار في برنامج "AL" في الصحة والتعليم والإعلام والصناعة والقطاع المالي، وتحفيز القيمة الإنتاجية للشركات وتسريع الإنجازات في تشكيل بيئاتٍ مبتكرة، في حين تسعى الدول إلى امتلاك التقنيات بتفاوت، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية والاضطرابات الأمنية وضعف البنى التحتيّة. يُتوقّع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثيرٌ كبيرٌ على البشرية، ولا يمكن التنبؤ بما سيحمله، ومن دون أي فكرة عما قد ينتج من تغلغله في حياة مليارات الأشخاص. آخر التطبيقات، ما أعلنه إيلون ماسك عن أول عملية زرع شريحة دماغية، أظهرت زيادة في خلايا الدماغ العصبية (تيليباثي)، وشريحة أخرى (نيورالنيك) تساعد على قراءة الإشارات المرسلة. ما كان خيالاً علمياً، يتجه ليصبح بداية لواقع مستقبلي في تطبيقات برامج تحويل النص إلى كلام (مورف)، وجودة مقاطع الفيديو (هيتباو)، ومساعد كتابة يقود السوق بميزاتها وجودتها (جاسبر)، وما يتيح السيطرة على العالم بخلاف التوكيدات البشرية (توماس هوبز).
لا يمكن تخيّل إخفاقات مماثلة بعد شبكات التواصل الاجتماعي، فقد تفقد الإنسانية الأمل والأخلاق والتمكّن. وهو ما حذّر منه المسؤول الأممي أنطونيو غوتيريس بالدعوة إلى إعلان الذكاء الاصطناعي "تهديداً وجودياً لا يقلُّ خطراً عن الحرب النووية"، وتحذيرات من شخصيات مؤثرة مثل ستيف هوكينغ، وبيل غيتس، وإيلون ماسك، من مخاطر تعكس قلقاً متزايداً في المجتمع العلمي والتقني. هذه التحذيرات تشير إلى الحاجة إلى التوازن بين التقدم التكنولوجي والأمان العام وتطوير بروتوكولات سلامة مشتركة لضمان أن تكون الأنظمة الناتجة آمنة وموثوقة، ما يدخلها في جدل فلسفي (هارود غاردنر) عبر وجهات نظر مختلفة، بشأن أن تقود المغامرة بعيداً عن روح الحياة الطبيعة، ومن يقف وراءها من جماعات ودول، ومن يتحمّل مسؤولية ما تنتجه من حقائق وأحكام. كانت مساهمة الذكاء الاصطناعي في الإنتاجية محوراً رئيسياً في منتدى دافوس الأخير من خلال تحليل البيانات وتحديد الأنماط والرؤى التي تساعد الشركات على تحديد العقبات، وتحسين الكفاءة العامة، إلى دوره في الصيانة التنموية ومراقبة الجودة. فيما تشير التوقّعات المالية للإنتاجية إلى أرقام كبيرة؛ نحو 44 مليار دولار في عام 2024. تكتشف يومياً برمجيات وبرامج تثير النشوة أو الصدمة في ارتداداتها قطاعاً منافساً لسوق العمل وللعمال. وبحسب تقريرٍ لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن خطر هيمنة التكنولوجيا على قطاع الأعمال يقع في دائرة الأعمال التي تحتاج إلى مهارات منخفضة. النتيجة عالم بلا عمل، ناهيك عن الأزمات الاجتماعية في قطاعات، مثل السينما والمطاعم والتجمعات التجارية، ونقابات عمالية وقوانين عمل وضريبة سياسات تعليمية، وتغيّرات في مفهوم الدولة والسيادة، والعملات، ومنظورٍ ثقافيٍ وعلميٍ مختلفٍ عن الأفكار الروتينية في اللغة والمقدرة التقليدية. قد يقضي الإنسان الآلي (الروبوت) على نحو 95 مليون وظيفة في الشركات المتوسطة والكبيرة الحجم، خلال السنوات الخمس المقبلة. وتستحوذ منتجات أطلقت أخيراً، مثل "تشات جي بي تي"، على مخيّلة الجمهور، وتوفّر فرصةً للتفاعل مع ما يُعرف ب "الذكاء التوليدي"، الذي يمكنه تلخيص المعلومات من مصادر متعددة، وكتابة العروض التقديمية، والشعر والرسم والموسيقى والأبحاث الجامعية من دون تقديم توضيح ملموس للمخاطر والمكافآت المحتملة. وهو ما يقوم بتنفيذه فكر"ما بعد الحداثة" في أسئلة البحوث الكبرى والنظريات. استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، وما قد يؤدي إلى تطوير أسلحة مستقلة يمكنها اتخاذ قرارات بشأن الحياة والموت من دون تدخّلٍ بشريٍ، تثير مخاوف قانونية وأخلاقية، مثال ذلك ما يستخدمه الجيش الإسرائيلي المحتل في حرب الإبادة والقتل في غزّة ، لتحديد منصّات إطلاق الصواريخ ونشر أسراب الطائرات من دون طيار. فيما تحولت جبهات المعارك في أوكرانيا إلى ميادين لاختبار التكنولوجيا الحديثة، والحرب السيبرانية، والتواصل عبر الأقمار الاصطناعية، إذ استخدمت أسلحة ذكية تمثّل قدرات عالية على تغيير مسارات التطورات الميدانية. هذه التطورات تشير إلى بداية عصرٍ جديدٍ من الحروب، مما يثير تساؤلات عن تأثير ذلك على القانون الدولي وقواعد الاشتباك ودرجات الأمان، وسط مخاوف عميقة تجاه التقنيات والتقدم الذي تحرزه في استخدام مليارات البيانات والنصوص والصور، التي تشكل نماذج لقلب أنظمة وعلاقتها بمستقبل السلام. الذكاء الاصطناعي ليس وحده في هذه الثورة المعلنة، إذ يتم تداول مئات الآلاف من البرمجيات الحرّة في غياب آليات الرقابة والضوابط والتشريعات، والتي قد تشكل خطراً على قطاعات الطائرات والسيارات والأدوية والتعليم والتحول الأنثروبولوجي البالغ الأثر على الفكر الإنساني، وعلى نحو لا تراجع عنه، وبمعزل عن المكان، وعن التأكد من نوعية المعلومات ومصادرها ومضامينها الواقعية، والفائدة والمخاطر غير المتوقعة (رافائيل سيمون). بيئة جديدة مع إعلان البيت الأبيض، عن إطلاق معاهد بحثيّة جديدة للذكاء الاصطناعي، وتخصيص مليارات الدولارات لتمويل مؤسّسات ومبادرات البحث والتطوير، وفي مجالات المنافسة مع الصين، التي تروّج لخطط واستثمارات حول تطوير روبوتات الدردشة. لكنها تواجه تحديات في مجال تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية. السؤال: كيف سيتطور النقاش بين البشر والروبوتات، وكيف سيؤثر ذلك على سوق العمل والمجتمع بشكل عام. المتشائمون لديهم إجابة. لم يعرف بعد كيف تعلّم الآلات التخيل أو التوقع، وكيفية تعلم الأنماط الموجودة التخطيط بشكل ذكي. في وقت سابق، قال "عرّاب" الذكاء الاصطناعي، جيفري هينتون "إن بعض مخاطر روبوتات الدردشة الذكية مخيفة للغاية". هناك مخاوف من أن التطور غير المنضبط، قد يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللّة، ما يستدعي الحاجة إلى تعريف الهوية الإنسانية والقيمة الأساسية (كوزويل). قد يصل الذكاء الاصطناعي إلى نقطة يصبح معها قادراً، في عام 2045، على تجاوز كل ما يمكن تصوّره في سيناريو "ما بعد الإنسانية" (هانز مورفيك). المهم، هو العثور على التوازن المفقود الذي يحقّق الرفاه والسعادة للفرد، وإضفاء الطابع الديمقراطي، وإيجاد فرصٍ وشبكات أمان، والحد من تفاقم أنظمة التمييز والعنصرية، في وجود جهات تحاول استخدام الذكاء لفعل أمور سيئة أو منح الروبوتات القدرة على إيجاد أهداف فرعية، وسباق التسلح، والتأثيرات على الوظائف والأمن القومي والصناعات، وفي ظل مشكل معقّدة، مثل تغيير المناخ والرعاية الصحية، والعواطف كما في الروايات ذات النزعات المستقبلية. العربي الجديد