خبايا يكتبه كل سبت: رابح لونيسي رحل الرمز التاريخي حسين آيت أحمد، وفي قلبه غصة، لأنه لم يتحقق حلمه وحلم الشهداء والمجاهدين الحقيقيين في تجسيد عملي وفعلي لدولة جزائرية قوية وديمقراطية واجتماعية بأتم معنى الكلمة، ولايتحقق ذلك إلا بالعلم والعمل والانضباط، فالانضباط ليس معناه الدكتاتورية، كما يعتقد البعض الذين يخلطون في المفاهيم والمصطلحات، وللأسف يعتقد بعضنا أن الديمقراطية هي الفوضى، ولايدركون أن روح الانضباط يسود الدول الأكثر ديمقراطية، لأن القانون الذي يضعه ممثلو الشعب الحقيقيون هو الضابط الوحيد للعلاقات داخل الدولة والمجتمع، ويكون فوق الجميع، كما أن الأنظمة الديمقراطية تفرز نسبيا الأكفاء والنزهاء، ويحترم فيه الإنسان الذي يتحول إلى محور للحياة، هذا ماكان يحلم به آيت أحمد، فنظرا لإيمانه بالإنسان وحقوقه ناقش رسالته في الدكتوراة في1975 حول حقوق الإنسان في أفريقيا التي كانت مهضومة. عندما وقع مايسمى ب"الربيع العربي"، ثم مرض الرئيس بوتفليقة راودت البعض من الخيرين داخل سرايا النظام وخارجه بأن الجزائر في حاجة فعلية إلى عملية انتقال ديمقراطي سلمي حقيقي تتفق حوله كل مكونات الأمة وأطيافها، ومنها السلطة والمعارضة، وكانت الفكرة العامة السائدة عند هؤلاء إقامة مرحلة انتقالية من ثلاث سنوات تقودها شخصية توافقية، وتنقل الجزائر إلى بر الأمان، وتجنبها العنف المدمر الذي كانت تعرفه منطقتنا آنذاك، فاتجهت الأعين إلى الرمز التاريخي آيت أحمد، لكن للأسف بعد فوات الآوان، فكان مستحيلا بسبب الدورة البيولوجية للحياة، وكان على مشارف اتخاذ قراره بمغادرة الحياة النضالية والسياسية التي دامت أكثر من 70 سنة من حياته كلها نضال في السجون والجبال والمنافي إلا لكي يرى الجزائر وشعبها مزدهرا، ويعيش في كنف الحريات والعدالة. أورد هذا لكي نبين أن آيت أحمد كان فرصة الجزائر غداة أكتوبر1988، فلنتصور لو كانت النوايا صادقة آنذاك، وسمعت لهذا الرجل الذي كان يدعو إلى عقد وطني بين كل الأطياف والقوى السياسة والأيديولوجية في الجزائر، وتلتزم كلها باحترام وضمان أدنى المباديء الديمقراطية، وكان من المفروض أن تدخل الجزائر آنذاك في مرحلة انتقالية يقودها رمزا وطنيا تاريخيا لم يشارك في السلطة، وأثبت قولا وفعلا مدى تضحيته من أجل الجزائر ومدى إيمانه بالقيم والمباديء الديمقراطية، فأي عملية انتقالية ديمقراطية يجب أن يقودها رجل مثل مانديلا في جنوب افريقيا الذي كان ضمانة للجميع، وقد كان آيت أحمد على نفس الشاكلة في الجزائر، ولنسأل فقط مثلا لو أن مصر حكمها بعد تنحية مبارك رجل مثل مانديلا أو آيت أحمد، هل كان بمقدور السيسي أن ينقلب على المسار الديمقراطي، ونفس الشيء في الجزائر لو أقمنا مرحلة انتقالية ديمقراطية نعيد فيها بناء آليات جديدة، هل كنا سنقع في عنف التسعينيات؟، فلا يمكن نجاح مرحلة انتقال ديمقراطي إلا برجل ديمقراطي حقا وجامع ولايقصي أيا كان. [email protected]