ما يزال هاجس الأخطاء الطبية يلاحق الأطباء المختصين، حيث كشف المجلس الوطني لأخلاقيات الطب أنه تم تسجيل 300 شكوى في السنوات الأربع الأخيرة، أودعت في 12 مجلسا جهويا في الوطن، منها 100 شكوى تتواجد في أروقة العدالة. وأوضح بقاط بركاني، رئيس المجلس في حديثه للحصة الإذاعية "ضيف التحرير"، أن المؤسسات الإستشفائية العامة تسجل أكبر عدد من حالات الأخطاء الطبية بالمقارنة مع المصالح الخاصة، وذلك بالنظر إلى الظروف التي يعمل فيها الأطباء. ويرى بركاني أن المطالبة بعدم تجريم الأخطاء الطبية فكرة منبثقة في الأساس من مبدأ أن العمل الطبي مهنة نبيلة، تهدف بالدرجة الأولى إلى معالجة الإنسان، كما أنه لا يمكن إدراج الطبيب ضمن فئة الجانحين أو المجرمين، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة التهرب من المسؤولية المهنية للأطباء. وقال بقاط، الذي حل اليوم ضيفا على القناة الثالثة، إن عدم التجريم ينفي عدم معاقبة المقصرين في مهنتهم، لأنهم ملزمون أمام القانون وبعقد معنوي أيضا، فالطبيب مسؤول على أفعاله، وعليه تحديد كل ما يجب أن يتخذه خلال التشخيص وأيضا في ميدان المعالجة الطبية أو الجراحية، وهو ما يوجب تحديد مفهوم الخطأ الطبي برؤية حديثة. وأوضح بقاط أنه يجب تحديد المفهوم الصحيح للخطأ الطبي، والتفريق بين الخطأ والتقصير الطبي الذي يندرج تحته الإهمال وعدم الكفاءة أو عدم تقديم المعارف الطبية لمعالجة المرضى، فتحديد المفاهيم سيساعد على تحديد المسؤوليات من خلال العدالة، التي ستتمكن هي الأخرى من تحديد الخسائر وإعطاء الحقوق. ومن بين أسباب الدعوة إلى عدم تجريم الخطأ الطبي، أشار البروفيسور إلى أن التقارير الطبية التي تجرى حاليا تقام من طرف أطباء ممارسين غير مختصين، وهو ما ينافي القانون 90/17، الذي ينص على أن تقام التقارير من طرف خبراء معترف بهم ومعينين من طرف مجلس أخلاقيات الطب، وبما أن الخبير في القضايا الطبية هو الذي يوجه ويرشد القاضي أو المجلس التأديبي إلى الحكم، فإن معظم الأحكام تأتي مجحفة في حق الأطباء، لاسيما في القضايا التي تتعلق بالأطباء المختصين في الأمراض العقلية، الذين غالبا ما يقعون ضحية ممارسات مرضاهم . ومن جهة أخرى، أشار بركاني إلى أن توفير الظروف المهنية والاجتماعية اللازمة لهؤلاء يمكن أن يحد من ظاهرة الهجرة إلى القطاع الخاص أو إلى الخارج، وهو الوضع الذي يجب تصحيحه بإعادة استقطاب الكفاءات العاملة في أوروبا، لاسيما في فرنسا التي تحتضن عددا هاما من كبار الاختصاصين الجزائريين.