بعد إقصاء الكاميرون في الدور الأول من كأس العالم الأخيرة بعد ثلاث هزائم متتالية في جنوب إفريقيا، فضّلنا إجراء حوار مع قائد المنتخب الكاميروني صامويل إيتو ونجم نادي الإنتير الإيطالي ، بعدما التقينا به في العاصمية الفرنسية باريس يجري ليسوّي بعض الإجراءات مع المكلف بأعماله والراعي الرسمي لهذا اللاعب، وقد قابلنا بابتسامته المعروفة وهو الذي لا يزال في عطلة. وقد عدنا معه إلى الحديث إلى النقطة السوداء الوحيدة في مشواره الكروي الحافل بالانجازات والتي تمثلت في الخروج دائما من الباب الضيّق في كأس العالم، كما تطرّقنا معه إلى المشاركة الجزائرية في هذا الحوار الشيّق. ولا منتخب إفريقي تمكن من الوصول إلى نهائي كأس العالم في الدورة الأخيرة، هل تعتبر ذلك خيبة بالنسبة للقارة السمراء؟ نعم هي خيبة، لأن ذلك كان الأمل الكبير بالنسبة لكل الأفارقة، فالجماهير الجنوب إفريقية قامت بكل شيء وساندت قدر المستطاع المنتخبات الإفريقية لكي تذهب بعيدا في هذه الدورة. والمنتخب الغاني شرّف الكرة الإفريقية في هذا المحفل العالمي، ولولا سوء الطالع الذي لاحقهم لكانوا قادرين على الوصول إلى الدور نصف النهائي لو سجلوا ركلة الجزاء التي سنحت لهم في الدقيقة 120 من مباراتهم أمام الأوروغواي، لكن “جيان” ضيّعها بطريقة غريبة، وهذا يحدث كثيرا في رياضة كرة القدم التي يدخل فيها عامل الحظ. هل تتصوّر أن الضغط الشديد الذي كان على عاتق “جيان آسامواه” وراء تضييع ركلة الجزاء؟ في مثل هذه الوضعيات يجب أن تتحلى بثقة كبيرة في النفس وشجاعة فريدة من نوعها لكي تسدّد هذه الركلة، وهو الذي سبق له أن سجّل مرتين في كأس العالم بجنوب إفريقيا ومن ركلة جزاء، ولكن تضييعها يبقى أمرا واردا جدا. وأنا من جهتي أحيي “جيان” على الشجاعة الكبيرة لتحمله المسؤولية وتسديد تلك الركلة، وقد أعجبني كثيرا بعد تسديده الركلة الثانية التي كانت في حلقة ركلات الترجيح. هل إقصاء الكاميرون بتلك الطريقة كان بمثابة أكبر خيبة في مشوارك الكروي؟ لا أريد التعليق على هذه النقطة غالبا وعن الوجه الذي ظهرنا به في كأس العالم. وأتمنى أن يمنحني الله فرصة أخرى لتدارك ذلك. إذن سنراك مع منتخب بلادك في دورة 2014 التي ستجري في البرازيل، أليس كذلك؟ هذا بعيد جدا في الوقت الراهن، فلا تزال أربع سنوات كاملة وهناك عدة أمور ممكن أن تحدث. سأبقى ألعب دائما مع منتخب بلادي مادامت قدماي قادرتين على ذلك. وبالنسبة لنا نحن كإفريقيين، فإن أروع شيء هو حمل ألوان المنتخب الوطني وتمثيل البلد خير تمثيل ورفع الراية التي نحبّها عاليا، وليس للثأر أو ما شابه ذلك. هل كانت كأس العالم في جنوب إفريقيا بمثابة أفضل موعد لبروز المنتخبات الإفريقية؟ نعم، فقد كانت الفرصة مواتية لبروز المنتخبات الإفريقية، فلقد شعرنا حقا أننا في عقر ديارنا مع هذا التنظيم الرائع في جنوب إفريقيا لهذا المحفل العالمي الضخم. فبالنسبة لي بعد مشاركتي في مناسبتين من قبل في 1998 بفرنسا و 2002 باليابان وكوريا الجنوبية، فالأمر مختلف جدا لأننا في جنوب إفريقيا عشنا عرسا إفريقيا كبيرا، ولكن للأسف لم تكتمل الفرحة مثلما كنا نريدها. ولكنني فخور بالشعب الجنوب إفريقي الذي ساهم بقسط كبير في إنجاح هذه الدورة وإعطاء صورة مشرّفة عن قارة إفريقيا. من دون شك أن العودة إلى أرض الوطن كانت صعبة عليكم، أليس كذلك؟ بطبيعة الحال، فلقد كان الجميع في الكاميرون ينتظر منا الذهاب بعيدا بالنظر إلى الإمكانات التي نملكها، وعليه فإن الخيبة كانت أشدّ بكثير بعد الخروج من الدور الأول وبتلك الطريقة المخيّبة، ونحن كلاعبين نتفهّم هذه الخيبة لأن معنويات الشعب الكاميروني كانت في الحضيض، خاصة أنها المرّة الأولى التي كانت فيها المجموعة التي يضمها المنتخب في هذه القوة لاسيما من ناحية الروح الجماعية ولا وجود للمشاكل بالداخل، بالنظر إلى المجموعة التي وقعنا فيها إلى جانب هولندا، اليابان والدانمارك، فقد كانت لدينا حظوظ وفيرة في المرور إلى الدور الثاني. أين يكمن الخلل؟ هل كان في اللاعبين مثلا؟ صحيح أن مصير اللاعبين بين أرجلهم فوق الميدان وتغيير مجريات اللقاء، لكن لم تسر معنا الأمور مثلما كنا نتمنى وهذا أمر مؤسف، وحتى نحن تأثرنا كثيرا. إذن المشكل في اللاعبين؟ لا يمكن أن أحمّلهم المسؤولية، فنحن فريق يفوز جماعيا ويخسر جماعيا. البعض أرجع اللوم عليا نظرا لكل ما وصلت إليه، وأنا أفهم ذلك، وبما أني قائد الفريق فيجب أن أكون مثل ربّان السفينة هو الأخير الذي ينزل منها، لذا أتحمّل مسؤوليتي. لكن لا يجب اتهام الأشخاص وفقط، فالمسؤولون يعرفون ما الذي يجب فعله حتى لا يحدث للكاميرون مثل هذا الأمر، ومن هذا المنطلق يجب الانطلاق من جديد وفتح صفحة جديدة. فالمدرب أرسين فينڨر صرّح أنه لا يجب سحق المنتخب الفرنسي والتأثير عليه، وهو الشيء نفسه بالنسبة لنا. هل اضطررت للقيام بتبرير؟ ليس عليّ أن أبرر أيّ شيء، كان عليّ أن أطلب السماح باسم كلّ الفريق وباسم كل زملائي، وباسم كلّ الذين كانوا يتواجدون في جنوب إفريقيا لتمثيل الكاميرون، وهو ما قمت به، لأن طلب السماح هو الأساس في مثل هذه القضايا. هل سامحوكم؟ الشعب يحبّنا.. هل لازلت متحمّسا؟ الحياة عبارة عن تجديد دائم، ففي كرة القدم كلّ يوم يجب عليك أن تبرهن أنك تستحق المكانة التي توجد فيها، وهذا لا يكون عن طريق حمل شارة القائد، لأنني أعيد هذه الشارة في كل مرّة إلى المدرب، ويمكن أن تعود في الغد إلى شخص آخر. لكن الفرق بين مستواك في فريقك والمنتخب شاسع ومُخيف؟ عندما تلعب في الفريق تكون مع مجموعة تلعب معها مدة 9 أشهر أو أكثر، أما في المنتخب فأنت لا تلتقي بزملائك إلا ل 3 أو 4 أيام، أو على أقصى تقدير أسبوعين، وهذا من أجل تحضير منافسة مثل كأس العالم. وأنت تحاول أن تخلق الجو المناسب للعيش في هذه الفترة بأفضل طريقة، وتنجح في ذلك أحيانا وأحيانا لا. هل تبقى تحافظ دائما على طموحك؟ لا يمكن أن تكتفي أبدا، ولا أكون أبدا سعيدا بما لدي. أقول شكرا لله على ما أعطيتني، لكني أحاول دائما أن أقوم بالأفضل. ففي سنة 2008 لعبنا نهائي كأس إفريقيا وخسرناه، وهي فرصة سانحة لإضافة لقب في سجلنا لكننا ضيّعناها. وهذه السنة كان الأمر ممكننا أن نمتع أنفسنا ونمتع الغير لكننا مررنا جانبا. ومثلما ترى فإن السنوات تمرّ والفرص تقل. ما هي نسبة المسؤولية بالنسبة للمدرب “بول لوڤوان”؟ ليس لدي أيّ شيء ألومه عليه، وهو الشيء نفسه الذي قلته له، وسواء أحبّ الناس أو كرهوا فقد تحمّل دائما مسؤولياته في كل مرّة، وقد كنت أحاول أن أساعده دون أن أضغط عليه. فخلال مسيرتي الكروية كانت أمامي الفرصة للعمل مع العديد من المدربين، ومن بينهم أراڤونيس الذي كان يقول دائما عندما نفوز هو فوز المجموعة، وعندما ننهزم هي هزيمة الطاقم الفني. وهو ما قاله بول لوڤوان؟ لم يقل هذا لكنه تصرّف على هذا الأساس. سمعنا أن الاتحادية الكاميرونية قد تمدّد عقده، ما رأيك؟ لست ضدّ بقائه، أنا كاميروني وكل ما هو جيّد بالنسبة لبلدي هو جيّد لي، ولن أكون أبدا ضدّ رغبة الشعب. هل حاولت أن تصلح الأوضاع خلال كأس العالم؟ هذا أمر طبيعي، فأنا قائد التشكيلة، لكن ليست مهمتي أن أقول للمدرب أن يشرك لاعبا ولا يشرك الآخر، مهمتي هي ألا يحدث هناك أيّ مشكل بين اللاعبين وبين المسيّرين، وهي السنة الأولى التي لم يكن فيها مثل هذا المشكل. فلم نقل إن المسيرين سرقوا الأموال وأن التشكيلة سافرت في رحلة مدّتها ثلاثة أيام. ولم يبق لي الآن سوى دفع زملائي لمنح كلّ ما يستطيعون، لكن الأمر صعب نوعا ما، ولا يمكن تفسيره. فكيف أكون مسؤولا على لاعبين اختارهم شخص آخر؟ أنا قائد ولست مدربا، أنا أساعد المدرب فقط. وقد تحدّثت مع “بول” قبل اللقاء الأول وبعده وحاولت منح الإضافة. إذن طالبت منه أن تلعب مجدّدا في المقدّمة بعد خسارة اليابان؟ لا، لا، أبدا. في الإنتير لعبت الموسم كله تقريبا في الجهة اليمنى من الهجوم، وقبيل انطلاق نهائيات كأس العالم كان لي حديث مع المدرب حول تمركزي فوق الميدان، وقال لي بصريح العبارة: صامويل، من المهم جدا أن تلعب على الجهة اليمنى، فكان ردي سريعا وعلى الفور: في حال ما سيضمن لنا ذلك فوز الكاميرون، فإيتو مستعدّ للعب في أيّ منصب كان. وخلال التدريبات جرّب المدرب بعد الخطط وكلنا صرنا على علم ودراية في أيّ مركز سنلعب، وتأكدت من أني سألعب في المقدمة أمام الدانمارك، وحينها كانت الرغبة التي افتقدناها في لقاء اليابان، وبعدها إذا خانك الحظ..... إسبانيا توّجت في النهاية بكأس العالم، ألا ترى أنا تستحقّ ذلك؟ نعم، لكن للأسف أملك أصدقاء من المنتخبين، تأسفت للبعض مثل شنايدر زميلي في الإنتير، لكني في آن واحد كنت سعيدا للغاية لرفاقي السابقين في برشلونة على غرار إينييستا، بيكي، فالديس، شافي، بويول.. إسبانيا بلدي الثاني. ما تعليقك على الفشل الذريع الذي تكبّدته فرنسا في هذه الدورة؟ لا يمكنني أن أعلق أو أحكم على أسباب فشلها، فمن الخارج يمكننا أن نقول كل شيء عن هذا الإخفاق، لكننا في الحقيقة لم نكن بالداخل حتى نعرف ما الذي حدث بالضبط. تحدثت مؤخرا مع “تيتي” ( يقصد تييري هنري)، لكننا لم نعرّج على هذا الموضوع، ولم أسمع أبدا بأنه قال إنه قاطع المنتخب. وفي النهاية المدرب كانت له خياراته. هل ستلتحق بمدربك مورينيو إلى فريقك السابق ريال مدريد؟ “جوزي” مدرب كبير، لكني الآن في عطلة (يضحك)... سأتحدث عن مسيرتي الكروية بعد أسبوعين، وذلك عندما أستأنف التدريبات مع الإنتير. هل من الممكن أن نراك يوما مدربا للمنتخب الكاميروني؟ نعم، هي واحدة من أمنياتي. في بداية مشواري الكروي كان لي هدفان: القيام بواجباتي على أكمل وجه مع المنتخب الوطني، وإنشاء مركز لتكوين اللاعبين، ووفقت في تحقيق الهدفين. والآن أنا أنتظر أشقائي الشبّان أن يحلوا بالمنتخب حتى يتسنى لي الرحيل. هل تابعت مباريات المنتخب الجزائري؟ نعم، تابعت كل مباريات المنتخبات الإفريقية. ما الذي كان ينقص الجزائر حتى تتخطى الدور الأول؟ الخبرة، وخاصة في اللقاء الأول أمام منتخب سلوفينيا، الهدف الباهت الذي سجل عليها والبطاقة الحمراء التي تحصل عليها المهاجم..... تحصل عليها غزال... يلعب في إيطاليا، أليس كذلك؟ نعم، في سيينا؟ لعبت المباراة الأخيرة من البطولة أمامه. صراحة البطاقة الحمراء التي تحصل عليها دليل على نقص الخبرة، في وقت كانت الجزائر تؤدّي مباراة في المستوى، وفي وقت من أوقات المباراة كنا ننتظر تسجيلها أهدافا لأنها كانت قادرة على ذلك. وأعتقد أن تلك المباراة هي من أخلطت حساباتها، وجعلت مهمتها في التأهل تتعقد.