يجتهد الكثير في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك في العبادة و التقرب إلى الله للظفر بليلة القدر التي قال عنها القرآن الكريم " لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" إذ تفتح فيها أبواب الخير و العتق من النار، ورغم أنّ هناك من الأحاديث النبوية الشريفة التي شرحت أن ليلة القدر ليلة مخفية ليست محددة في ليلة معينة إلا أنّ العادات والتقاليد الجزائرية، تجعل من ليلة السابع و العشرين من شهر رمضان هي ليلة القدر أو ليلة القرآن كما يذكرها بعض كبار السن. أسماء زبار ومع اقتراب ليلة السابع والعشرون من رمضان تبدأ تحضيرات على غير العادة لهذه الليلة العظيمة، ولعلّ أهمها ختان الأطفال، فالكثير من الأسر الجزائرية تقوم بختان أطفالها في هذا اليوم، حيث تحرس العائلات في هذه المناسبة على القيام بها في خاصة وأنّها مناسبة دينية، في الشهر العظيم. .. الختان في ليلة القدر تيمنا بالشّهر الفضيل وفي الموضوع قالت السيدة مليكة، "ختان الأطفال في ليلة القدر من التقاليد العريقة التي لا تزال الأسر الجزائرية متمسكة بها، بل هناك الكثير ممن يفضلون ختان أولادهم خصيصا في هذه الليلة المباركة، ويتم فيها دعوة الأهل والأحباب للإفطار والسّهرة في أجواء دينية تعمها الفرحة بالطهارة"، ومن جهتها قالت السيدة ليلى " طهرت ابني ليلة القدر لأنّها ليلة مباركة" وأضافت السيدة " قمت بدعوة الأهل والجيران لإقامة حفلة صغيرة في السّهرة، ووضع الحنة للابن". ومن جهتها قالت أحلام في الموضوع "تغتنم بعض العائلات الجزائرية هذا الشهر الكريم وبالخصوص العشر الأيام الأخيرة من أجل ختان أولادها، حيث تحضر فيها الحلويات التقليدية لتضفي جوا خاصا ليست كباقي السهرات العادية، والذي يعد من تقاليد الجزائر العميقة أو ما يسمى بالعامية بالطهارة تيمنا بهذا الشهر الفضيل والذي تعتبره العائلات فأل خير خصوصا إذا تزامن موعد الختان مع ليلة القدر وهي عادة جزائرية متوارثة عبر الأجيال". أما السّيدة فاطمة الزهراء صاحبة ال 55 سنة فقالت أنّ الختان ليلة السابع والعشرون عادة توارثها الجزائريون أبا عن جد، ولحد الآن لا يزال الكثير متمسك بها وبالتقاليد التي تقوم بها الأمهات والجدات للطفل، حيث توضع لهم الحناء و توضع الشموع المزينة، وتتعالى الزغاريد، والمدائح الخاصة بهذه المناسبة، ليكون الطفل هو عريس السهرة بلباسه الخاص بالختان الذي يزيده جمالا، ويحض باهتمام الكبير والصغير، حتى ينسى ألم جرحه، كما تقدم له المبالغ المالية التي نسميها ب "التاوسة" من طرف الأهل والأحباب. وأضافت السيدة فاطمة الزهراء " تقوم امرأة من أقارب الطفل وفي الغالب تكون "الأم أو الجدة " بوضع الحنة في قصعة مزينة بالشموع و تقوم الجدة ببلها بماء الزهر، حتى يكون له حظ في الحياة كما يعتقد ناس زمان ثم وضعها في يدي وقدمي الطفل العريس، تردد ابتهالات دينية " الصلاة على النبي"، تعلوها زغاريد النسوة اللاتي يشرعن في تقديم الهدايا، و عادة ما تكون نقود، و هذا لإدخال الفرحة في قلب الطفل العريس". الطربوش ..القندورة والبابوش من ضروريات الطهارة "الطربوش، والقندورة والبابوش، والسروال مدور، الأقمصة والبرنوس" تعرف هذه الملابس التقليدية إقبالا كبيرا في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، وتزامنا مع ليلة القدر أين يقوم الكثير من الجزائريون ختان أطفالهم، حيث يقبلون على شراء هذه الألبسة الخاصة بهذه المناسبة، رغم الغلاء الذي تعرفه هذه المستلزمات إلا أنها ضرورية خاصة إذا أقيم حفل الطهارة وهنا يستلزم على العائلة شراء أكثر من بدلة. فالختان سنة حميدة أمر الله عَزَّ و جَلَّ بها و فرضها على الذكور خاصة، فقد روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أنه قال: " إِنَّ مِنْ سُنَّتِي وسُنَّةِ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي النِّكَاحَ والْخِتَانَ والسِّوَاكَ والْعِطْرَ"، ويؤكّد الفقهاء بأنّ للختان عملية صحية تقي الطفل قبل كل شيء من الأمراض الخطيرة مثل السرطان، لأن قطعة الجلد تلك أو كما تسمى ب " الغلفة " قد تكون منبتا خصبا لإفرازات تؤدّي إلى أمراض مميتة. .. الجمعيات وحفلات الختان الجماعي تتكفل العديد من الجمعيات الخيرية وعبر كامل التراب الوطني بإقامة حفلات ختان جماعي للصغار وسط أهازيج الزرنة وزغاريد العائلات التي لم يسعفها مالها ولم تمكّنها قدرتها الشرائية من الاحتفال بولدها، غير أن التكافل الاجتماعي داخل المجتمع الواحد لم يمنع الصغار وأهليهم من فرحة الاحتفال ب"الطهارة"، حيث توزَع عليهم الهدايا ومبالغ مالية معتبرة تزيد من بهجة وسعادة الجميع، الصغار منهم والكبار. .. فوضى كبيرة في عمليات الختان بمستشفى مصطفى باشا انطلق مند ال 15 من شهر رمضان سباق محموم لحجز مواعيد ختان الأطفال، هذه العملية التي تحرص غالبية العائلات الجزائرية، كلّ الحرص أن تتزامن وليلة ال27 من رمضان، نظرا لقدسية هذه اللّيلة لديها، وهو الأمر الذي خلق جوّا من الفوضى والتوتر على مستوى أغلب مصالح جراحة الأطفال، عبر مستشفيات الوطن خاصة العاصمة، وتعتبر الكثير من العائلات إن لم نقل أغلبها، شهر رمضان المبارك، خاصة ليلة ال27، أفضل مناسبة لختان أطفالها، وفق ما تنص عليه عادات المجتمع الجزائري، التي تقتضي أن يقام للطفل احتفال بالمناسبة، في أجواء رمضانية عائلية مميزة، وهو الأمر الذي جعل كلّ الراغبين في ختان أبنائهم، يطالبون المصالح الاستشفائية المعنية بحجز موعد العملية بالتزامن مع ليلة ال27 من الشّهر الفضيل، حيث يصل عدد المتوافدين على هذه المصالح إلى ما يزيد عن ال60 شخصا في اليوم الواحد، كلّهم متمسّكون بليلة القدر المباركة، كتاريخ لختان أبنائهم، رغم أنه يمكن القيام بذلك خلال سائر أيام السنة، إذ لا يوجد في دينا الإسلامي الحنيف، ما يقيد هذه العملية بليلة ال27 من رمضان. بسبب الضغط.. "المعريفة" تأخذ دورها في تسجيل الأطفال أو تأجيلهم وأمام كثرة الطلب وإصرار أغلب المواطنين على تزامن موعد العملية مع ليلة 27 أخذت "المعريفة" دورها المعهود في ترتيب التواريخ والمواعيد، وتحديد من يسجّل خلال التاريخ المطلوب، ومن يؤجّل إلى سواه، ما خلق سخطا وغضبا في أوساط المواطنين، الذين اشتكوا كثرة تدخل مختلف الأطراف، الذين لا علاقة لهم بالعملية، في تسجيل المواعيد، بداية من عمال النظافة، مرورا بالممرضين، ووصولا إلى الأعوان الإداريين والأطباء، فخلال جولة استطلاعية بمستشفى مصطفى باشا، حدثتنا إحدى السيدات، عن امتعاضها من عاملة التنظيف، مؤكّدة أنها منعتها من الدخول لأخذ موعد من أجل ختان طفلها مجيد البالغ من العمر 4 سنوات، وقالت لها ارجعي في الغد وعندما حاولت الاستفسار قالت لها " لو كان جيتي جونتي نعطيك رونديفو"، ومن جهتها أكّدت السيدة فتيحة أنّ أخذ موعد لختان الطفل في ليلة 27 يتم ب"المعريفة"، والمواطن العادي عليه أن لا يحلم بختان ابنه في هذه الليلة المقدسة. مستشفى مصطفى باشا الأكثر ضغطا ب100 عملية ختان أكدت لنا طبيبة مناوبة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أن هذا الأخير قبلة معظم العاصميين حيث يقوم المستشفى بإجراء أكثر من 800 عملية ختان في كل رمضان من كل عام، واصفة ليلة 27 بالمعضلة حيث تشهد إجراء أكثر من 100 عملية ختان، ناهيك عن استقبال حالات النزيف الدموي الذي يتعرض له عدد من الأطفال، الذين أجروا العملية في مستشفيات أخرى، أو على الطريقة التقليدية من قبل شخص ليس جراح مختص، كما أضافت المختصة أن ما يجعل الضغط أكبر على مستشفى مصطفى باشا، هو أنّ المواطنين في العاصمة، يفضّلون القدوم لختان أطفالهم بهذا المستشفى، رغم وجود مستشفيات في أحيائهم كمستشفى باب الوادي، بارني، وغيرهما