ما فعله المنتخب الجزائري بالنساء والرجال والأطفال والشيوخ، وبالبسطاء والوزراء وكل المؤسسات والهيئات لم يفعله أحد ولم يصنعه حدث في تاريخ الجزائر، حتى صار المنتخب “غولا“ نخاف أن تدور الدائرة ويأكلنا بعد “المونديال“ عندما نعود من جنوب إفريقيا وننزل من السحاب، ونعود إلى واقعنا الكروي والرياضي، ونجد أنفسنا في شهر سبتمبر أمام بطولة هاوية وواقع رياضي مرير و”سيستام” قديم وعقيم. المنتخب لملم شملنا مجددا ووحدنا ورفع رؤوسنا، والشعب الجزائري منح المنتخب والوطن حبه وعشقه وتقدير، وثمن جهده فكانت الخدمة متبادلة، لكن التطرف والغلو في العشق حتى الجنون والاكتفاء بالتأهل فقط واستغلاله سياسيا واجتماعيا، قد ينعكس سلبا على كل مناح الحياة عندنا وتتحول النعمة إلى نقمة والتفاؤل إلى تشاؤم، وتكون الصدمة على أبنائنا شديدة “ويأكلنا الغول“. ورغم إرادة الدولة على أعلى مستوى في إعادة بعث كرة القدم والرياضة الجزائرية، إلا أن “السيستام“ والمنهج المتبع في التنظيم والتكوين والتسيير هو الذي يعيق كل التحولات، وهو الذي سيمنعنا من الاستمرار في التكوين وإعادة التأهيل وتحقيق النتائج، وسنجد أنفسنا بهذه الوتيرة نلعب في المنتخب بلاعبين من أوربا وحراس المرمى فقط من البطولة الوطنية، وستكون بطولتنا أسوء مما هي عليه اليوم وسنجد أنفسنا بعد “المونديال“ كما كنا قبله وربما في أسوء حال. -كرة القدم الجزائرية يجب أن تدخل عالما آخر (الاحتراف) بأفكار وفلسفة ورجال جدد إن اقتضى الأمر، وبإمكانات أكبر تتوفر عليها بلادنا ولا نبخل بها على أبنائنا. والاحتراف هو منهج وأسلوب عمل وتفكير وثقافة يلتزم بها الجميع في كل المواقع. جماهير الكرة عندنا يجب أن تعي بأن كرة القدم لم تعد لعبة وليست فوزا فقط أو خسارة، وليست مشاركة في “المونديال“ أو تتويجا بالكأس بل هي فرجة ومتعة وثقافة، وجهدا وعطاء وبذلا وصبرا على الصعاب والمحن. - الرياضة الجزائرية يجب أن تستفيد هي أيضا من هذه النقلة وهذا الوعي بأهمية الممارسة في حياة الشعوب، وأن تنعكس هذه الروح على كل الرياضات وفي كل الأوقات والمناسبات وتستفيد من الإمكانات التي تتوفر عليها بلادنا. - الجزائريون كل في موقعه يجب أن ينعكس على حياتهم هذا التألق الكروي ويدركوا حجم قدراتهم وإمكاناتهم في تحقيق المعجزات، وأن حب الوطن من أبرز وأهم عوامل النجاح ولكنه لا يكفي لوحده. - الاستثمار الأمثل اجتماعيا وتربويا يبدأ من الذات إلى الأسرة ثم المدرسة والشارع والنادي والمؤسسة، لتنتشر ثقافة الجهد والعمل والنجاح بين كل الأوساط وفي كل المجالات، حتى لا تبقى الجزائر مرادفة لغول اسمه منتخب كرة القدم فقط. - تثمين الجهد والتفوق يجب أن لا يقتصر على المنتخب من الجانب المادي، بل يتعداه إلى كل الجوانب المعنوية والروحية في كل المجالات حتى لا يصيب الإحباط كل المتفوقين والمتألقين في ميادين أخرى، ولا يعتقد أبناؤنا أن كرة القدم هي المجال الوحيد للتفوق. - الدولة من خلال مؤسساتها مسؤولياتها أكبر وأضخم بالاستثمار فورا في هذه الروح السائدة، وهذا التجاوب الجماهيري داخل الوطن وخارجه لكل أبناء الجزائر من أجل رسم معالم المشروع الرياضي المحترف، الذي نريده متجانسا مع مقوماتنا وقدرات شبابنا ومشابها لما يحدث في العالم المتقدم. - في “المونديال“ سنتألق دون أدنى شك لكن يجب أن لا تكون نهاية المطاف، بل بداية لمسيرة وتحديات أخرى لجيل يحتاج إلى نظام وتنظيم و“سيستام“ حديث، ويحتاج رجالا ومسيرين ومكونين جددا وموارد ومرافق حديثة تسير بآليات مختلفة. المنتخب الغول إذا لم نروضه سيأكلنا كلنا، وقبل ذلك هو يخيفنا اليوم في ظل غياب بوادر التغيير.