معمر حبار يتحدث بن نبي في دفاتره سنة 1958، أنه أهدى كتابه "شروط النهضة"، لطه حسين والعقاد، ولم يتلق إجابة منهما، ووصف موقفها الأرعن بقوله "الصمت المتعالي الأرعن كل من السيد طه حسين ومحمود العقاد". وجاء في صفحة 656، أن بن نبي أهدى كتابه "الإفريقية الأسيوبة" لعبد الناصر. وما يجب التركيز عليه أن المصريين من ساسة ورجال فكر وعلماء دين، لم يعيروا بن نبي اهتماما وتقديرا يليق بكتبه وأفكاره، ولم أجد غير الحقد والحسد والغيرة من وراء عدم الاهتمام، لأن بن نبي كان متفوقا، والتفوق يقلق الحاسد المبغض. بن نبي في صفحة 657، يفرق جيدا بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، حين يقول إن المهندس العربي حين ينتهي من خريطته يقول "هذا كاف"، والمهندس الغربي حين ينتهي من خريطته يقول "وهل هذا يكفي؟". وهنا يكمل الفرق بين حضارتين. وهذه الصورة هي التي يحملها بن نبي في جميع كتبه، حتى أنها أصبحت إحدى الهموم التي يجب التطرق إليها، ومعالجتها وإيجاد حل لها. يتحدث بن نبي في صفحة 658، عن الضغوط التي تعرض لها كتابه "الإفريقية الآسيوية"، من طرف زعماء الثورة الجزائرية، حين قال.. إنه يتم إعدامه بكل دقة وعناية من خلال استخفاف الزعماء الجزائريين به من ناحية، والموظفين الكبار في السكرتارية العامة للمؤتمر الإفريقي الآسيوي من ناحية أخرى. وتجاهلوا عمدا الرسائل التي تطلب كتاب "الإفريقية الأسيوية" أو التعريف به. وعن الحركة الإصلاحية، يرى بن نبي في صفحة 663، أن مايميز الحركة الاصلاحية أن هناك "غياب نظرية محددة لدى رواد الإصلاح، أفقدت الحركة أهدافها ووسائلها رغم كله ماحققه من إيجابيات" ويبدو لصاحب الأسطر وهو يتصفح الكتاب ويتابع رحلة المفكر، أن بن نبي وهو في القاهرة لم يكن له اتصالا بالجامعة المصرية، ومرد ذلك في ما أعتقد.. أن بن نبي اهتم بالترويج لكتبه وأفكاره، وركز كثيرا على الساسة كعبد الناصر والسادات يومها، ويتلقى منهم المبالاة وعدم الاهتمام. وكذا طه حسين والعقاد، ثم أن العقلية المصرية لاتقبل منافسا لها، خاصة إذا كان بوزن بن نبي. أما في سورية ولبنان، فقد ذاع صيته وبقي اسمه، ثم إن الفطرة السليمة للسوري واللبناني دفعته إلى الاتصال ببن نبي والاستفادة منه، ضف لها أن في لبنان وسورية، سبقه تلاميذه كالمسقاوي، وساسة المشرق اتصلوا به ليستفيدوا منه ويتخذونه قدوة في بناء مجتمعهم، والنهوض بالقطاع الذي يشرفون عليه. واستقبل في سورية من طرف أساتذة الجامعة الكبار، وقد ذكر كمال مسقاوي أسماءهم لمن يريد الرجوع إليهم. وفي كل مرة يستضيفه أستاذ ويعرض عليه أن يلقي محاضرة في الجامعة أو في مكان يجتمع فيه الطلبة والمعجبون، وقد كان لهذه اللقاءات والمحاضرات الأثر البالغ على فكر بن نبي، حيث تأكد أن أفكاره كتبت لها الحياة من جديد على يد السوريين واللبنانيين، بعدما عانت الاضطهاد والتضييق في القاهرة وعلى يد الساسة والمفكرين والثورة الجزائرية وعلماء الجمعية. وللتدليل على ذلك يكفي أن بن نبي في صفحة 739، يرتاح في سورية حين علم أن كتابه "vocation de l'islam"، ترجم إلى "وجهة العالم الاسلامي"، بعد كل من كتابه "الظاهرة القرآنية" و"الفكرة الإفريقية والآسيوية". ويعلق الأستاذ مسقاوي على ذلك قائلا. ارتاح بن نبي من ترجمة عبد الصبور والضغط الممارس عليه. يفهم من خلال هذه السطور، وفي انتظار الانتهاء من عرض الكتاب، أن بن نبي كان يعيش ضغوطا كبيرة في مصر، من طرف الساسة وعلماء الدين ورجال الفكر والأدب، ووجد الحرية الكاملة في سورية ولبنان، وانعكس ذلك إيجابا على إبداعاته، التي يتمتع بها القارئ الآن.