يعلن العدد الافتتاحي من مجلة "دراسات فلسفية" بداية مغامرة ثقافية لم تشهدها الحياة الفكرية الجزائرية منذ سنين طويلة. ربما هي بداية لتجاوز تلك المفارقة العجيبة، إذ من جهة يوجد عدد هائل من جامعات الفلسفة (20) فضلا عن حضور الدرس الفلسفي في الجزائر منذ الاستقلال (1962)، لكن الدارس يلاحظ في المقابل شحا كبيرا في الإنتاج الفلسفي وشبه غياب لأسماء جزائرية كبيرة في سماء الفلسفة العربية! المجلة من إصدار الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية التي تأسست سنة 2012 وتحاول أن تنشئ فروعا لها في مختلف أنحاء الجزائر، قامت بنشاطات كثيرة فنظمت ندوات وملتقيات وجدت استحسانا وإقبالا لدى الأساتذة والطلبة والمهتمين بالحياة الفكرية عموما. من أهداف الجمعية، على قول رئيسها الدكتور عمر بوساحة، ممارسة النقد الثقافي وإثراء الحياة الثقافية الجزائرية وإخراج الفلسفة من الجامعة والدفع بها لمناقشة القضايا والإشكاليات التي تهم الرأي العام الجزائري. كما تعمل الجمعية على نشر الفكر الفلسفي وتدعيم الإبداع الفكري عموما، بالإضافة إلى تصحيح مفهوم الفلسفة لدى أكبر عدد ممكن من الناس وتعريفهم بأهميتها الحضارية وبأعلامها. أما عن المجلة وأهدافها فيقول مديرها الدكتور عبد الرحمن بوقاف في مقدمة العدد: " عندما نستحضر أسماء ابن رشد وفعاليات التنوير فإن الوعي يستحضر حداثة عطلت أو أصيبت بالتوقف عن العطاء في ثقافتنا، التي عرفت في تموجاتها التوتر الجدلي بين العقل واللاعقل حيث كانت الغلبة لهذا الأخير، ولا أدل على ذلك من الوضع المزري والقلق الذي نعيشه". المجلة "هي محاولة لإعادة شق الطريق الذي دشنه العقلانيون التنويريون أمثال ابن رشد وكانط". يحتوي العدد على مداخلات متنوعة بأقلام نخبة من الأكاديميين من الجزائر وتونس والمغرب والسودان، متسائلة عن إمكان وجود فلسفة عربية، ونقرأ بحثا طريفا وعميقا حول لاهوت التحرير في الفكر العربي المعاصر (حسن حنفي نموذجا) وسؤال الحداثة السياسية في فكر محمد أركون، ودراسة حول الفلسفة وسؤال الثورة، وأخرى حول الاستشراف بين مركزية الأنا الغربية والانفتاح على الآخر. وفي الفلسفة الغربية نقرأ عن منزلة المخيلة في التصور الكانطي للإنسان وعن هايدغر قارئا نيتشه، وحوارا ممتعا مع الفيلسوفة الفرنسية آن فاغو-لارجو حول البيوإتيقا.