تفسير المؤمنين للشيخ أبوجرة سلطاني إن على المؤمن أن يذكر اسم الله على كل عمل يباشره في حركته في الحياة قولا وفعلا، فكل عمل لا يفتتحه صاحبه باسم الله هو عمل ممحوق البركة مقطوع الصلة بالخالق الرازق، لا أثر فيه لحمد صاحب الخير والفضل، ولا لشكر المنعم، فهو أبتر، فقد أخرج أحمد في مسنده عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (ص) قال "كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عزّ وجل فهو أبتر"، أو قال"أقطع"، والبتر أو القطع أصلهما واحد وهو استئصال الشيء من أرومته حتى لا يستمر وجوده الحسي أوالمعنوي ببركة "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" لأن اسم الجلالة "الله" علَم على واجب الوجود، وكل الأسماء الحسنى صفات له (جل جلاله) فعند ما تقول: الله..الله..الله، فكأنك استحضرت جميع أفعال الله وصفاته: الرحمان، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر..وكلها صفات لا يتم كمالها المطلق إلاّ إذا أسندت لاسم الجلالة، لذلك يسمى الطبيب "حكيما" ويسمى النافذ في قومه "عزيزا" ويسمى صاحب المال "غنيا" وتطلق لفظة "الكريم" على من يشيع كرمه في الناس..ومثل ذلك: العالم، والمالك، والجبار، والقهار..الخ، ولكنها تظل أسماء دالة على نسبيّة الموصوف بها من العباد المحكومين بحركة الزمان وظرفية المكان ومحدودية الأعمار..فإذا ذهبتْ فرصتهم فيها ذهبوا، أما الله فحيّ لا يموت وقاهر فوق عباده، فقد كان عزيزا قبل أن يخلق من يعزّهم أو يذلّهم، وكان غنيا قبل أن يخلق من يغنيهم أو يفقرهم، وكان رزاقا قبل أن يرزق المخلوقين، لأن صفات الكمال ذاتيّة الوجوب في واجب الوجود، كاملة تامة، فإذا أظيفت هذه الصفات لاسم الذات صارت مطلقة الكمال تامة الجمال. فالرحمان على إطلاقه هو الله، والرحيم على إطلاقه هو الله، لأن الله (سبحانه) لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، فإذا قلنا: الرحمان الرحيم انصرفت المعاني كصفات مطلقة لله وحده لتأخذ منه (سبحانه) رتبة الأسماء الدالة على مطلق الرحمانية ومطلق الرحيمية، سواء كانت الطلاقة اسما للذات لا يقابلها نقيض كالرحمان، الرحيم، العزيز، القيوم، الجبار، القهار..أو كانت له (سبحانه) صفات لها ما يقابلها كالمعز المذل، والرافع الخافض، والضار النافع، والباسط القابض، والمحيي المميت..لأن الألوهية كاملة لا نقص فيها، فالقادر على أن يضرّ ولكنه عاجز عن أن ينفع ككثير من أرباب الأرض- لا يسمى إلهًا، ولا يجوز ذكر أسمهائها على شيء ليس من رزقها !! فما هي حقيقة البسملة؟ ولماذا قرنها المولى (جل جلاله) باسم الجلالة "الله" وليس بأسماء الصفات التسعة والتسعين (99) التي قال في شأنها رسول الله " في الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، والترميذي وابن ماجة، "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة"، فاسم الجلالة "الله" هو اسم دال على واجب الوجود المنفرد وحده بالخلق والموصوف وحده بالحياة والقيومية" اللَّهُ لَا إِلَ هَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" البقرة: 552، فمنذ خلق الله الكون ثم خلق الإنسان وأعلن هو(جلّ جلاله) أنه هو الله لا إله إلا هو شهادة الذات للذات، لم نسمع أن أحدا غير الله قال: أنا الله !! ولم يدّع أحدٌ من خلقه أنه هو "الله"!! ولم يتجرأ من أدعياء الربوبية أحد حتى فرعون نفسه- الذي قال "أنا ربكم الأعلى" وقال "ما علمت لكم من إلآه غيري" أن يسمى نفسه "الله"، حتى الذين زعموا أنهم أرباب وملوك وادعوا أن بأيديهم القدرة على الإحياء والإماتة لم يسمّ أحد منهم نفسه الله ولم يطلقها أحد على أولاده وإنما سموا أنفسهم بأسماء صفات وليس باسم الذات، فقال بعضهم عن نفسه العزيز، أو القاهر، أو الأعظم..كما سمى بعضهم نفسه "الرب الأعلى" ووصف بعضهم ذاته بالعزيز والجبار، والقوي، والقاهر..الخ، لكن لا أحد استطاع أن يتخطى هذه الحدود الجاهلة والمواقع الكافرة ليطلق على نفسه اسم "الله"، بل إن فرعون الذي قال لقومه "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَ هٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَ هِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" القصص: 83 لم يقل " أنا الله "، وإنما قال "أنا ربكم الأعلى"، بل إن الذين أرادوا أن يرفعوا شأن بعض البشر فوق مستويات الطين قالوا: إن فلانا ابن الله، كما زعمت بعض الفرق النصرانية. يتبع…….