كرّمت جريدة” الهدّاف” أمس الحكم الدولي “المونديالي” محمد بنوزة بعد تشريفه الجزائر في كأس أمم إفريقيا الأخيرة بعد أن تم اختياره من طرف لجنة التحكيم على مستوى “الفيفا“ ضمن قائمة أفضل ثلاثين حكما من أجل إدارة المونديال المقبل، وهو الشرف الذي لم تحظى به الجزائر منذ سنة 1990 مع آخر مشاركة لحكم ساحة جزائري في شخص الحكم الدولي السابق محمد حنصال. محمد بنوزة كانت له جلسة مطوّلة مع صحافي “الهدّاف“ و”لوبيتور” قبل أن ينزل ضيفا على مدير الجريدة نبيل عمرة الذي استقبله بمكتبه وقام بتكريمه نظير هذا التألق الذي نتمنى أن يمتد إلى مشاركة مميزة أخرى في نهائيات كأس العالم المقبلة. وقد عبر بنوزة عن سعادته وامتنانه الكبير ل “الهدّاف“ على هذا التكريم الذي أكد بأنه سيكون حافزا كبيرا له من أجل تشريف التحكيم الجزائري والجزائر ككل في مونديال جنوب إفريقيا كما كان الحال عقب إختياره كأفضل حكم جزائري في أخر طبعتين من جائزة “الكرة الذهبية” والذي كان حافزا كبيرا له للوصول إلى هذا المستوى الذي برز به في نهائيات أمم إفريقيا الأخيرة على وجه الخصوص. وستكون كأس العالم المقبلة محطة أخرى هامة في مسيرة أفضل حكم جزائري في العشرية الأخيرة بعد عديد الإنجازات التي حققها إبن وهران الذي يملك سجلا كبيرا وثريا يضم إدارته نهائي بطولة الجزائر بين إتحاد الحراش وإتحاد العاصمة 1998، نهائيين كأس الجمهورية أدراهما بامتياز الأول سنة 2004 بين إتحاد العاصمة وشبيبة القبائل، والثاني بين شباب بلوزداد وأهلي البرج العام الماضي، بنوزة أدار أيضا ثلاث نهائيات في مختلف الكؤوس الإفريقية الأول بين النجم الساحلي وإينمبا النيجيري، الثاني بين النجم الساحلي والنادي الصفاقسي والأخير كان نهائي الإياب لرابطة أبطال إفريقيا بين مازمبي الكونغولي وهارتلاند النيجري، كما يضم سجل حكمنا “المونديالي” مشاركات هامة في نهائيات كأس العالم للأندية التي جرت في اليابان سنة 2008 ومشاركة ولو كحكم احتياطي في مونديال أقل من 17 سنة الذي جرى العام الماضي في نيجريا، ومشاركة في كأس العالم للشباب الأخيرة في مصر وأخير مشاركات مميزة جدا في ثلاث نهائيات لكأس إفريقيا للأمم في دورات مصر 2006، غانا 2008 وأخيرا أنغولا 2010. بنوزة: “لا أنكر دعم روراوة، لكن تواجدي في المونديال كان بفضل كفاءتي” لا يجد بنوزة مبررا لغياب التحكيم الجزائري عن نهائيات كأس العالم منذ 1990 أي منذ مشاركة الحكم حنصال في نهائيات مونديال إيطاليا، سوى عامل الحظ و”المكتوب” لأن الجزائر طيلة العشرين سنة الماضية كانت تملك كفاءات حقيقية في مجال التحكيم، وذكر أسماء كوراجي، دحو، بربار وزكريني الذين كانوا يستحقون التواجد في الدورات السابقة من كأس العالم. يعتقد كثيرون أن تواجد رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة في المكتب التنفيذي ل “الكاف“ ورئيس اللجنة المركزية للتحكيم بلعيد لاكارن في لجنة التحكيم على مستوى “الفيفا“ شكل دعما قويا لتواجد بنوزة ضمن قائمة الثلاثين حكما الأفضل في العالم، وهو أمر يرفضه بنوزة الذي إذا كان يعترف بأن هذين الشخصين قد مدا له يد المساعدة فإنه لا يدين سوى لكفاءته واجتهاده في وصوله لهذه المرتبة وأدائه المميز في نهائيات أمم إفريقيا بأنغولا خير دليل على ذلك. “عبد الفتاح لم يكن مرشحا منذ البداية ومساعدي مصري ولا مشكل في ذلك” تربط بنوزة علاقات طيبة مع العديد من الحكام الدوليين في إفريقيا ومن بين هؤلاء الحكم الدولي المصري عصام عبد الفتاح والذي لم يفهم تصريحاته الأخيرة ل “الصحافة“ المصرية لما قال إن بنوزة وصل لكأس العالم بفضل دعم روراوة، وهنا أوضح محدثنا أن اسم عبد الفتاح لم يكن مطروحا منذ البداية لإدارة نهائيات كأس العالم “في 2007 كنا ستة حكام مرشحين لإدارة مباريات كأس العالم 2010 ولم يكن عبد الفتاح ضمنهم” وكشف بنوزة أنه لام عبد الفتاح كثيرا على تصريحاته المسيئة للجزائر، لكنه وبرغم ما حدث خلال الأزمة الأخيرة إلا أن علاقته بزملائه المصريين تبقى عادية جدا، على غرار مساعده وهو مصري الجنسية أيضا. “قدوتي.. السويدي فريسك والإماراتي علي بوجسيم“ ككل شخص لديه مثل وقدوة في الميدان الذي ينشط فيه، بنوزة أيضا لديه قدوته في التحكيم ولما سألناه قال لنا دون تردد إنه الحكم السويدي أندرياس فريسك الذي تأسف لاعتزاله المبكر عالم التحكيم بعد رسائل التهديد التي وصلته من مشجعي نادي تشلسي الإنجليزي، الحكم الثاني الذي يعتبره بنوزة قدوته هو الحكم الإماراتي الشهير علي بوجسيم، أما على المستوى المحلي فقد ذكر لنا محدثنا عديد الأسماء مثل لاكارن، حنصال وزكريني. “ميال، بوهني وغربال... قادمون” ويرى بنوزة أن مستقبل التحكيم الجزائري مضمون وواعد مع الموجة الجديدة الصاعدة والتي يتنبأ لها بالذهاب بعيدا في مشوارها التحكيمي وذكر محدثنا اسمي الحكم ميال الذي أشاد به مطولا وبوهني، لكن الأفضل حسبه يبقى حكما صاعد من رابطة وهران واسمه غربال والذي أكد بأنه سيكون من بين أفضل الحكام في الجزائر خلال الفترة المقبلة. “مباراة م. الحزائر - ش. بلوزداد هي أجمل مباراة أدرتها” قبل أن يكون بنوزة حكما، هو لاعب سابق ويستمتع كثيرا بكرة القدم والعروض الفنية تستهويه، ورغم رصيده الكبير من المباريات إلا أن أكثر مباراة أدارها الحكم بنوزة وأعجبته كانت مباراة “الداربي” سنة 2001 بين مولودية الجزائر وشباب بلوزداد والتي انتهت بفوز “العميد” بثلاثة أهداف مقابل هدفين: “كانت أجمل مباراة أدرتها، أذكر أنها جاءت بعد أيام من فيضانات باب الواد، التنافس كان شديدا بين الفريقين والسوسبانس وصل ذروته، كانت فعلا مباراة رائعة بكل المقاييس” “تخوّفت من المولودية - القبة وغانا أمام أنغولا“ كثيرة هي المباريات الصعبة التي واجهت حكمنا المونديالي والذي دخلها بشد عصبي كبير، ومن بين أهم المباريات التي يصنفها الأصعب على الإطلاق هي مباراة مولودية الجزائر ورائد القبة سنة 2002 بملعب 5 جويلية،”كانت مباراة الجولة الأخيرة في ذلك الموسم والفريقان كانا يلعبان بقاءهما في القسم الأول، لعبت تحت ضغط شديد للغاية لدرجة أنني كنت أقول ما الذي أفعله هنا” صرح لنا بنوزة، يومها المولودية فازت لكنها سقطت للقسم الثاني بعد خصم نقطة من رصيدها عقب مغادرتها لأرضية الميدان في مباراة باتنة التي سبقت، مباراة ثانية شعر فيها بنوزة بضغط شديد كانت مباراة ربع النهائي من دورة غانا 2008 بين البلد المضيف وغانا، والتي كانت حسبة من أصعب الامتحانات التي قابلها”. “شعرت بالخوف علي حياتي في مباراة النصرية أمام السنافر” قبل عودة روراوة، الحكام الجزائريون كانوا غير محميين حسب ما يؤكد لنا بنوزة، كانوا يتعرضون إلى مختلف أنواع الضغوطات التي وصلت درجة الاعتداء، مواقف صعبة كثيرة واجهت بنوزة، لكن الأصعب في هذا المجال كان مباراة نصر حسين داي وشباب قسنطينة بملعب 20 أوت، يومها تعرض حكمنا لضغوطات رهيبة كان المدرب شعبان مرزقان بطلها، “يومها كنت في 26 من العمر وعانيت كثيرا لدرجة أني خفت على حياتي” يقول بنوزة. “قارورة المياه التي ترقيها الشيبانية لا تُفارقني وأفضل البدلة السوداء“ سألنا بنوزة إذا ما كانت لديه عادات أو تقاليد أو طقوس يقوم به قبل دخول أي مباراة، فأجاب بالنفي قبل أن يكشف لنا بأن قارورة المياه التي ترقيها والدته ترافقه دائما في مختلف تنقلاته ولا يشرب إلا منها، للتبرك بها، ليكشف أيضا أنه يفضل ارتداء البدلة السوداء على أي لون آخر ويتفاءل بها كثيرا، لكنه لا يجد حرجا في ارتداء أي لون آخر. “إنقلاب الجمهور ضدي لا يُزعجني والشتائم صارت أمرا عاديا” التحكيم في الجزائر مهنة صعبة للغاية خاصة في ظل التشدد الذي يتميز به الجمهور الجزائري، والحكام يكونون دائما هدفا لانتقادات الأنصار التي تتحول لشتائم مدوية في الملعب. سألنا بنوزة عن شعوره في مثل تلك اللحظات فرد قائلا: “على عكس الآخرين أكون مرتاحا جدا لأن الجمهور يردد اسمي حتى ولو كان ذلك مرفوقا بالشتائم، لا أعيرهم أي اهتمام ولا يفقدني ذلك تركيزي، صحيح أنها سلوكات غير رياضية لكني لا أملك القدرة على تغييرها، المهم أن يكون ضميري مرتاحا” صرح لنا بنوزة. “كنت أخشى روايغية كثيرا“ أكد بنوزة في حديثه معنا أن أكبر مشكل يواجه في إدارة أي مباراة هو مراقبة تحايل اللاعبين خاصة المهاجمين الذين يحاولون دائما إيهام الحكم بتعرضهم للعرقلة عند دخولهم لمنطقة عمليات الفريق المنافس للحصول على ركلات الجزاء، وفي الجزائر هناك بعض اللاعبين الذين يلجأون كثيرا لهذا الأسلوب وهو الأمر الذي يفرض على الحكم مراقبتهم جيدا، وأكثر لاعب كان بنوزة يخشى تلاعبه كان لاعب شباب بلوزداد السابق عزيز روايغية “كان يدخلني في حالة طوارئ حقيقية ويجعلني أراقبه عن قرب في كل تحركاته التي كانت فائقة السرعة، كان يسعى كثيرا للحصول على ركلات الجزاء وكان بالتالي يفرض على جهودا إضافية لمراقبته” يقول بنوزة. “مدربي في بوفاطيس وراء دخولي التحكيم” قبل أن يكون حكما، كان بنوزة لاعبا في نادي مسقط رأسه ببوفاطيس بمدينة وهران، كان ينشط في وسط الميدان واستمر في ذلك الحال لغاية فئة الأشبال وهنا دخل في خلاف حاد مع مدربه وفي نفس الفترة اقترح عليه أحد الأصدقاء دخول سلك التحكيم فوافق على الفور، لهذا فهو يدين لمدربه هذا بدخوله لسلك التحكيم بنفس الدرجة مع صديقه هذا، خيار كان موفقا أبعد الحدود خاصة أن مستقبل بنوزة كحكم كان أكبر وأهم بكثير مما كان سيحققه بنوزة اللاعب. “وأنا صغير كنت أناصر فريقا من العاصمة” من بين الأسئلة التي تحفّظ بنوزة من الرد عليها كان سؤالنا له حول النادي الذي كان أو لنقل لازال يناصره، بنوزة اكتفى بالقول أنه وهو صغير كان يشجع ناديا من العاصمة، بفضل الأداء الذي كان يقدمه في فترة الثمانينات خاصة في الموسم الذي أشرف عليه نور الدين سعدي، قبل أن يقر لنا باسم النادي وذكر اللاعبين الذين كان معجبا بهم في تلك الفترة لكن طلب منا عدم ذكر النادي حتى لا يتهم في المستقبل أنه ينحاز له، رغم أنه أكد لنا بأنه صار لا يشجع أي فريق في الجزائر في الوقت الحالي. “أتفاهم مع غازي، دزيري لا يُزعجني، خريس أكثر واحد يعرف القانون وسالمي صار صديقي بعد أن طردته” ويحظي بنوزة باحترام كبير من طرف اللاعبين بعد أن فرض نفسه بكفاءته واجتهاده، وعلى هذا الأساس يربط علاقات صداقة مع بعض اللاعبين وفي مقدمتهم لاعب إتحاد العاصمة كريم غازي الذي قال أنه يبقى يمازحه طيلة أي مباراة يديرها له، لكنه لا يتردد في إنذاره في حال ما أخطأ، لاعب ثان صار صديقا له والغريب في الأمر أن ذلك حدث بعد أن طرده ويتعلق الأمر بالمدافع السابق للشباب ياسين سالمي الذي ربط معه علاقة صداقة بعد أن كان قد طرده في إحدى المباريات، سألنا بنوزة عن اللاعبين الذين ينزعج من تصرفاتهم وضربنا مثالا بدزيري الذي يحتج كثيرا على الحكام فأكد لنا بأنه تعوّد على تصرفات هذا اللاعب ولا ينزعج تماما منها، حكمنا كشف لنا أيضا بأن مدافع الوداد خير الدين خريس هو أكثر لاعب جزائري لاحظ أنه يعرف قوانين التحكيم. “عبدوني قال: لن أرد على حكم حتى لو يضربني وشاوشي مطالب بضبط نفسه” وامتد الحديث مع بنوزة حول علاقته باللاعبين الجزائريين وعصبيتهم الزائدة، ليكشف لنا محدثنا أن الحارس الدولي فوزي شاوشي مطالب بضبط نفسه في المستقبل لتفادي ما حدث له في كأس إفريقيا الأخيرة، موضحا أن اللاعبين الجزائريين تعوّدوا على تصرفات غير مقبولة في البطولة لا يعرفون خطورتها لغاية التحول للعب خارج الجزائر، وضرب مثالا على ما حدث مع الحارس عبدوني في مباراة كوارا والتي كلفته عقوبة الإقصاء لموسمين وهو الأمر الذي كان درسا قاسيا جدا لحارس الإتحاد “عبدوني قالي لي مؤخرا بأنه لن يرد على أي حكم حتى لو يعتدي عليه”، وهو تصريح يدل على مدى تأثر هذا الأخير بالعقوبة الثقيلة التي سلطت عليه. “لا أريد التعليق على كوفي كوجيا” حاولنا مرارا وتكرارا مع حكمنا المونديالي أن نفتكّ تعقيبا منه على أداء الحكم البينيني كوفي كوجيا خلال مباراة مصر والجزائر الأخيرة لكنه رفض بشدة وقال أن كوجيا ومهما حدث يبقى زميلا له، وواجب التحفّظ يجبره على عدم القيام بأي تصريح بهذا الخصوص، لكنه أقر بالمقابل بوجود أخطاء كثيرة في تلك المباراة ولمّا سألناه إذا ما كانت ضربة الجزاء التي صفرها لفائدة مصر صحيحة اكتفى بالقول “في مكان كوجيا لم أكن لأصفّرها” “لم أخطئ في مباراة المولودية الأخيرة ولا توجد ركلة جزاء” ينزعج بنوزة كثيرا لما يقال له أن مستواه في كأس إفريقيا أفضل بكثير من ذلك الذي يقدمه في البطولة، خاصة بعد الذي حدث له في المباراة الأخيرة بين مولودية الجزائر ووفاق سطيف والذي عرّضه لانتقادات لاذعة من مسؤولي مولودية الجزائر، لاعبيها والأنصار على حد سواء، بنوزة أكد لنا أن ضميره مرتاح تماما من هذا الجانب، خاصة بعد أن أعاد متابعة المباراة وتحقق من أن مقداد أراد التحايل عليه ولا توجد تماما ركلة جزاء. “بعد الإعتزال.. سأبتعد تماما عن كرة القدم وسأتمتع بالحياة“ سألنا في الأخير حكمنا المونديالي بنوزة عن مشاريعه المستقبلية بعد أن يعتزل الميادين، فكشف بأنه سيبتعد تماما عن عالم كرة القدم ومشاكلها وسيعمل على الاستمتاع بالحياة من خلال القيام بهوايته الأولى وهي السفر “صحيح أن التحكيم منحني فرصة زيارة أماكن رائعة في العالم من تورنتو إلى دبي، لكني أريد أن أزور هذه البلدان بغرض السياحة من دون ضغط المباريات ومشاكلها” ختم حكمنا الدولي حديثه معنا.