الهدف الذي سجله المنتخب الفلسطيني و فاز به على الجزائر، شاهدته على شبكة التواصل الاجتماعي الذي نشره بشكل واسع، الشباب الجزائري ،كما شاهدت كيف تم تسجيل الهدف الفلسطيني ضد منتخب الجزائر، وشاهدت كيف اهتزت مدرجات الملعب وكيف راح الشباب الجزائري يصفق وبقوة وبحماس منقطع النظير للهدف الفلسطيني ضد منتخب بلده الجزائر. كما قرأت في الصحافة ان الشباب الجزائري كان يصفر وبقوة احتجاجا على لاعبي بلاده لما يتعاملون مع المقابلة بجدية ويقتربون من تسجيل أهداف ضد متخب فلسطين. للوهلة الأولى قد تنشأ جملة من تساؤلات: هل الشعب الجزائري يحب فلسطين أكثر من بلده الجزائر فراح يشجع فريق فلسطين ضد فريق بلده الجزائر، وفرح بانتصار فلسطين على حساب بلده الجزائر؟ هل الشعب الجزائري يكره بلده ويتمنى لها الهزائم ويشجع كل من يهزمها؟ هل الشعب الجزائري متعاطف مع القضية الفلسطينية إلى حد أصبح أكثر فلسطينية من الفلسطينيين ويفرح لما تنتصر فلسطين على الجزائر؟ . المسألة ،كما أرى، لا علاقة لها بكل تلك التساؤلات لأنها أبعد من ذلك وأعمق من ذلك بكثير . المسألة لها علاقة بوجدان الشعب الجزائري الضارب بجذوره في اعماق التاريخ، لذا يجب استنطاق تاريخ الشعب الجزائري لكي نفهم سر تشجيع فريق فلسطين والتصفيق الحار لهدف فلسطين والفرح الكبير لفوز فلسطين على بلده الجزائر . الشعب الجزائري من أكثر شعوب الأرض، إن لم يكن اكثرها على الاطلاق الذي تعرض إلى مظالم التاريخ. الشعب الجزائري تعرض إلى ظلم تاريخي كبير وفريد من نوعه. الشعب الجزائري ظلمه التاريخ كثيرا وكان جائرا وقاسيا معه بدون رحمة ولا شفقة . الجزائر دون غيرها عرفت انواعا مختلفة من الاستعمار. لقد تعاقب علي الجزائر الظلم التاريخي واذاقها انواع الظلم والقهر و الإذلال و الفقر والحرمان الذي استمر قرونا كثيرة .لكن تاريخ الجزائر ليس تاريخ الذل والقهر والظلم إنما ايضا تاريخ مقاومة الذل والقهر والظلم والطغيان . هذه الوضعية التاريخية التي توارثها الشعب الجزائري جيل عن جيل تركت أثرها على البنية النفسية للفرد الجزائري ، وكانت لها تداعيات كثيرة من ضمنها موقف و رؤية الجزائري للآخر حيث أصبح يتعامل معه بريبة وعدم ثقة وتوجس، الآخر بالنسبة للجزائر عدو ويظل عدوا حتى يثبت العكس من تداعيات تلك الوضعية التاريخية وأهمها، أصبح الجزائري من اكثر الشعوب في العالم حساسية للظلم، بل أصبح العالم في نظر الجزائري منقسم بين ظالم و مظلوم، إن لم تكن ظالما فأنت مظلوما الحساسية المفرطة تجاه الظلم جعلت الشعب الجزائري يخترع مفردة خاصة به أفصح بها عن حقيقة الظلم الذي عاشه عبر العصور، ، مفردة نحتها بالدم و الأحزان و لا توجد في لغة العرب والعجم ولم يفهم كنهها ولا معناها ولا مبناها، العرب والعجم لأنها تفصح عن خصوصية التاريخ الجزائري ،خصوصية الظلم والقهر التاريخي الذي عاشه الشعب الجزائري، إنها مفردة "الحقرة"، بثلاث نقط على حرف القاف وليس اثنتان لأنها تفقد معناها وتصبح شيئا آخرا بنقطتين على حرف القاف ذلك الوضع التاريخي المأساوي جعل الجزائري يؤل العالم و الصراع العالمي، بين حقارين و محقورين وقد تجلت بشكل خاص بعد ما حقق الشعب الجزائر استقلاله حيث اصبحت الحقرة معيارا اخلاقيا وليس سياسيا يحدد موقف الجزائري من الأحداث العالمية وقد تجلى ذلك من خلال مساندته للثورة الإيرانية التي كان يراها ثورة المحقورين وكان يرى زعميها آية الله الخميني أحد رمزها و ابطالها ولم يتلفت الشعب الجزائري ، ولم يسأل عن هؤلاء المظلومين، عربا أكانوا ام عجما، مسلمين أو غير مسلمين شيعة ام سنة لأن المعيار الأخلاقي الوحيد في الوجدان الجزائري هو الظلم وما عداه متغيرات وتفاصيل صغيرة إنه نفس الموقف ونفس المعيار الأخلاقي في تعامل الشعب الجزائري مع القضية الفلسطينية وهذا ليس غريبا ان يرفع الشعب الجزائري ذلك الشعار الذي دوخ حتى الشعب الفلسطيني وهو يسمع" نحن مع فلسطين مظلومة أو مظلومة "لأنه شعار نابع من إحساس ووجدان الشعب الجزائري الذي تجرع بمرارة الظلم وظل يتجرعه قرون عديدة بالأمس على مدرجات ملعب 5 جويلية في المقابلة الودية بين الجزائروفلسطين، كانت المناسبة للشباب الجزائري ليترجم شعار "مع فلسطين ظالمة او مظلومة" في الميدان وعلى أرضية الملعب عندما حملوا العلم الجزائري بيمينهم والعلم الفلسطيني في يسارهم وهم يرددون الأغاني والأهازيج لقد كان الشباب الجزائري وهو يشجع الفريق الفلسطيني يعلم أنه فريق متواضع قادم من بلد محتل ومحقور لذا قام بتشجيعه حتى لا يزيده حقرة عن حقرة وظلم عن ظلم .وهذا نابع من احساس الجزائري بالحقرة وهو ما يفسر تصفير الشباب الجزائري احتجاجا على لاعبيه لما يحاولون تسجيل اهداف وكأن لسنا حالهم يقول " ما عرظناهمش باش نحقروهم ونهزموهم " لقد كان الشباب الجزائري على مدرجات الملعب يرى انتصار الجزائر على فلسطين ليس انتصارا إنما هو حقرة لذا كان يدعمهم ويناصرهم، من جهة حتى لا يتحول الجزائري إلى حقار ومن الجهة الأخرى و هي الأهم رفض الشباب الجزائري أن تهزم فلسطين ولو في لعبة ودية مع شقيقتها لقد افصح أمس الشباب الجزائري على مدرجات ملعب 5 جويلية بكل عفوية وتلقائية عن عمق الوجدان الجزائري وكان اكثر عمقا وأصالة ورحابة ووفاء لتاريخ أجداده الشهداء.