لنترك الغرب و الاستعمار و العلمانيين و المتربصين بهذا الدين و نتكلم عن مسؤولية المؤمنين المتدينين، ماذا فعلوا لحماية هذا الدين من الجهلة و الغلاة و المتطرفين؟ إننا نفتقد الشجاعة لتسمية الأشياء بمسمياتها، مساجدنا أصبحت مصانع لإنتاج الخرافة و الخزعبلات، مواضيع الخطب و الدروس لا تعد، تكرار ممل في أحسن الأحوال و في غالب الأحيان تسمع خطاب آتٍ من غياهب الزمن لا يمت صلة بالواقع و إن حاول الخطيب أن يرسيه على واقعنا و جدته يتخبط في التناقضات و المزايدات التي لا تقترح الحلول إنما تزيد الطين بلة. الخطاب الموجود لا يحاور العقل إنما يؤجج العواطف و يفك قيود الحقد و يطلق العِنان للنزوات العدمية، الدين الذي حولت وظيفته من هداية الناس إلى الوسطية و الاعتدال إلى أدات للتحريض على الكراهية و العنف. من عجائب هذه الأمة القابعة في أقبية التخلف و الفوضى أنها تستعمل التكنولوجيا و آخر ما أنتجه العقل "الكافر" لنشر الأوهام و تجنيد كتائب الدمار ! أمة يقدس فيها "المشايخ" الذين ألبسوا جلباب العالم الديني زورا وبهتانا و منحوا تلك المساحات الواسعة لصقل العقول على إدمان الخرافة و اللامعقول. كان لي حوار مع "سلفي" على المسنجر دام أكثر من ثمانية أشهر، و هو من المقيمين "في دار الحرب" و يتمتع بامتيازاتها الاجتماعية و هي حسب فهمه غنيمة! حوارنا دار حول الإيمان و الكفر، الحرية، الكرامة، الإنسانية، العلمانية و أمور كثيرة، وصلت الى قناعة أن بعض الناس و منهم محاوري يخلطون بين آرائهم و الدين … بظنون بحسن نية أو بنزعة استبدادية أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة و أفكارهم لا غبار عليها كي لا أقول إنها وحي يوحى! لا يفرقون بين الحوار و الإملاء و الفرض بسُلْطةِ النص القرآني وأقوال الرسول العدناني. اتهمني بعبادة العقل … فكان ردي أن يكون عقلي بمثابة هارون لموسى أشدد به أزري فعقب علي بأنني و عقلي خالدان في نار الجحيم و أنه و صَل لقناعة أنني مصاب بخلل في عقيدتي و نصحني بالتوبة قبل فوات الأوان. من المسنجر الى بَوابْ على أعتاب الجنة يُدْخِل إليها من يشاء على حسب تأويله لنص قرأه بشبكة بالية و يحلله بأدوات ملوثة و لم تعد صالحة لهذا الزمان. هذا الحوار ذكرني بقول مأثور نسب للشيخ أمين الخولي رحمة الله عليه "أن الأفكار حين تجد في العقل خواء و تصادف في الدماغ خلاء تعشعشُ و تستقر حتى ليصعب إخراجها و انتزاعها من العقل مهما كانت درجة زيفها" عندما تتربى أجيال على الحقد و كراهية الآخر بحجة تآمره على ديننا و طمعه في خيراتنا و ننسى أن نقول لهم إن الآخر لا يتآمر على الشعوب المحصنة بالعلوم و التمدن، إنما تحركه البراغماتية المصالحِي ة، و علمنا الحبيب المصطفي إنما الذئب تأكل من الغنم القاصيةَ! نحن نصبوا إلى جنة الغيب و نشيد جحيما لنا و لغيرنا بأقوالنا و تصرفاتنا… نبرر الشنائع لا بضعفنا و جهلنا و افتقادنا الأدوات التي يفهم بها عصرنا، نبررها بأوهامنا و عُق دنا و بالتمسك بماض لو عاد لكفر بنا و تبرأ منا، هكذا قمت اليوم إما إن أصارح نفسي و إما أن أصارعها.