تأكيد هدى فرعون وزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال على عدم قدرتها على حجب المواقع الإباحية أو تلك التي تشيد بالإرهاب أصابني بدهشة لم أستفق منها بعد، خاصة إذا عرفنا أنهما ساهما بشكل كبير في تهديم المجتمع تهديما نخر جسمه من الداخل، فقتل الأول الوازع الأخلاقي في نفوس النشأ والأطفال، وجلب أمراضا جسمانية خطيرة للشباب، وحرف الثاني المجتمع عن السلم وذهب به بعيدا في مجاهل الفتاوى الضالة. قد تكون فرعون بتصريحاتها دقت جرس خطر حقيقي، فهي تعترف بما لا يدع مجالا للشك عن عجزها في محاربة هذه الظاهرة التي تقف وراءها بارونات ولوبيات عالمية ومحلية تبيع الوهم وتوهن العظم. قد تكون مهمة البريد مهمة تقنية بحتة، فبأيديها فنيا مهمة حجب هذه المواقع سواء الإباحية منها أو الإرهابية. ولكن غياب القانون الذي يسير هذا الأمر موكل لعدة جهات. مجتمع مدني غائب عن التأثير، لانجد له حسا إلا في المواكب والاستفادات المادية الخاصة البحتة، أما أعضاء البرلمان فلا نستطيع أن نقول فيهم إلا كما قال العربي قديما " أن تسمع بالمعيذي خير من أن تراه ".فالمنظومة الاجتماعية غائبة والبرلمانية معطلة والحكومة كمن يرقص في أعراس الآخرين . لو اكتفت وزيرة البريد والمواصلات بالحديث عن افتقادها للمنظومة الإجرائية القانونية التي تمكنها من حجب المواقع الإرهابيةوالإباحية لكان أمرها مفهوما، ولكن أن يتحول عذرها إلى ذنب آخر تقترفه في حق تبرير الأشياء فهذا ما وجب التوقف عنده . أفادت الوزيرة، أن حجب هذه المواقع الإلكترونية من شأنه أن يمس بحرية التعبير المكفولة قانونًا في البلاد. ولست أدري إن كان ذهني قاصرا على فهم معنى حرية التعبير أم أن المفهوم التبس على وزيرة شابة، أقحمت نفسها في أمر كان لها أن تبقى بعيدة عن لظاه، مكتفية بالتنبيه مشكورة إلى أن دائرتها الوزارية عاجزة بالفعل عن حجب هذه المواد من الشبكة العنكبوتية. في هذه الحال لن يلومها أحد وسنرفع النقاش إلى المجتمع المخول أصلا لطرح هذه الاشكالية في مؤسساته النظامية والتشريعية. سوف لن نقارن أمرنا ببلد مثل سويسرا التي يتم استفتاء الناس وفي كل مدينة على حدة، بشأن أمورهم وقوانينهم الجديدة، ولكننا في المقابل نتعجب لاستقالة المجتمع من طرح قضاياه المصيرية . قرأت في الصحافة الأجنبية أن الحكومة رفضت التعاطي مع مطالب الإسلاميين الذين أطلقوا قبل أسابيع حملة لإغلاق مواقع الانترنت الإباحية بحجة "فساد أخلاق المجتمع الجزائر يضر بالقيم الإسلامية وثوابت الأمة" والصحافة الأجنبية تعتقد عن قصد أن كل ثوابت الأمة لايقف وراءها إلا من تسميهم " الإسلاميين". وتعني بذلك "المتطرفين " منهم، وكأن حماية الأخلاق مهمة خاصة لهؤلاء. لقد سنت الدول العظمى قوانين صارمة لحماية إقتصادها وصناعتها وإنتاجها الزراعي، ونعجز نحن عن سن قوانين تحمي قيمنا ومستقبلنا كأمة بنيت على مكارم الأخلاق.