تحدث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن «إستراتيجيّة الإلهاء»، في سياق هدفها المتمثل بتحويل انتباه الجمهور عن القضايا المهمة والتغييرات الحاسمة، من خلال أسلوب غمر المشتّتات المستمرة والمعلومات غير المهمة حتى يبقى الجمهور مشغولا. وقال تشومسكي إن الإدارة الأمريكية تحترف هذا النوع من الممارسة تجاه شعوب الدول الأخرى. وفي الحقيقة لا تستهدف الإدارة الأمريكية الشعوب فحسب فهناك جزء من هذه الإستراتيجية مصمم لإلهاء النخب وصناع القرار وإدخالهم في متاهات لا نهاية لها وإبقائهم متعلقين بإمكانية حدوث تغيير ويتم استخدام سياسات الترغيب والترهيب بالطبع لخدمة هذه الإستراتيجية وبالنهاية يدرك الناس بعد سنين أنه لا رصيد لهذه السياسة سوى مزيد من التراجع والتورط لهم وتثبيت الخطط المضادة لهم ولشعوبهم. تهدف هذه السياسة إلى تثبيت أو الحفاظ على الوضع الحالي على الأقل لتمرير مخططاتها بهدوء وتفريغ غضب أو حماس الطرف الآخر من خلال المراهنة على الوقت لتغيير المدخلات. كما أنها تخلق الانقسامات بين رافض ومؤيد لها وهي في الحقيقة لا تقدم شيئا ملموسا يمكن البناء عليه. والخطر الأكبر أنها تتلاعب بالعقول فهناك الكثير من النخب آمنت بأوهام السلام الأمريكي والرعاية العادلة للمباحثات وبالأخير اتضح أنها ليست كذلك. من بين القصص التي باتت محروقة في سياسة الإدارة الأمريكية هي سياسة الخطوط الحمراء حيث أثبتت التجارب أنه لا خطوط حمراء ثابتة، بل خطوط قابلة للتحرك بما يخدم تضليل الضحية المستهدفة وزيادة عمر خطط الإلهاء. وفي كل مرة تكون هناك ذرائع جاهزة قابلة للتكاثر وهناك كباش فداء لا مانع من تحميلهم المسؤوليات لضمان استمرار سياسة الإلهاء الممنهج. مارس نتنياهو هذا الدور من خلال عدم تحديد خططه السياسية لليوم التالي ومارست إدارة بايدن هذا الدور من خلال توفير غطاء سياسي ودولي له. هناك كثير من الأدلة الدامغة التي يتم إخفاؤها بكثير من المواقف غير الحقيقية والكثير من الجمل المنمقة، ولكن وقفة بسيطة أمام المواقف الفعلية لا النظرية تجعلنا نقف أمام الحقيقة المجردة وهنا لا ننسى أن الإدارة الأمريكية هي من أحبطت أول مقترحات لوقف إطلاق النار من خلال الفيتو الذي قدمته كهدية لنتنياهو. هناك أيضا ملف الرصيف العائم الذي أعلنت الإدارة الأمريكية أنه سيتم إنشاؤه لمساعدة سكان غزة وتم تسويق القصة والترويج للمعدات البحرية وهي في أعالي البحار وصولا لتركيب بعض المعدات التي لم تعد موجودة الآن ليكتشف أنها فقط تخدم سياسة الإلهاء. لكن مع كل يوم يزداد الضغط على صناع هذه السياسة مما يقلل خياراتهم. النقطة المهمة هنا هي أن جميع النخب في المنطقة والحريصة على مستقبلها لا بد أن يكون لديها ما يسمى بجهاز فحص الإلهاء في كل خطوة تأخذها الإدارة الأمريكية حتى يتم التأكد منها ولا يتم التسليم بها كما تروج لها الإدارة الأمريكية لأن اكتشاف ذلك بعد فوات الأوان أو بعد وقت متأخر يكون الطرف الآخر قد صنع حقائق على الأرض يصعب تغييرها. وبما أن الوقت حاسم هنا يمكن النظر في الجداول الزمنية شبه المفتوحة للوعود المرتبطة بهذه السياسة وهنا نستذكر مثال مفاوضات الحل النهائي التي تبين أنها مفاوضات الحل اللانهائي لرسم حقائق اللاحل. الشرق القطرية