روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) حسن لغيره. وروى الإمام أحمد أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: (يا عليُّ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة) حسن لغيره. وروى الإمام مسلم عن جرير بن عبد الله، قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجَاءة، فأمرني أن أصرف بصري). ومعنى (نظر الفجأة) أن يقع نظره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه في أول ذلك، فيجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال، فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم. وما أكثر المناظر التي أصبح من المحتم غض النظر عنها؛ فالقنوات الفضائية (الشيطانية) التي يتقن القائمون عليها فن الإغراء والإغواء، باختيار الوجوه الحسان، والأجساد شبه العارية، والأصوات الناعمة، وغير ذلك من المغريات والمفتنات، حتى أصبحت مجاهدة النفس على غض البصر من أهم المهمات، وآكد الواجبات، وصار الفشل فيها لدى الشباب ذريعة إلى الوقوع في الفحشاء والمنكر، والانقطاع عن عمل الخير، وضعف تأثير العبادة كالصلاة والصوم، وسبب لكثير من المعاناة والضيق وكدر الحياة. ولغض البصر عما حرم الله جملة فوائد، منها: - أنه امتثال لأمر الله تعالى الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده. - أنه يمنع وصول أثر السهم المسموم، الذي ربما كان هلاك قلبه فيه. - أنه يورث القلب أنساً بالله سبحانه؛ لأن غض البصر لا يكون إلا باستحضار الخوف من الله، وعملاً بما نهى عنه، وهذا الاستحضار هو بمعنى ما ذكر لله، وقد قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد:28). - يقوي القلب ويفرحه، كما أن النظر إلى المحرمات يُضعف القلب ويحزنه. - يكسب القلب نوراً، كما أن إطلاقه يورثه ظلمة، وقد قال بعض السلف: (من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته). - يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل، والصادق والكاذب. - يورث القلب شجاعة وقوة، فيجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة، وسلطان القدرة والقوة. - يسد على الشيطان مدخله إلى القلب؛ فإنه يسرع إلى القلب مع النظرة أسرع من الهواء إلى المكان الخالي. - يفرِّغ القلب إلى مصالحه، والاشتغال بها. وعليك أيها الشاب المؤمن ألا تيأس ولا تستسلم، ولو أغراك الشيطان فحملك على الدخول إلى موقع إلكتروني، أو سول لك النظر إلى صورة خليعة، أو فتاة فاتنة، بل عليك أن تلزم الاستغفار، وتجعله على لسانك ليل نهار، ولا تحرم نفسك من الانضمام إلى قافلة {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران:17)، فللاستغفار سر عجيب، من محو آثار النظر، وصفاء القلب، وتجديد العزيمة، وبسط سلطان السعادة على النفس، والحمد لله الذي شرع للمؤمنين التوبة، وحفَّزهم على الاستغفار، ووعدهم بالعفو. والمؤمن مأمور بغض بصره عما حرم الله عليه في الأحوال والأزمان كافة، ويكون الأمر آكد في شهر رمضان؛ إذ هو شهر العبادة، وشهر التقرب إلى الله سبحانه، فلا يليق بالمؤمن أن يفعل في هذا الشهر ما يبعده عن ربه، وهو أحوج ما يكون قريباً إليه.