تسرد الكاتبة في النص قصة صحفي تلخص مأساة الإنسان الجزائري، في ظروف مقدرة عليه حينا، ومن صنعه حينا.. وعنوان النص ( وطن من زجاج) يفرض على القارئ، أن يعتمد قراءة ما بين السطور كما يقال حتى يحيط ببعض الجوانب، التي أبت الكاتبة إلا أن تلمح إليها تلميحا، وتدع للقارئ فرصة التأمل والتقصي للغوص في أعماق الحبكة، وهو ما يضفي على النص، نوعا من الجمال في السرد وبناء الحدث.. فالزجاج: يوحي أول ما يوحي بالهشاشة والرهافة، فهو أضعف من قشرة القطمير.. يتوجب التعامل معه بحذر ومهارة ولين.. وفي هذا المعنى، يقول أحد الكتاب ما معناه: " ليس صعبا استرجاع استقلال شعب، ولكن من الصعب الحفاظ على هذا الاستقلال".. ومن جهة ثانية يوحي الزجاج بالشفافية والوضوح.. فهل معنى ذلك أن فكرة الوطن، لا تحتاج إلى توضيح، ولا تقتضي الجدال لأن الوطن أمر مقدس، هو فوق كل المواطنين.. تقول الكاتبة بلسان " عمي العربي" وهو أحد شخوص النص: ( الوطن حقيقة يجب الإيمان بها. يا بني! الوطن ليس رئيس الجمهورية، وليس الحكومة، وليس الغليلان السياسيين... ولا الخونة، ولا الإرهابيين.... الوطن هو ما نتنفسه وما نستشعره). " والزجاج هو كذلك الاختراق. وبالتالي لا يخفي شيئا. وهنا المشكلة. وهي أن التنافر والتدابر الواقع بين أبناء الوطن، كان السبب في فضح خصامهم، بحيث صاروا على كل لسان وخاصة لدى أعدائهم ما ولد ضدهم تهمة كبيرة هي بمثابة وصمة من يقتل من التي تلذذ بها الإعلام الغربي خاصة، والعربي الجاري وراء شعلة الأضواء والعمالة.. وهو كذلك الأمر الذي صب الزيت على النار في بيت الجزائر، حتى فقد الجزائريون ثقتهم حتى في دولة بلدهم التي يرون فيها الوطن هي قصة هذا الصحفي الذي يتساءل: " من أنا؟" لما أراد أن يكتب.. وتعود بنا إلى أصوله. فهو سليل إحدى الأسر الإقطاعية في الجزائر. كان ميلاده ثمرة زواج حب بين أبويه. ولكن من سوء طالعه، أن يأتي إلى الحياة في اللحظة التي تفقد فيها أمه الحياة... فيقابله أبوه بالنقمة عليه.. ويكرهه.. فيتولد في أعماقه شعوره بالاضطهاد.. خاصة لما يقرر أبوه الانسحاب من أجواء البيت الذي " يسيطر عليه الجد بطرقة مطلقة".. يشب البطل متأثرا بأفكار معلمه في القرية، فينقم على الأوضاع، لما يستشعر الرأفة من هذا المعلم وزوجته... وعندما يجد نفسه في العاصمة تتبدى أمامه الأمور بشكل أكثر وضوحا. " كنت أعلم أنني خرجت من قرية صغيرة بائسة، لأدخل إلى قرية كبيرة أكثر بؤسا". يصطدم بمظاهر أكثر بؤسا، يرفض الانصياع لها، نظرا لتكوينه الأولي، فهو من تلك الفئة التي كانت في فترة السبعينات، تعرف “البورجوازية الصغيرة" أو طبقة المثقفين العمال" فكر معلمه "البروليتاري". انخرط في مهنة الصحافة لما رأى أنه يجب أن يكتب.. ولكن.. ما أكتب؟ " كنت صحفيا في مدينة، تبيع الصحف للناس كي يمسحوا بها زجاج سياراتهم، أو زجاج الشبابيك المغلقة". ص56.. وخلال ذلك تشتعل سنون الجنون الأرعن في الجزائر، ذاك الزمن الذي منع فيه الصحفي أن يعلن عن نفسه أمام الناس. وصار يزور أهله خفية عن أعين الرقباء وتربص الحراس الجدد للدين والأخلاق.. كان يرى في كل يوم أحد معارفه، يختفي في انجاز قنبلة، أو سيارة مفخخة.. إلى أن يصطدم في ذاك اليوم بصورة لضابط قضى في انفجار السيارة أمام المقر المركزي للأمن.. هذا الضابط خطيب حبيبة البطل ولكن حب من جانب واحد.. اعتمدت الكاتبة في بناء النص طريقة الاسترداد.. فبدأت النص انطلاقا من: جلسة بين الطل وصديقه " عمي العربي" الذي ألف أن يحكي قصته لمعارفه، ولا يمل من تكرارها، وإعادتها وهو يلتهم سيجارته مع قهوته.. ثم راحت تسرد باستعمال ضمير المتكلم غالبا بلسان البطل الراوي، ما يجعل النص أشبه بسيرة ذاتية ثم عادت من القرية الصغيرة بالريف الجزائري. هذه القرية التي سميت باسم يعود لجد البطل " قرية جنان الحاج عبد الله".. لأن الجد يمتلك كل الحقول التي تتواجد في محيطها، ويزيد على ذلك، أنه معيل أسرها، بتشغيل أرباب هذه الأسر "كخماسين" عنده.. ولكن دوام الحال من المحال كما يقال إذ تنقلب الأوضاع، بعد مرض الجد، وفرار كل الخماسين عنه.. فيحتال عليه عمدة البلدية رئيس البلدية ليشتري أملاك الحاج جزءا فجزءا، ويختم الصفقة بشراء البيت فيجد الشاب ذو التسعة عشر عاما نفسه، وريثا لحقيبة يحزمها ليسافر إلى العاصمة... عادت الكاتبة إذن بالقارئ إلى العاصمة، إلى نفس المكان نفس المقهى الذي كان البطل يلتقي فيه برفيقه " عمي العربي" فيجد المقهى، قد تحول قاعة شاي، ويعرف من صاحبها أن عمي العربي، قد تم اختطافه، ولم يعد له وجود... طريقة الكاتبة هذه سرد الأحداث على شكل حلقة مكنتها من أن تجمع في الحوار بين عمي العربي والصحفي، بين فترتين متشابهتين في الفعل، ولكنهما مختلفتان في المبدأ.. في عهد الحركة الوطنية، وثورة التحرير الكبرى، كان المسبلون والفدائيون، يصفون العملاء والخونة، من أجل محاربة الغازي المحتل، ومساندة الثورة. وكان المعمرون يسمونهم "إرهابيين" أو "فلاقة".. وكان ذلك مما يُشعر بالفخر والاعتزاز.. أجاب العربي بن مهيدي أحد أبطال الثورة، مجيبا :" أعطونا طائراتكم، نعطكم قففنا بقنابلها". ولكن كيف كان على الصحفي هذا أن يكتب لما يتعلق الأمر بالجزائري الذي يفخخ سيارة ويفجرها وسط المارة من الجزائريين في الشارع... لقد أدرجت الكاتبة ظاهرة عاشها الجزائريون بوجهين اثنين.. ففي فترة من الفترات. كان فئة من الناس قد " تفرعنوا" وجعلوا كل شيء في صالحهم. ولا شيء لغيرهم. عندما يسأل الجزائري:" من أنت؟".. يجيب بعفوية:" أنا؟ والو.. " وعندما يجملون الحكم يقولون:" Alge rien "، وقد شخصت ذلك في ابن أحد المسئولين.. ولكن سرعان ما انقلب على عقبيه، لما تغيرت الأوضاع، وما هو إلا نموذج لرهط كبير من أمثاله، الذين يرقصون لكل مطبل. ولا تزال الجزائر تعاني أفعال هؤلاء. وقد نتج عن محن البلاد، من يسمون “الأثرياء الجدد".. بقي أن أشير إلى أن النص تخللته أخطاء وهي ربما ناجمة عن عدم مراجعة النص كما يحدث مع الكثير ممن يكتبون يكفي العودة إلى متن النص لتبين ذلك..