من الخوارج إلى داعش… قراءة في منهج العنف وعقيدة الدم الحلقة 21 فداعش في حقيقة الأمر تطبيق ميداني لما في كتب هؤلاء ولما طرحوه من أفكار جهادية من وقت (الفريضة الغائبة) إلى (ملّة إبراهيم) و(على خطى إبراهيم) لا يهمّ الاختراق الذي لمّح إليه بوضوح (أبو قتادة) في (ثياب الخليفة)، فالدّول الكبرى لها مراصدها ومخابراتها وأجهزتها المختلفة ومن حقّها أن تدرس الظّواهر وتحمي شعوبها، ومن حقّها أن توظّفها في سياساتها الخارجية. لكن العيب أن لا نعترف أنّ هذه الرّوائح الكريهة تنبعث من ذواتنا، وهذه النّتانات التي تخرج للنّاس هي من قبور التّراث ومن اللّوثات الموجودات في تراثنا دون تصحيح. فالعنف كما دلّت تجاربها له تحوّلاته ولا يمكن لأمثال (المقدسي) وهو على كرسيه أو (أبو قتادة ) الذي زوّر جواز السّفر إلى بريطانيا الكافرة يطلب الحماية، لا يمكن لهؤلاء أن يتحكّموا في تحوّلاته وتقلّباته بقال (ابن تيمية) وقال (ابن الطقطمان) ولا قال (الطرطوشي)أو رأي الجمهور كذا، فهوية (داعش) العنيفة ترجمة حرفية لفكر (الفرضة الغائبة) ولفكر (بن لادن) و(الظواهري) ولفكر (المقدسي )و(أبو قتادة ) وهم يتحمّلون مع غيرهم مسؤولية الإساءة إلى الأمّة وتدميرها وتعريض مقدّراتها وأمنها للزّوال "الذين يقدّسون الأشياء يكونون أوّل ضحاياها" (علي حرب /في نقد النّص 59). ثورات وانتفاضات ضد النّظام العربي من عهد (الحسين) عليه السلام إلى زمن ثورات(الرّبيع العربي) الفجوة بين الدّولة والأمّة كم سالت الدّماء من أجل الحكم: "أعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة، إذْ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان " (الشهرستاني في الملل والنّحل 06). لقد كان الخلاف على الحكم أوّل ما ظهر بين الصّحابة رضوان الله عليهم، وكادت تعصف بهم الخلافات حوله لولا الحسم الذي تمّ في سقيفة(بني ساعدة) وبويع (أبو بكر الصديق) ورضي الجميع ماعدا ما روي عن (سعد بن عبادة )الذي رفض مبايعته. وانتقل الحكم بعده في هدوء وسلاسة إلى (عمر بن الخطاب)، فقد استخلفه (أبو بكر) ولم تقع اعتراضات تُذكر، ولعلّ السبب قرب العهد بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا يجعل القلوب معلّقة بتنفيذ وصاياه في حفظ لُحمة الجماعة والصّبر من أجل خير الدّعوة، ثم وبعد الاغتيال الغادر والمفاجيء الذي تعرّض له (عمر بن الخطاب) من غلام يافع (أبو لؤلؤة المجوسي) أثناء الصّلاة ترك أمر الخلافة في ستة، وانعقد أخيرا رأيهم على تولية (عثمان بن عفان) ومع ما ترك الأمر في نفس (علي) والهاشميين، إلا أنّ الأمر تُحمّل وتُقبّل خصوصا في السّنوات الستة الأولى من حكمه ومع بداية نفوذ عشيرته وأهله وبني أمية، ومع ما ظهر من فساد الولاة واستئثارهم بالمال مع الظّلم والعبث حتى بدأ الخلاف حول الحكم وارتفعت الأصوات بعدم صلاحية (عثمان) لمنصب إدارة الحكم متّهمين إياه بالخروج عن خطّ (أبي بكر) و(عمر) ومحاباة أهله وعشيرته وتولية المفسدين من أمثال (الوليد بن المغيرة )الذي صلّى بالنّاس مرّة وهو سكران ودوّخه الخمر حتى صلّى الصبح أربع ركعات وجلده لذلك عثمان، لكن هذه الأخطاء تركت جراحاتها على الرّأي العام الذي بدأ يتهيّأ للثّورة ضدّ الخليفة (عثمان) رضي الله عنه. وبعد حصار بيته وقتله ثم اغتيال (علي) رضي الله عنه ومجيء دولة (معاوية) دخلت الأمة فصلا جديدا حتى وإن تمكّن (معاوية) بعد تنازل (الحسن) عام 41ه من تثبيت أركان الحكم وتحقيق الاستقرار واستئناف الفتوحات بعد توقف نتيجة الاشتغال بالأوجاع الدّاخلية، وسمّي العام عام الجماعة. كانت نار الخلافات حول الحكم تتحرّك تحت الهشيم، خصوصا بعد إقدام (معاوية) على نظام التوريث وأخذ البيعة لولده (يزيد) الفاسق مخالفا الاتّفاق بينه وبين (الحسن)، فدخلت الأمّة بذلك فصلا دمويّا سيستمر عقودا بل مئات السّنين من الاحتراب والاقتتال الدّاخلي تثبيتا لأركان الحكم. يتبع…