نشرت : المصدر موقع "الشروق" الجزائري الأحد 09 ديسمبر 2018 09:31 أطلقت الشرطة الفرنسية وسط باريس الغاز المسيل للدموع في سبت جديد من احتجاجات "السترات الصفراء" وأغلقت المعالم الرئيسية في المدينة وألغت مباريات الكرة. وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب اعتقال المئات، كما جرت اعتقالات في بروكسل أيضاً. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لإبعاد مئات المتظاهرين، الذين احتشدوا حول منطقة التسوق الراقية وقوس النصر وسط العاصمة الفرنسية، وسط هتافات "ماكرون، استقل" قرب الشانزيليزيه، الذي شهد السبت الماضي أسوأ أعمال شغب تجتاح باريس منذ عقود. وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب أنه تم اعتقال 700 شخص، في باريس، في وقت نفذت الشرطة عمليات تفتيش استهدفت الأشخاص الواصلين إلى محطات القطارات وفي المواقع التي تركزت فيها الاحتجاجات على غرار الشانزيليزيه ونصب الباستيل، وبين المعتقلين عشرات تم توقيفهم بعد ما عثرت السلطات بحوزتهم على أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة، فيما قال نائب وزير الداخلية، لوران نونيز، إن نحو 31 ألف شخص انضموا إلى احتجاجات "السترات الصفراء"، في شتى أنحاء فرنسا. ونشرت السلطات الفرنسية 89 ألف رجل شرطة فى مختلف أنحاء البلاد، بينهم 8 آلاف في باريس، مدعومين بعربات شرطة مدرعة، وهو الإجراء الأول من نوعه منذ اندلاع الاحتجاجات. وتراجعت الحكومة عن فرض زيادة الضريبة على الوقود، وهو الإجراء الذي أشعل الأزمة بالأساس، غير أن ذلك لم ينجح في وقف حركة لا قادة لها. ولكن المتظاهرين البارزين يصرون على أنهم سيصلون باريس على أي حال، وتحدثوا عن مطالب أوسع بما في ذلك خفض اكبر للضرائب وزيادة الأجور. الشرطة البلجيكية توقف 50 من محتجي "السترات الصفراء" وأغلق أصحاب "السترات الصفرات" في بلجيكا الطريق السريع المؤدي إلى فرنسا، فيما أوقفت الشرطة البلجيكية نحو 50 شخصًا في العاصمة بروكسل. وقال مراسل الأناضول إن أصحاب "السترات الصفرات" الذين يتظاهرون بسبب زيادة أسعار الوقود وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، أغلقوا الطريق السريق (E-40) الواصل بين بلجيكاوفرنسا أمام حركة المرور. وقالت المتحدثة باسم الشرطة البلجيكية في بروكسل، إلسي فان دي كير، في تصريح صحفي، إن هؤلاء الأشخاص جرى توقيفهم في منطقة "شومان" التي تضم محطة القطار المركزية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. العالم يحذر رعاياه رابطة حقوق الإنسان و"كناك" تطلبان من الجزائريين تفادي التنقل إلى فرنسا طالب المجلس الوطني لجزائريي فرنسا "Cnaf"، من الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا أخذ حذرها، وعدم الخروج من بيوتهم إلا للضرورة. ونشر المجلس في بيان مقتضب على صفته في فايس بوك، بيانا حذر فيه الجزائريين المتوجهين إلى فرنسا، وقال "كما نطلب من الجزائريين الذين ينوون التنقل إلى فرنسا أن يؤجلوا سفرهم إلى وقت لاحق". كما وجه المكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تنبيها للجزائريين في التراب الفرنسي، ب"توخي أقصى درجات الحيطة والحذر في تنقلاتهم بالعاصمة الفرنسية"، وذكرت الرابطة في بيان على موقعها الالكتروني "المكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ليس لديه دليل على وجود خطر على الجزائريين، ولكن على سبيل الإرشاد والدعوة للحيطة والحذر". دعت دول أجنبية رعاياها في فرنسا إلى توخي الحذر نظرا لاحتمال اندلاع أعمال عنف خلال احتجاجات، أمس، خصوصا في باريس، وطلبت منهم البقاء بعيدا. وضمن مخاوف من تفاقم الوضع في فرنسا، أصدرت السفارة الأمريكية، تحذيرا يوضح بالتفصيل المكان المتوقع للاحتجاجات في باريس. وأفاد بيان السفارة "قد تتحول التظاهرات إلى أعمال عنف تؤدي إلى أضرار في الممتلكات"، مشيرا إلى أن "رد الشرطة قد يكون عبر استخدام خراطيم المياه أو الغاز المسيل للدموع". وينصح هذا التحذير الأمريكيين بتجنب الحشود ونقل السيارات بعيدا من الأماكن التي من المتوقع أن تشهد مسيرات. بدورها، حذرت وزارة الخارجية البريطانية في بيان من تحول الاحتجاجات، إلى أعمال عنف، وأضاف البيان "قد يواجه سائقو السيارات الذين يعبرون فرنسا أيضا تأخيراً أو عوائق سببها المتظاهرون في أكشاك رسوم الطرق السريعة". من جهتها، نصحت بلجيكا رعاياها بتأجيل أي رحلات إلى باريس إذا كان ذلك ممكنا. أما إذا كانوا في باريس، فعليهم تجنب المواقع السياحية وترك أي سيارات في مواقف تحت الأرض. ونصحتهم ب"عدم التدخل في أي نقاشات (…) لا تقاوموا الشرطة". كما نصحت وزارة الخارجية الإسبانية رعاياها في باريس بمتابعة التغطية الإخبارية والفرار من المواجهات، في حال وجودهم وسط العنف، يجب عليهم الابتعاد في أسرع وقت دون التوقف لالتقاط صور. وطلبت البرتغال من مواطنيها في باريس عدم الخروج إذا تمكنوا من ذلك. وحذرت السلطات الهولندية والألمانية والإيطالية والتركية من احتمال وقوع أعمال عنف، خصوصا في باريس، ونصحت رعاياها بالابتعاد عن التظاهرات. وبين الدول العربية، دعت وزارة الخارجية الأردنية الرعايا المقيمين والزائرين لباريس، في ضوء استمرار التظاهرات التي تشهدها بعض مناطق المدينة، إلى "ضرورة الابتعاد من مناطق التظاهرات وتوخي الحيطة والحذر أثناء تنقلهم". كما دعت السعودية والإمارات والبحرين من خلال سفاراتها في باريس رعاياها إلى ضرورة توخي الحذر. رئيس الجمعية الجزائرية الفرنسية للحقوق والحريات إسماعيل خلف الله ل"الشروق": ماكرون يدفع ثمن استعلائه على عموم الشعب الحكومة تتعامل مع المحتجين بعقلية الحكم الشمولي والدولة القمعية ليست المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا احتجاجات ذات طابع اجتماعي، المرات السابقة كان الأمر يقتصر على الضواحي الفقيرة، فيما تختلف موجة الاحتجاجات هذه المرة؟ نعم، هنالك اختلافات جوهرية، التظاهرات التي تشهدها المدن الفرنسية منذ أيام، ترتكز هذه المرة على الأحياء الراقية كما هو الحال مع جادة الشانزيليزيه الشهيرة، أصحاب السترات الصفراء يصلون إلى باريس من مختلف المناطق والمدن، الشيء الآخر أن السترات الصفراء تقول إنها تمثل جميع أطياف وأعراق وعمق المجتمع الفرنسي. بالطبع كانت مطالبها اجتماعية محضة كإلغاء الزيادات على الوقود، وتحسين الوضع المعيشي، لترتفع وتتحول إلى شعارات سياسية تطالب الرئيس ماكرون بالتنحي. ما نشهده وأنا أحدثك من قوس النصر الشهير في العاصمة باريس، أن أصحاب السترات الصفراء عازمون على مواصلة التظاهر، ولا نية لهم للتوقف وإخلاء الساحات والأحياء، خاصة وأن الحكومة قد تعهدت بإرجاء الزيادة لستة أشهر، ما يعني أنهم سيعودون إلى نقطة الصفر، ولهذا يواصلون الاحتجاج لتحقيق جميع مطالبهم الآن. ما نشهده كذلك أن الأزمة تزداد عمقا واحتقانا، الأمر الذي يجعل من الصعوبة على الحكومة التعامل معها، حيث نأخذ بعين الاعتبار أن لا تمثيل مركزي ولا قيادة ولا هيكل لحركة السترات الصفراء، هذا يصعب الحوار معها، فقد كان هنالك لقاء الأسبوع الماضي مع الوزير الأول، وتم إلغاءه على أساس أن من تقدم للاجتماع، تم تهديده وأنه لا يمثل السترات الصفراء، الحكومة أمام مأزق كبير، والمشكلة أن أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار، تتفقان على مطلب رحيل ماكرون والحكومة والبرلمان. فجأة ظهر الشاب ماكرون أنه مخلص فرنسا من كل مشاكلها، وبفعل عملية "تبييض" فاز بالرئاسة، واليوم الفرنسيون يديرون ظهورهم له، كي تقرأ هذا التحول؟ استفاد ماكرون من الأزمة التي عاشها الحزب الاشتراكي، واستفاد بعدها من المتاعب القضائية التي طالت مرشح اليمين فرانسوا فيون، ووجد الباب مفتوحا أمامه، وانتقل إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية في مواجهة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، غالبية الفرنسيين صوتوا لصالح الشاب. ماكرون كان حالة غير مسبوقة، فتاريخ فرنسا كان بين اليمين واليسار، وهو لا يمثل أحدا من المعسكرين، ولهذا أراد المجتمع تجريب هذا الشباب، بعد ما شهدت الأحزاب التقليدية هزات عنيفة، بعد فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، ظن نفسه أنه زعيم فرنسا الأوحد، بل أنه زعيم أوروبي وراح يقترح إنشاء جيش أوروبي، وصار ينظر نظرة استعلائية للفرنسيين، ونقصد هنا غالبية الفرنسيين المصنفين في الطبقة المتوسطة. هل التوصيف الأقرب لماكرون اليوم أنه رئيس الأغنياء؟ نعم، أكيد هذا الوصف حقيقي ومنطقي، والدليل على هذا أن برنامجه وسياسته خدمت الأغنياء على حساب الفقراء، فقد خفَض الضريبة على الثروة، وزاد الضريبة على الفقراء، أليس هذا تجسيدا لمنحى رئيس للأغنياء، ورئيس للطبقة الارستقراطية. تُعرف فرنسا أنها بلد ديمقراطي، لكن شهدنا حالة من "البولسة"، لماذا اللجوء للحل الأمني؟ أقولها بصدق وكأنني أعيش في ظل حكم شمولي ودولة قمعية، فعوض أن يتم التجاوب مع المحتجين، اتجهت الحكومة إلى التعنت واستعمال القوة، ولهذا صار المحتجون يهتفون ضد ماكرون وينتعونه بالدكتاتور. نحن لا ننكر آن هنالك متشددين في صفوف المحتجين، لكن هذا لا يعني التعامل معهم بهذه الطريقة، كما أن الإعلام المحلي هنا شيطن الحركة الاحتجاجية، وتحدث عن التخريب ولم يشر إلى المطالب المرفوعة من أصحاب السترات الصفراء. كيف تقرأ مصير العلاقات الجزائرية الفرنسية في ظل هذا الوضع المتأزم، وماذا عن الجالية الجزائرية، وأنت واحد منهم؟ الجالية الجزائرية في فرنسا، حالها كحال الجاليات الأخرى، تساند تحرك السترات الصفراء، لأنها جالية متوسطة وفقيرة، وأي زيادات ستؤثر لا محالة على وضعها المعيشي. أما عن العلاقات الثنائية بين البلدين، لا أعتقد أنه سيكون هنالك تأثير، فرنسا تريد أن تبقى الجزائر سوقا لبضاعتها، وألا تستغني عنها، وهي ستعمل على المحافظة على الصفقات التي تجنيها من الجزائر. الباحث والأكاديمي الفرنسي المتخصص في الشؤون الفرنسية بيار لويس ريمون ل"الشروق": إصلاحات ماكرون لم تصاحبها "لفتات" اجتماعية إلى اين تتجه الأمور، مع اشتداد القبضة بين الحكومة والسترات الصفراء؟ يجب أن نضع اشتداد القبضة بين الطرفين في سياقه، يوجد قطاع عريض من الفرنسيين يعتبر أنه لم ولن يجني أي ثمار من توجه سياسة ماكرون الاقتصادية، يعتبر هؤلاء أن سلسلة الإجراءات التي تمثلت في تخفيف الضرائب على أرباب الشركات، وإلغاء الضريبة على الثروة يدخل في هذا المنطق، لن تدفع بالضرورة في اتجاه خلق وظائف شغل جديدة، خلافا لما تدعيه الحكومة. وأيا كانت الحال، يريد المتظاهرون إيصال رسالة إن لم يعد بوسعهم الانتظار، فما ارتفاع الضريبة على الوقود، في تقدير هؤلاء، سوى شرارة فجرت الوضع الذي تعيشه فرنسا الآن. المحتجون يريدون رأس ماكرون، وهذا الأخير يدفع بوزيره الأول إدوارد فيليب، لماذا هذا التكتيك في اعتقادك؟ قد يحتوي الأمر على شيء من التكتيك، لكن لا يجب أن ننسى أن طبيعة دستور الجمهورية الفرنسية تجعل من رئيس الحكومة، اي رئيس الوزراء، من يقود السياسة الداخلية. هذا وفي إطار إستراتيجية ما يسمى بالتواصل في حال وجود أزمة la communication de crise، من غير المستحب أن يتدخل الرئيس في قلب اشتداد الوضع، قد يعتقد البعض أن تدخلا رئاسيا فوريا وعاجلا سيخفت نيران الغضب، لكن الواقع أنه يفاقمها. أما النقطة الثالثة، في المرحلة التي وصلنا إليها، من الضروري أن يبقى الرئيس في وضع المراقب لمعرفة إن كانت الجولة الرابعة من الاحتجاجات على نفس وتيرة سابقاتها، أم أن ما بدأ بإعلانه من تنازلات قد يكون له تأثير، خطابه القادم مرهون بالخيار الغالب من هذين الخيارين. لماذا تماطل الحكومة في الاستجابة للمطالب المرفوعة؟ لا أعتقد أننا نستطيع الحديث عن مماطلة، لكن قطاعا عريضا من الشعب يتبنى هذا الموقف، ويجب احترامه. لماذا أفل نجم ماكرون بعد 18 شهرا فقط من وصوله لسدة الحكم، رغم الهالة الكبيرة التي تزامنت وظهوره الفجائي في المشهد السياسي الفرنسي؟ بمجرد وصوله إلى سدة الحكم وجد ماكرون بلدا مسحوقا بمستوى الإنفاق العام الذي يجبر فرنسا على الاعتماد على المديونية لدفع مستحقاتها، فكان لا بد من البحث عن حل توفيقي بين ضرورة العثور على مصادر تمويل من جهة وإعادة استثمار المال العام في دواليب الاقتصاد من جهة أخرى. لكن هذه السياسة لم تصاحبها "لفتات" اجتماعية كانت ستستجيب لمطالب الشارع، مرحليا على الأقل. من الصعب جدا، وإن يكن لدواع منطقية، أن تقنع شخصا يتقاضى 1500 يورو في الشهر ويعول بهذا المصروف للإنفاق على ثلاثة أشخاص، أن أولويتك تخفيف ضريبة من يتقاضى 8000 يورو فما فوق، بحجة أن هذا الأخير سيخلق مناصب شغل ستنقذ من هو في الوضع الذي وصفته قبل قليل من المأزق. ما يترقبه أصحاب السترات الصفراء ومن يدعمهم، سلسلة إجراءات تعدل من شعور بالظلم أخذ ينتاب الملايين.