ونحن على بعد بضعة أيام من أول مباراة في نهائيات كأس العالم، توترت أعصاب الطاقم الفني وبعض اللاعبين والإعلاميين والجماهير الجزائرية أكثر مما تتوتر أعصاب البرازيليين والأرجنتينيين والألمان والإسبان المرشحين للفوز بكأس العالم، وكأننا نشارك كل مرة في النهائيات، ونسي الجميع كيف كنا ومن أين جئنا، وعاد إلينا الفلاسفة من المدربين والمحللين والمدبرين يشهرون سيوفهم وينتقدون ويقترحون، ويضعون التشكيلة والخطة التكتيكية، ويحبطون معنويات الجماهير واللاعبين، وعادت بعض الأقلام تثير الفتن للأسف الشديد، وتتسابق لنشر أخبار لا أساس لها من الصحة حول اللاعبين والطاقم الفني.. اللاعبون بدءوا يشعرون بثقل الضغط المفروض عليهم منذ مباراة الإمارات وتصرفات بعض المناصرين تجاه منصوري وصايفي وغزال، والتي أدخلت المجموعة في دوامة الشك والخوف، وأفقدتهم ثقتهم في جمهورهم وأثرت على توازنهم وتركيزهم، وقد ينعكس ذلك على أدائهم، مثلما انعكس على تصريحاتهم الأخيرة، حتى أن بعضهم صار اليوم يخاف من اللعب ويتمنى أن لا يقحمه سعدان في التشكيلة الأساسية. الوضعية لم يتعود عليها اللاعبون الذين كانوا إلى وقت قريب في السماء السابعة، وهاهم يعتقدون بأن عشاقهم من الجماهير قد يتخلون عنهم في أي لحظة مثلما حدث مع يزيد منصوري واحد من أقدم اللاعبين والأكثر وفاء وتأثيرا على زملائه، وحدث مع غزال الذي لم يعد يعرف الطريق إلى المرمى من شدة الخوف. المدرب الوطني رغم خبرته وتجربته أبدى بدوره عدم قدرته على تحمل ضغوطات الصحافة وزملائه من المدربين، وكشف عدم قدرته على تحمل الانتقادات بشأن اختياراته الفنية والتكتيكية التي يبقى الوحيد الذي يتحمل مسؤوليتها، والوحيد الذي يعرف لاعبيه ومدى قدرتهم على التجاوب، ولكن كثرة المدبرين والانتقادات والتدخلات في شؤونه قد تفقده كذلك تركيزه ومعنوياته وثقته في نفسه وفي لاعبيه. الصحافة الوطنية من جهتها بدأت تفقد صوابها من خلال كتاباتها وتعاليقها وردود فعلها وراحت بعض منها تنساق وراء عواطفها ومشاعرها، ربما بسبب قلة خبرتها في التعامل مع المنتخب في مثل هذه المواعيد الكبرى، أو بسبب وقوعها بدورها تحت ضغط قرائها، وهي التي نفخت في اللاعبين والطاقم الفني وأعطتهم أكثر من حجمهم في ظرف قصير، وها هي اليوم تنساق وراء الجماهير والقراء وتسبق الأحداث وتتوقع الأداء الهزيل والنتائج السلبية. من يقرأ بعض العناوين والمواضيع في صحافتنا يدرك حجم هذا الغول الذي نفخنا فيه أكثر مما يستحق وقبل الأوان، ويدرك كم سيكون حجم الصدمة كبيرا على اللاعبين والجماهير في حالة الإخفاق، ويدرك أيضا بأن الخطيئة التي يرتكبها بعض الإعلاميين هي من أكبر الكبائر.. أما الجماهير القلقة من الأداء أمام إيرلندا والإمارات ومن تجديد الثقة في منصوري وغزال، ومن اختيارات المدرب فتبقى جماهير تستهلك ما يكتب ويقال، وتتصرف بعواطفها ومشاعرها وهو من حقها، ولكنها تبقى بحاجة إلى توجيه وتعقل، وإدراك بأن نهائيات كأس العالم ليست مثل تصفياتها، وبأن كل لاعبينا يشاركون لأول مرة في مثل هذه المحافل. صحيح أن جماهير الكرة هي هكذا ترفعك إلى السماء بعد الفوز والتألق وعندما ترضى عليك، وتنتقدك وتحطم معنوياتك عندما تنهزم وتخفق، ولكن على الجماهير أن تصبر ولا تندفع وراء مشاعرها، وتدرك بأن التأهل إلى المونديال هو بداية عهد جديد للكرة الجزائرية يجب مرافقته بلطف، وعليها أن تدرك بأن الضغط على المدرب واللاعبين بهذه الكيفية ينعكس سلبا على أداء المنتخب. ورغم كل هذا التوتر وفقدان الأعصاب، مازلت أعتقد بأن لاعبينا بإمكانهم رفع التحدي، وصحافتنا بإمكانها أن تلعب دورها كما يجب، وما زلت أعتقد بأن جماهيرنا ستكون في الموعد كما كانت، والمونديال سيكون موعدا لبداية عهد جديد للكرة الجزائرية..