المشكلة في طريقة التعليم ولدينا الحل العلمي الحلقة 02 والأخيرة إذن فمآل الغاية من هذا، هم يقولون أنهم يسعون إلى تيسير تعليم الفصحى لأطفالنا، لأن أطفالنا في منظورهم الذي أفصحوا عنه يجدون صعوبة في تلقي اللغة الفصيحة لأنهم حين يدخلون المدرسة يجدون أنفسهم أمام وضع لغوي مختلف عما كانوا قد ألفوه في المنزل وفي المحيط، ولكن ما يهدفون إليه في الحقيقة ليس هو تيسير تعليم اللغة كما شرح ذلك المفتش العام لوزارة التربية وكذا وزيرة التربية، لأن تلقين الدارجة لا يحقق التيسير لأننا نقدم له مستوى تعبيريا مختلفا تسعى المدرسة إلى نشره، لأن الدارجة أنواع ويختلف معجمها من جملة إلى أخرى، ثم إنها خليط ومعظم مفرداتها مستمدة من الفرنسية، ولهذا لم تعد الدارجة قريبة من العربية الفصحى. إن التيسير الذي يتحدثون عنه له فلسفته وأسلوبه وله طرائقه ويتطلب بناء منهاج محدد وتحديد طريقة ممنهجة وضبط رصيد لغوي خاص بمستوى السنتين الأولى والثانية وأهدافا مضبوطة، وليس الهدف من التيسير إبعاد الطفل عن لغته وتلقينه لغة الشارع التي لا يقول بها أحد عاقل ولا تنفذها دولة من الدول الواعية بسيادتها، لأن لغة الشارع أو لغة البيت لا ترقي إلى مستوى اللغة الأساسية لغة المدرسة ولغة العلم والفكر، والتي هي اللغة الجامعة ثم إنها لغة القرءان ووعاء الحضارة الإسلامية. واللهجة الدارجة ليست لغة جامعة ولا موحدة، فالعمل بها هو كسر للوحدة الوطنية وتمزيق للروابط الثقافية التي حرصت الثورة على تمتينها وتعميق الاهتمام بها، ثم إن الاهتمام بتلقين الدارجة أو العامية يخلق بيئات لغوية متعددة لا يمكن للمدرسة أن تجد لها أسلوبا ينسق بينها، وهذا يعني تشجيع اللهجات وهذا الطرح الذي حللّنا بعض جوانبه لا يبتعد عن الطرح الذي نادت به الحركة الثقافية البربرية (MCB) حين قدمت مطالبها للبعثة الأممية حين زارت الجزائر لتقصي الظروف الأمنية والتي طالبت فيها بالمساواة بين " اللغات " الجزائرية كما تقول، وعددت ما يستعمل في المحيط الجزائري من استعمالات لغوية، والمتبادر إلى الذهن أن المقصود باللغات هي اللغات الأربع: ( العربية الفرنسية الأمازيغية العامية)، كما طالبت بصفة خاصة بترسيم العامية بدلا من الفصحى، ويعني ذلك بالضرورة إبقاء العمل بالفرنسية على أساس أنها لغة عمل، أما الفصحى فلم تتحدث عنها إلا من حيث كونها واقعا دستوريا لا يضر إبقاؤها على هامش اللغات الثلاث، العامية والأمازيغية والفرنسية، هذا ما يفهم من السياق ولكنها طالبت في الوقت نفسه، بتجميد قانون التعريب أو إلغائه واقتراح الوزارة يسير في هذا الاتجاه حتى وإن لم تصرح به، هذا وأن المشكلة التي تطرح في مستوى التعليم الابتدائي (وفي السنوات الأولى بالخصوص) هي كيف نمهد السبيل لتلقين الأطفال اللغة الصحيحة وتمكينهم من امتلاك مفرداتها وأساليب التعبير بها والتدرج بهم نحو اكتساب الملكة اللغوية التي أساسها الاستعمال !! إذن الموضوع الذي يجب أن يبحث هو طريقة التعليم وليس المفاضلة بين الفصحى والعامية، إن الموضوع يجب أن يطرح وفق التساؤل الآتي: كيف نيسر اللغة الفصحى وهذا الموضوع عالجته بعض الحصص التلفزيونية مثل افتح يا سمسم في السابق، والقصص التي تبث في القنوات الفضائية باستخدام الرسوم المتحركة، وبالنسبة إلى طريقة التعليم فقد طرح هذا الموضوع وعالجناه معالجة علمية وتربوية وشرعنا في تطبيق برامج التعليم الأساسي، ووجدنا له حلا علميا ولغويا، وتمثل في جعل مكتسبات الطفل اللغوية هي المنطلق في عملية التيسير، وهذا الحل لا ينقص من قيمة اللغة ولا يبعد المتعلم عن لغته التي هي لغة المدرسة ووعاء المعرفة. وتطلب الموضوع ضبط خطة شاملة روعي فيها الجانب اللغوي الصحيح وقدرات الأطفال وحاجاتهم ومنهجية التعليم والأسلوب الميسر لتعليم اللغة وجعل الطفل ينتقل من لغة المنشأ إلى لغة المدرسة ولا تبقيه في المستوى الذي جاء به، وتطلّب وضع هذه الخطة تحديد المشاهد والأحداث المصورة التي توسع إلمام الأطفال ليعبروا عنها ويحاور بعضهم بعضا في شأنها كأنهم يعيشون معها أحداثا واقعية، وأن دور المعلم في الحصص التي يتلقى منها الطفل ما يبرمج له من الرصيد اللغوي هو تصحيح لغة الطفل وتمكينه من التعابير الصحيحة التي يدفع إلى ممارستها حديثا وكتابة وقراءة، هكذا ينتقل الطفل من لغة المنشأ إلى لغة المدرسة، وهذه الطريقة ضبطنا عناصرها ونفذناها في التعليم الأساسي وكانت لها نتائج، لكن تم التخلي عنها وعن التعليم الأساسي. إن ما كنا ننتظره من الندوة الوطنية أن تبحث موضوع المشكلة اللغوية التي تتسع لتشمل اللغات الأجنبية ونوع اللغات التي يجب أن تختار، وهذا لم يطرح في هذه الندوة مع الأسف. كان المطلوب أن يتوجه اهتمام المسؤولين في المجال اللغوي إلى موقفنا الرسمي من اللغة ومن الوظائف التي تسند إليها، وكان يجب أن يتجه البحث إلى الجمع بين الثنائيات المطروحة، بين اللغة والكلام، بين علم اللغة وعلم تعلم اللغة، بين الفصحى التراثية والفصحى المعاصرة، بين لغة التعليم ولغة الإدارة، بين لغة المنشأ ولغة المدرسة، وبين اللغة العربية واللغات الأجنبية، وكنا نتمنى أن تطرح سياسة تكوين المعلم، ولكن الندوة لم تبحث هذا الموضوع، وهو أساس المشكلة التي جعلت التعليم يتدنى مستواه ويضعف مردوده. عبد القادر فضيل